الفاشيست ، ولكي لا ننسى !!!


حامد كعيد الجبوري
hamid_gaid2000@yahoo.com

من يقرأ هذا العنوان يذهب بتفكيره صوب ما كان يقدم من خلال تلفزيون العراق أيام الفاشيست السوداء ،حينها كانت تعرض للأطفال وغيرهم صور القتل والدمار في ما يسمى الحرب العراقية الإيرانية ، كنا نرى الجثث سواء عراقية أو إيرانية تملئ بشكل مرعب ومقزز أرض ما يسمى المعركة ، وكان البرنامج إياه يسمى (كي لا ننسى) .

في صدر الإسلام وأيام الدعوة السرية ألقي القبض على عائلة مسلمة مكونة من أب وأم وأبن ، (ياسر وسمية وعمار) ، أستشهد الأب والأم بعد أن لاقوا عذابا لا يمكن تصوره أبداً ، أما عمار فطلب منه سب النبي الأعظم محمد (ص) والنيل منه ومن الإسلام ففعل ما أرادوا تحت سياط التعذيب والنار ، وحين أفرج عنه والتقاه محمد (ص) لم يستطع أن يرفع وجهه صوب رسول الله ، أراد أن يبرر فعلته فبادره النبي (ص) قائلا لا عليك يا عمار وإن عادوا فعد ، أي لو أنهم أعادوا تعذيبك ثانية فعد أنت لشتمي ولا تبالي ، وفي قبالة ذلك قال (ص) (صبرا آل ياسر أن موعدكم الجنة) .

