العراق قبل إنتخابات 2010 .. مشاهدات مؤلمة "10"

 

قرطبة الظاهر

 geniralif@yahoo.de 

المؤامرات ومقاومة شعب صابر!

بالرغم من كل ما قدمته من مشاهدات مؤلمة في الاجزاء التسعة الماضية لازلت أنظر إلى عراق منتصر وإلى شعب في طور الوعي والتنوير والنضوج السياسي. شعب لن يقبل بأية حكومة قادمة تتبنى سياسة الاجتثاث أو العنصرية القومية أو الطائفية أو اي تطرف ديني. شعب العراق يريد أن يعيش، يريد أن يفرح، يريد أن يبدع، يريد أن يتألق كما كان سابقا. لقد كانت كل المؤمرات على العراق منذ تأسيس الدولة العراقية ولحد هذا اليوم قائمة بشكل يستهدف في البداية تدمير البنى الاجتماعية وقتل ابناء العراق من خلال زجهم في حروب ونزاعات ودكتاتوريات مستعصية. وها قد نجحت كل الدول الاقليمية والدولية في مخططها هذا..وشعبي لازال صامدا ولازال يضحك ولازال يبدع ولازال يحمل معاناته بصبر وهدوء ولازال يراقب ويعي جيدا ما يدور في رؤوس وأفلاك المسؤولين والفاسدين والمفسدين من أحزاب أتت كي تغدر به وتصادر مقدرات هذه الارض الطيبة وبأوامر دولية وإقليمية. كنا نعلم بأن هذه الانتخابات هي اكبر مؤامرة تحدث في هذا العصر على شعبنا بعد أن صودرت إرادته بالكامل خلال الانتداب البريطاني ثم تلاه عهد الجمهوريات الدكتاتورية الاربع وسياسات التصفيات بين الخصوم السياسيين وحرب النيابة بين الشيوعيين ومجاميع حزب البعث العربي الاشتراكي ثم تهديم كيانه ونسيجه الاجتماعي خلال حقبة صدام حسين اللعينة، حقبة غاز الخردل وسم الثاليوم والمقابر الجماعية والسجون الخفية والمكشوفة و التجويع التام للشعب. تلت هذه الحقبة المؤامرة السادسة على العراق وهي عملية تحرير وإحتلال العراق من خلال قوات التحالف المشترك عام 2003 تحت ذريعة إمتلاك العراق لاسلحة الدمار الشامل. برزت في هذه الحقبة تشكيلة كبيرة من أحزاب أتى بعضها على الدبابة وبعضها وراء الدبابة وأتى آخرون على متن الطائرات الامريكية. لكن ما يجمع كل هذه الاحزاب هو إما إنها طائفية او قومية شوفينية أو لازالت تحمل رائحة البعث في برامجها ومنهاجها وسلوكها. ولكن شعب العراق إراد الخلاص التام من كابوسه الاظلم القديم : لا للدكتاتورية!

لم يكن أحد من ابناء العراق يعي ويعرف بان أكثرية المنتمين لهذه الاحزاب وقد جاءوا من خارج العراق، بان هؤلاء كان يعيشون التقوقع الثقافي والاجتماعي والسياسي والفكري في دول المهجر. حيث لم تتعلم اللغة الجديدة ولا القدرة على الاندماج في المجتمعات الجديدة ولم تفهم وتستوعب النظام السياسي للدول التي أقاموا فيها أو إلتجأوا إليها وهي على الاكثر دول اوروبية. فالفكر المتطرف سواء كان إيديولوجياً أو دينياَ عقائدياً بقيَ وتجسّد وتطور إلى الاسوأ بدلاً من أن يتحرر من الشوائب العدوانية البدوية الموروثة من الدولة الام من خلال الاندماج في مجتمعات دول الاغتراب إندماجا صحيّا وصحيحاً يجعلهم يعيدون بناء أنفسهم من جديد ويتعلمون كيفية وسُبل الافادة من تجارب هذه الشعوب التأريخية منها والسياسية والاجتماعية. ولازال هذا التقوقع والإصرارعلى التخلّف موجوداً للأسف لدى الكثير من العراقيين في دول المهجر .

