العراق قبل إنتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة "9"

 

قرطبة الظاهر

 geniralif@yahoo.de 

الحالة الامنية وقواطع التفتيش (السيطرات) 

لم يخلو يوما من أيامي في بغداد من تصفح حزمة من الجرائد اليومية المحلية لأطلع على ما تكتبه نخب الصحفيين من أنباء ومقالات تخص الشأن الداخلي العراقي والاقليمي. فأن فضولي وحبي لتصفح الجريدة إستمدته من طفولتي عندما كنت أترقب والدي يأتي من العمل فكنا معا نتصفح الجريدة وكان يقرأ لي ما مكتوب وأنا اتمعن صور الاحداث. كان يقص علي بشكل مبسط جدا أحداثا كثيرة فكنت انشد للاستماع للخبر. وما اكثر الاخبار في نهاية السبعينيات في الجرائد العراقية وخاصة بعد ان اصبحت الامور في كنف الصداميين الذين كانوا يعدون العدة لتحويل النظام السياسي من نظام البعث العربي القومي إلى نظام البعث الصدامي القطري. واليوم نحن نتطلع إلى تحول ديمقراطي جديد بعد عملية الانتخابات علها تفتح ابواب الفرج على هذا الشعب المنكوب الذي اصبح يحلم بالحرية والانتعاش الاقتصادي والرفاهية والامان. فأصبحت قراءة الجرائد امرا مستوجبا علينا وخاصة على الذين قدموا من الخارج إلى العراق مثلي أنا كي تتضح لنا الصورة الكاملة للاوضاع الراهنة عن كثب.

كانت اكثر المقالات المكتوبة تتحدث عن الامن والحالة الامنية في الوطن. كل الجرائد تبدو متفقة فيما بينها على ان الامن لازال منقوص ومعطوبا بعد ما حدث من تفجير مهول في ظهيرة يوم دافئ ومشمس من ايام شهر فيبراير/ شباط من هذا العام. كنت في ذلك اليوم اتحدث على الهاتف مع احد الزملاء الصحفيين الذين أراد أن يستفسر عن صحتي بعد وعكتي الصحية وفي تلك الاثناء اهتز فجأة البيت وكادت كل النوافذ تتكسر. في نفس الوقت سمعت عبر الهاتف التفجير في المكان الذي يتحدث منه زميلي وكان بالقرب من فندق الشيراتون. إنقطع الاتصال. جلست قليلا على الكرسي وانا ارتجف من الصدمة لأستوعب ما حدث في هذه الثواني. حاولت ان اعيد الاتصال بزميلي لاطمأن عليه وعلى سلامته..لكن دون جدوى..كنت في ذلك اليوم وحدي في البيت حيث كان الاقرباء في وظائفهم. قمت بتفقد زوايا البيت والنوافد عل شي قد تكسر او تهدم على إثر الانفجار. لكن كل شي كان في محله. فتحت جهاز التلفاز كي استقطب اخر المستجدات وكي اعرف ما حصل على التو وإلا بي اقرأ خبر سلسلة  من التفجيرات تستهدف فنادق بغداد الكبرى وهناك عشرات القتلى والجرحى. إتصل بي احد الاصدقاء من المانيا للاطمئنان على سلامتي ونصحني بأن أتصل و أطمأن ايضا والدي في المانيا وأن لا أبرح البيت اطلاقا، ففعلت. كنت اتجول في البيت بين الشرفة والشبابيك علني أجد في الشارع تحركا أمنيا..لكني صعقت بسيارات الاسعاف والمدرعات التابعة لعمليات بغداد تجوب الشارع بسرعة وفي السماء تنتشر أعدادا كبيرة من الهليكوبترات تقوم بتمشيط المنطقة. اصبح القلق يداهمني وانا لا اعرف مصير زميلي فحاولت الاتصال به مرارا لكن كل محاولاتي في ذلك اليوم باءت بالفشل.

في اليوم التالي وأنا أتوجه إلى المقر في الجادرية عبر ابو نؤاس ايقنت شدة الانفجار خلال مروري بفندق الشيراتون. فالحواجز الكونكريتية تحمل بوضوح اثار التفجير وحتى إسفلت الشارع لم يسلم من هذه الجريمة النكراء. كان الفضول ينتابني أن اعرف ما سوف تكتبه الصحف في هذا اليوم و إذا بي اجد مجمل الصحف توجه إنتقاداتها اللاذعة لاجهزة التفتيش ولغرفة عمليات بغداد ولوزارة الداخلية المسؤول الاول عن هذه الاجهزة الموزعة في كل قواطع التفتيش (السيطرات). وخاصة بعد ان مرت العاصمة بغداد بسلسلة من التفجيرات المهولة والتي طالت العديد من الوزارات. كنت على يقين تام بان هذه الاجهزة هي في ظاهرها سخرية على الشعب العراقي وباطنها هي المنفعة الشخصية لمن عقد الصفقة مع الشركات التي قامت بتجهيز وزارة الداخلية بمثل هكذا اجهزة. كنت اضحك وأتفاجا كل مرة عندما تستوقفنا مجاميع قواطع التفتيش وتسألنا عندما يؤشر الجهاز في إتجاه السيارة: حاطين ريحة؟ لا... محشين سنونكم؟ اي نعم... فوتو الله ومحمد وعلي وياكم!! في احد القواطع سؤلنا: هل تحملون سلاح؟ أجابه احد افراد الحماية: نعم سيدي. فسالته: ماذا يحدث لو انك قلت له :كلا لا احمل اي قطعة من السلاح بالرغم من ان جهاز الفحص يضرب في إتجاه السيارة؟ فاجابني: سيامرني بالاتجاه يمينا إلى قسم التفتيش الدقيق وربما يفحصون السيارة وقد يعتقلونني لاني كذبت عليهم. شيئ جيد، قلت في نفسي. ما حدث بالفعل هو ان الجندي أمرنا بالتوجه يمينا إلى قسم التفتيش الدقيق. في هذا القسم تأمل الجندي في وجوهنا بدون تفتيش السيارة وبدون ان يأمرنا بالنزول منها كي يتم التفتيش الدقيق فيها، ثم فسح لنا بالمرور!؟؟! ماذا لو كانت هذه السيارة تحمل اكثر من قطعة من الاسلحة غير المرخصة مختبأة تحت المقاعد؟ كيف يصدق الجندي بهذه السذاجة اقوال السائقين؟ صدمت لهذا الموقف وادركت في نفس الوقت حجم الخروقات الامنية في قواطع التفتيش.