كل هذه المقدمة بسبب حديث بيني وبين أحد أصدقائي الشيوعيون فيما واجهوه من تعذيب وقتل وتشريد على أيادي السلطات القمعية المتلاحقة على الحكم في العراق ، وما هو موقف ووجهة نظر الحزب الشيوعي حاليا اتجاه من اعترفوا بانتمائهم للشيوعية واعترافهم على خلاياهم التنظيمية ؟ ، تحدث لي وربما بقناعته الشخصية مضفياً على الصامدين اتجاه التعذيب هالة تختلف عن الآخرين وهذا من حقه وحقهم ، ولم يتحدث عن المعترفين بمثل ذلك الحديث والهالة ، قلت له أسمع يا صديقي لحديثي الموثق ، لو كنت أنا – حامد – تحت سياط الجلاد آنذاك فثق أني قبل أن أصفع على خدي أعترف بكل شئ ولا قدرة لي على تحمل التعذيب، ثم أني أخاف حتى من زرق إبرة للشفاء فكيف أحتمل القساوة إياها ، قال لي لو كان ذلك كما تزعم فهناك خياران لا ثالث لهما ، أما الاعتراف أو تحمل ما لا يطاق وهذا لا يمكن لك أولي تحديده إلا ساعة الحسم الحقيقي ، وأعني ساعة المواجهة ، قلت له صحيح قولك وبالمقابل سأروي لك وللتأريخ حقيقة ذلك النظام الفاشستي الرهيب ، وأجزم أن من يقرأها أو يسمع بها يظن أني راوي أو قاص يصور من خياله لنجاح روايته أو قصته ، ومثل ما يقال (شاهدها بيها) ، أقول أن أحد أقاربي انتمى لدائرة أمن بابل – شرطي أمن – عام 1968 م بشفاعة قريب لنا ( عضو قيادة شعبة بابل) ، وبابل آنذاك لم ترتقي لما يسمى (قبادة فرع) ، بعد مدة قليلة من تعيين قريبي هذا قدم طلبا لنقله الى محافظة القادسية – الديوانية – لكي يبتعد عن سيل الوساطةِ التي يكلف بها من قبل معارفه ، أستلم واجبه بمدينة الديوانية وهناك رقي لرتبة ( مفوض أمن) ، كان هذا الرجل حينما يأتي بإجازة له يجالسنا ليالينا مع تحفظنا بعدم الحديث بأي شئ يمس السياسة من قريب أو بعيد خوفا من أن ينقلها أو يوشي بنا لأسياده ، بعد انهيار ما يسمى الجبهة الوطنية – 75 / 1976 م - التي أتصورها مصيدة للقوى الوطنية العراقية ، وبالخصوص قوى اليسار العراقي ، وبالتحديد الحزب الشيوعي العراقي ، وهنا بدأ الوطنيون – الشيوعيون - الهروب صوب منافي الدنيا ، ومن لم يحالفه الحظ يلقى القبض عليه ، في ليل شتائي عام 1976 م أو بعده بقليل ، أتى قريبي إياه قادما من الديوانية ، وجمعنا مجلس أمتد لساعة متأخرة من الليل ، أخذت الخمرة مأخذها منه ولأنه يعرف بتوجهاتنا السياسية وموقفنا غير المخفي عليه تحديدا بدأ حديثه قائلاً ، عجيبة صلابة الشيوعيون تصوروا أن أحدهم مودع للتوقيف عندنا مورست ضده شتى أساليب التعذيب ولم يدلي بشئ لسجانه ، يصل التعب للمعذب – بكسر الذال – حد الإعياء ولا يبان شئ من ذلك الإعياء على المعذب – بفتح الذال - ، كان القتلة الفاشيست عديمي الإنسانية كل يرفض أن يمارس لعبته التعذيبية مع ذلك الشيوعي الصلب ، لأن الشرطي يتعب ولا يحصل من غريمه شيئاَ ، وصل أمره للجميع ومنهم مدير أمن الديوانية الذي جمع ضباطه ومنتسبيه وقال لهم ، لا يعترف ذلك الشيوعي بشئ ، بسيط جدا وسترون فعلي معه ، أمر مدير الأمن إحضار ذلك البطل أمامه ، أجلسه على كرسي قريب منه وقال ، أخي أنا بإسمي وباسم ضباطي ومنتسبي دائرتي أقدم لك إعتذاري وتعرف جيدا أن هذا هو واجبنا فأرجو أن لا تتحدث بذلك حين خروجك ونحن بدورنا نؤكد إعتذارنا منك لعدم ثبوت شئ ضدك ، أجابه الشيوعي بطيبته وطيبتهم المعهودة ، شكرا لك ولضباطك ومنتسبيك وأنتم لم تؤدوا سوى ماطلب منكم ، قال مدير الأمن أنت مطلق سراحك من الآن وستذهب لأهلك حالاً على أن تعود لنا بعد الساعة الثامنة مساءا لأقدم لك عربون اعتذاري وأنت تعلم حساسية دخولي للأندية الليلية وعليه سنجلس هنا لساعتين فقط ومن ثم تعود لأهلك ، شكره الرجل وقال أنت معذور وأتمنى عليك أن تعذرني من تلبية هذه الدعوة ، قال له مدير الأمن هذا غير مقبول أبدا وهذه عشرون دينار ا هدية الخروج وموعدنا الثامنة مساءا هذه الليلة وستوصلك سيارتي الخاصة لدارك وستعود بك أيضا الى المديرية ، وصل الرجل داره قبل العاشرة صباحاً وأحاطت به عائلته التي كانت تظن أن لا تلتقيه ثانية ، تحولق حول الرجل المطلق سراحه الجار والقريب والصديق والبعيد ليهنئ بسلامته ، أنقضت الساعات بلمح بصر وفي الثامنة مساءاً عادت سيارة السيد المدير طالبة منه تلبية الدعوة كما أتفق عليه ، قال الرجل لأهله أن السيد مدير الأمن هذا الأنسان الشريف يريد أن يقدم لي شيئاً ما وفاءاً منه إلي ، حدقت الأم بوجه ولدها ونظرة استخفاف بادية على عينيها ، قال لها لا عليك يا أمي ما هي إلا ساعة وسأعود ، وصل الشيوعي الى غرفة مدير الأمن الذي كان منتظرا على أحر من الجمر كما يقال ، جلس المسكين مع مدير الأمن حول المائدة وبها كل أنواع (المزات) إضافة لقنينتي (بيرة لاركر) ، وأعاد إعتذاره سواء للتعذيب أو الدعوة هنا في الدائرة ، شربا قنينتهما الأولى وطلب الثانية لكل منهما ، وهنا قال الرجل المسكين أستاذ أنا بحاجة للذهاب الى الحمام ، تبسم مدير الأمن وقال للذي سيغدر به منذ الثامنة وأنا أنتظر منك هذا الطلب ، صفق مدير الأمن بيديه ودخل أكثر من رجلين للغرفة وأمسكا المسكين من يديه وكتفاه وإنتزعا (بنطرونه) وسرواله الداخلي ومعهما مايشبه الكيس الواقي الذي يستعمله الذكور كمادة عازلة تحفظاً من ،الحمل (flash lather) – أتمنى أن تكون التسمية والكتابة صحيحة – أمسكاه وألبساه ذلك الكيس الذي يحوي على خيط بلاستيكي بأطرافه وعقداه على إحليله – العضو الذكوري للرجل - ، قال له مدير الأمن الإنساني جدا ، أن كنت تريد (التبول) ما عليك إلا أن تعترف من هو مسؤلك ومن هم أفراد خليتك والآن عليك أن تشرب وإلا فسوف لا تذهب للحمام ، قال له المسكين لا أريد الشرب ولكن أريد إخراج ما شربته ، ذلك أمره لك أشرب وأعترف وتبول ، أو أعترف وتبول ، قال له المسكين وهو يعاني الألم غير المحتمل ، سأعترف بعد أن أتبول ، أجابه لا ولكن أعترف وتبول ، وهكذا أنتصر مدير الأمن أمام ضباطه وأمام هذا البطل الذي لا يمكن تصور معاناته أبدا ، أذهبوه للحمام وقضى حاجته ، وتحركت إنسانية مدير الأمن وقال له ، أستمع جيدا لقد أخرجتك لدارك اليوم على مسؤليتي الخاصة وكنت خائفا من عدم عودتك رغم أني زرعت لك ألف عين لتراقبك أن حاولت الفرار أو عدم المجئ لموعدي ، وأقول لك الآن سنرسل لأهلك من يخبرهم أنك ستعود بعد أيام لهم ، وسأوصي شخصياً المحقق وقاضي المحكمة – منتسب لهم أيضاً – بإسراع إنجاز معاملة إطلاق سراحك ، لم يتكلم البطل بشئ وأخرجوه لزنزانة مفردة على أمل أن يلحقوه مع رفاقه اليوم التالي لخوفهم من أن يتكلم بشئ ، في الصباح التالي بعث أليه ضابط التحقيق ليضبط أقواله ولتصادق قضائياً ، فتحت باب الزنزانة فوجدوه وسط بركة من الدم ميتا ، أفاد الطبيب الذي يعالج الموقوفين أنه قطع أوردة أو شرايين يديه الاثنتين من المعصم بأسنانه ونزف كامل دمه ومات ، أقسم أنها حقيقة واقعة ، أطرق محدثي ولمحت لؤلؤة سقطت من عينيه ولم يتحدث أو أتحدث بشئ حتى وأفترقنا لنلتقي ثانية ،.

 الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com