في كثير من الاحيان كان العديد من العراقيين داخل الوطن ينظرون إلي وكأني واحدة من سياسيي 2003 والذين أتوا من الخارج. وكنت انصدم دائما عندما أفاجأ بهذه الجملة أثناء حملتي الانتخابية: "اللي قبلج اجونا من الخارج همينة جانو يحجون بالديمقراطية وطلعوا اكبر مجرمين وحرامية وانتي هسة جاية من الخارج هم تريدين اتحطين نفس الاسطوانة بروسنه؟" فأجيبهم: "من أتى من الخارج ـ وانا اقصد هنا ـ جماعة اوروبا، مع الاسف الشديد لم يتفهموا اصلا معنى الديمقراطية ولم يتعاطوا بها بسبب تقوقعهم الاجتماعي وعدم تقبلهم للمجتمع الذي كان من المفروض أن يعاشروه ويندمجوا فيه ". بالاضافة إلى ذلك من لا يملك جنسية الدولة لن يمارس دوره الحقيقي في عملية الديمقراطية لانه لا يحق له الانتخاب أو الترشيح. أما من يملك جنسية أجنبية اوروبية فهذا ايضا لا يعني بانه مندمج إجتماعيا او ثقافيا. في اكثر الاحيان يسعى الكثيرون لامتلاك الجنسية بسبب تطلعهم إلى العودة للعراق والتمتع بالسفر إلى كل بلدان العالم بدون قيود. والسبب الاخر انهم يريدون ضمان حقوق اطفالهم ومستقبلهم في دول الاغتراب. وكل هذا ليس له علاقة بالاندماج الفعلي في المجتمعات الاوروبية. فالاندماج هو عملية تبادل وتعايش حضاري وفكري وثقافي وقدرة على تفهم الاخر وتعلم إحترام إرادة الاخر وتطلعاته وآرائه. عملية التبادل والتعايش كانت عن سياسيي 2003 مع كل الاسف غائبة تماما عن اذهانهم. فسرعان ما تأقلموا للمعطيات على أرض العراق المحتل واصبحوا يغتنمون الفرص المناسبة لعقد صفقات مربحة تآمراً على الشعب وعلى مقدراته وعلى حساب مظلوميته. لم يأتوا للعراق بثقافة نيرة منفتحة تحمل في طياتها حلول جذرية تدعو هذا المجتمع للمشاركة الفعّالة في البناء والعمل المشترك وتطوير المهارات. بل بالعكس لقد تقوقعوا مرة أخرى في المنطقة الخضراء وتحت شتى انواع الحمايات المشددة و اسهموا بشكل فعال في تفكيك وحلحلة وإفقار وتجهيل وإهمال الشعب. الدليل على ذلك لا يوجد في العراق لحد الان مدارس ومعاهد وجامعات متطورة بتقنيات عالية مبنية حسب مواصفات عالمية. لا يوجد لحد الان برنامج فعال للقضاء على الامية وهي في تنام مخيف. لا يوجد لحد الان برنامج للحد من الفقر ومساعدة الفقراء والمهجَّرين والمهاجرين. فلازال جزءٌ كبيرٌ من المجتمع يعيش تحت خط الفقر. أيضا لم تسعَ الحكومات السابقة لوضع خطط للقضاء على البطالة وتوفير فرص عمل للكوادر من خريجي الجامعات ومعاهد الإختصاصات العالية والكفاءات داخل وخارج العراق. من جهة اخرى يعاني عراقيو الخارج سوء المعاملة والخدمات في بعض الممثليات العراقية الدبلوماسية حيث عرقلة وتعثر الاجراءات الادارية بخصوص إصدار الجوازات والاوراق الرسمية والمعاملات وعدم توفر الخدمات اللازمة للمتقاعدين العراقيين أو توفير الدعم المادي لطلاب الجامعات. بالاضافة إلى ذلك لا يوجد ولم يخطر في اذهان المسؤولين في الحكومة العراقية أن يضعوا خططا لعودة  الكفاءات والعقول العراقية المهاجرة لارض الوطن أو دعم مراكز البحوث والدراسات التنموية والاستراتيجية داخل وخارج العراق للافادة منها في إصدار القوانين ومن اجل إعادة إعمار العراق بالشكل الصحيح. ولازال عراقيو الخارج يحلمون بالعودة إلى الوطن وإنصافهم بحيث يستطيعون بداية حياة جديدة في وطنهم الام. لقد إزدهرت سياسة وتجارة المحسوبية الحزبية مما أدّى إلى تكوين طبقية فئوية إجتماعية جديدة من المنتفعين والمحسوبين والمعدمين والمحرومين في الداخل والخارج. هذه السياسة ستؤدي في يوم من الايام إلى نزاعات إجتماعية وأحقاد كبيرة بين المنتفعين والمحرومين. وهذه هي المؤامرة الكبرى: تفكيك المجتمع عبرالمحسوبيات الحزبية، او العشائرية، أو الدينية الطائفية، او القومية العنصرية. وبعد ذلك يتمُّ تجسيد وتطبيع المناهج السياسية لكل حزب في أذهان المجتمع وحثه على تقسيم وتقطيع العراق. وقد نجحت بعض الاحزاب في زرع هذه المؤامرة بين صفوف أبناء الوطن الواحد وبمساعدات إقليمية ودولية مالية ضخمة. فأيران قد ضخت ورصدت لعملية الانتخابات  أكثر من 100 مليون دولار لدعم قواها السياسية وأتباعهم ومن اجل إنجاح مخططها "ويعني قسّمْ ثم احكم أو فرق تسد devide et impera" داخل العراق من خلال إنجاح الاحزاب الموالية لها بأية طريقة كانت. وأيضا الدول العربية قامت بدعم الاحزاب التي لا تريد تقسيم العراق بأكثر من 800 مليون دولار لارجاع العراق إلى الحاضنة العربية القومية ، تساندها في هذا المشروع ايضا الدول الغربية المناهضة للمشروع  الايراني.

يبقى شعب العراق الضحية بين عدة جبهات كالكرة تُرمى تارة في مرمى ايران وتاره في مرمى الدول العربية وتارة تستقر في أحضان الورش الاستراتيجية الامريكية. لكن هذا الشعب سيبقى واحدا موحدا متآخيا متسامحا، يتطلع إلى تحقيق السلام والتعايش السلمي وينظر ببساطة إلى مستقبل أفضل من الاربع سنوات التي مضت. وستبقى الطيبة والكرم والشهامة والغيرة في نفوس العراقيين رمزا ومثالا يُحتذى به.

 نعم، سننتصر على كل المؤامرات وسننهض من جديد لاننا.. وبكل بساطة شعب شجاع لا يقهر! . 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com