 في احد القواطع وجدت الجنود يأكلون البطاطا المجففة (الجبس)، سيارتنا كانت تحمل قطعا من الاسلحة المرخصة. جهاز التفتيش لدى الجندي في قاطع ابو نؤاس ليلا كان في يده لكنه لم يقم بفحص السيارة ولم يسألنا لاي جهة تابعة هذه السيارة، بل أحب أن نشاركه في اكل البطاطا!؟؟! لكننا رفضنا وشكرناه. تساءلت: ماذا لو كان في هذه السيارة مجاميع ارهابية تحمل مواد متفجرة تمر على قاطع تفتيش تجد فيه جنود يستمتعون بأكل البطاطا ولا يأبهون بأداء واجبهم ويسمحوا للسيارة بالمرور دون تفتيش؟ وأي تفتيش؟ يعتمدون كليا على جهاز مبرمج على الروائح وقطع المعادن؟ ماذا لو كانت المواد المتفجرة عبارة عن حبيبات مطحونة تشبه الطحين؟ ماذا لو كانت السيارة تابعة فعلا لوزارة الداخلية لكنها مسروقة؟ كيف يأتمنون الجنود بأقوال السائقين؟ و ماذا لو كانت كل القواطع مجهزة باجهزة السونر الكبيرة لفحص السيارات؟ أليست هذه افضل من مساءلة سائقي السيارات وتلك الاجهزة المثيرة للجدل؟ أنا أسال سيادة السيد البولاني: هل هذه خطتكم الفعلية لسلامتنا وامننا؟؟

في احد القواطع وفي الليل الحالك اوقفنا الجندي: السلام عليك..عليكم السلام .. هاية البيكب المن تابعة؟ .. لوزارة الداخلية .. وين الرخصة؟ .. تفضل .. ست الله يخليج بلكي تحجولي وية الامر صارلي 65 يوم ما نازل والله. اريد اشوف جهالي..اريد اشوف مرتي..ست تكدرين تساعديني؟ والله تعبت..حتى تفتيش بعد ما افتش لان مليت!! طيب استاذي سأرى ما أستطيع فعله..مع السلامة! هذا حال الجنود في قواطع التفتيش؟ 65 يوم لم يعطى له السماح للراحة وتفقد احوال عائلته؟ كيف لهذا الجندي اذا ان يميز ويعرف بعد هذا التعب من هو المجرم ومن هو المواطن العادي؟ كيف لو أصيب هذا الجندي بالامتعاض من هذا الوضع وينتقم لآمر فوجه ويعطي الضوء بمرور كل السيارات دون تفتيش او حتى السؤال؟ هذه الامور اوجهها لآمري الافواج جميعا في بغداد!!

في قاطع آخر في المنصور: في وقت الظهيرة والشارع مليئ بالسيارات. الجندي يحمل جهاز التفتيش في يده اليمنى وعيناه تحدق صوب زميله وهو منهمك ب"السوالف" بينما يؤشر بيده اليسرى للسيارات بالمرور. مرت سيارتنا من جانبه وقد اشر الجهاز ولان هذا الجندي لم ينظر ولم ينتبه له من شدة حواره الساخن مع زميله مررنا مرور الكرام!!!

سؤالي لغرفة عمليات بغداد: أين انتم من كل هذه الخروقات يا سادتي الافاضل؟ وأين هو الامان الذي تتحدثون عنه في وسائل الاعلام؟ ها قد برهنت لكم بان خطتكم الامنية مع الاسف قابلة للاختراق تماما وبدون اي مشكلة! 

إتصلت بزميلي الصحفي وأيقنت من نبرة صوته بان الصدمة لازالت تسكن كل اجواء جسده: كيف انت؟ أجابني بصوت مذعور: أنا بخير الحمد لله، لكن زميلتنا اصيبت بجروح بليغة وتم نقلها إلى المستشفى لان مبنى مكتبنا الواقع بجوار الفندق تهدم بالكامل..

 أنا اجزم، بعد ما شاهدت من خروقات فادحة بأن هذا الوطن لا تحرسه المؤسسات الامنية، بل فقط رحمة رب العالمين... 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com