وماذا عن الماء .. يا إردوغان العرب ؟
 

 


زاهر فليح حسن
zaherflaih@yahoo.com

من منا لا يتذكر (لورنس العرب) ذلك الضابط الأنكليزي الذي اشتهر بدوره في قيادة القوات العربية خلال الثورة العربية عام 1916 ضد الإمبراطورية العثمانية عن طريق انخراطه في حياة الثوار العرب، حيث ساهم بشكل كبير في مساعدة العرب أبان الثورة العربية .

لقد مضى على وفاة لورنس العرب خمس وسبعون عاماً حيث توفي في عام 1935 ولم يتبقى منه الآن سوى تلك الذكرى التي تركها في قلوب العرب وكتابه الذي ألفه كسيرة ذاتية لشخصه والتي أسماها "أعمدة الحكمة السبعة" والتي وضع فيها خلاصة لتجربته السياسية في إدارة أنظمة الشرط الأوسط بعد سقوط الدولة العثمانية وكيف استطاع أن يحول القبائل المتناحرة، التي لا تدين لأحد أبدا، لتقف صفا واحدا مع الإنجليز ضد الأتراك. وقد قال عبارة مهمة في وصف الروح العربية، حيث قال "أن العربي حين يصدق بك ويؤمن برسالتك، سوف يتبعك إلى أقاصي الدنيا، ولو بذل في ذلك حياته".

إن أفضل تحليل لهذا الكتاب، للكاتب الإنجليزي كولن ولسون، في كتابه " اللا منتمي"، حيث تحدث بإسهاب عن المعاناة الروحية التي كان يمر بها لورنس، وكيف أن هذه المعاناة هي التي قادته ليصبح شخصية أسطورية خلدها التاريخ.

وفي عصرنا الطيني هذا يظهر لنا رجل يسير على غرار ما سار عليه لورنس العرب ألا وهو رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي يزبد ويرعد وكأن هناك من أوكل اليه قضية العرب وأنه أردوغان العرب جاء كي يوحد القبائل العربية تجاه أسرائيل ( حليفه القوي)! .

فالمطلع على تصريحات الرجل يرى أنه قائد عربي ثوري مجاهد يضع قضية العرب الأولى ( فلسطين ) فوق كل قضايا، وما تصريحاته التي يدلي بها في مناسبات عدة إلا دليلاً على ذلك، إذا ما أفترضنا أنها ليست مجرد كلمات لأستماله قلوب العرب قادة وشعوباً لزيادة حجم الأستثمارات العربية في تركيا، حيث قال في الكلمة التي وجهها إلى جمهور العالم العربي عبر قناة تي. ر. تي. التركية الناطقة باللغة العربية والتي بدأت بثها كأول قناة تركية باللغة العربية - أن "مصير ومستقبل اسطنبول لا يختلف عن مصير ومستقبل الدول العربية، وقد تكون الحدود السياسية قد خطت بين أوطاننا في التاريخ القريب، وربما زرعت الألغام بين دولنا، وربما شيدت الجدران والسدود بين أراضينا، إلا أننا نمتلك من القوة والإرادة ما يجعلنا نتجاوز كل هذه العقبات" ، ونحن لا نعلم إذا كان (أردوغان العرب) يتحدث عن حدود دولته العثمانية الجديدة!

كما أكد أردوغان العرب، في حديث آخر، "ان بلاده تبذل جهودا من اجل تحقيق الوفاق العراقي وعبر عن قلقها من تدخل دول الجوار، وكأنه تركيا ليست من دول الجوار، في الشأن الداخلي العراقي الامر الذي لا يصب في صالح الوحدة الوطنية". ولا نعلم ماهو الوفاق الوطني وخطط تركيا لا زالت قائمة لأختطاف الموصل وكركوك تحت مختلف الذرائع .

فمنذ عهد الرئيس التركي أوزال والذي أراد بشتى الطرق أستثمار نتائج حرب الخليج الثانية لضم المدينتين وأنه أصدر أوامره بالفعل إلى رئيس الأركان نجيب طورومتاي بالاستعداد للتدخل العسكري من أجل تحقيق ذلك، لكن معارضة رئيس الأركان التركي، ورفض رئيس الحكومة يلديريم قبولوت، لهذه الخطوة حالا دون تحقيق طموحات أوزال، وأوقف العملية .

لقد كانت لتركيا سياساتها الخاصة تجاه الثروة المائية وبالذات نهري دجلة والفرات حيث قامت تركيا،من خلال تبني سياسة أحادية، ودون التشاور مع حكومتي العراق وسوريا وخلافاً لكل الأعراف والمواثيق الدولية ،بتشييد السدود الكبيرة والضخمة ومنها سد أتاتورك ، حينها ابلغ الرئيس التركي أوزال أن بلاده ستتحكم بالثروة المائية كما يتحكم العرب بالثروة النفطية! والذي نعتقده أنه سيأتي اليوم الذي تقايض تركيا العرب برميل الماء ببرميل النفط وهو يوم قريب .

لقد ظهرت سياسة تركيا حول الماء بصورة جليه في عصرنا الحالي من خلال بناءها لسد أليسو الذي تزمع أقامته على نهر دجلة الذي ينبع من أراضيها وينحدر جنوباً ليدخل العراق،

وسد أليسو الذي وضع أردوغان العرب حجر الأساس له في عام 2006، يعتبر من أكبر السدود سوف تقيمها تركيا على نهر دجلة ، أما حجم المخاطر التي ستطال العراقيون من أنشاؤه فهي أكبر التحديات التي ستواجههم بعد تشكيل الحكومة الجديدة، حيث سيؤدي بناءه الى أنخفاض الواردات المائية للعراق الى أقل من 9.7 مليار متر مكعب في حين أن الواردات الطبيعية وبموجب الأتفاقيات الدولية يجب أن تقارب 21 مليار متر مكعب في السنة وهذا معناه أن العراق سيفقد مايقارب الـ 50 % من وارداته المائية، ونتيجة لذلك فستخرج ثلث الأراضي الزراعية من الخطط الزراعية للحكومة العراقية ، عند ذلك ستبدأ معانات العراقيين في (أستجداء) المياه من أردوغان العرب ولكن على حساب ثرواته وكرامة
شعبه .

وإضافة الى ما ذكر فأن الأرض الزراعية ستعاني بقسوة من ظاهرة التصحر وستتقلص المساحة السكانية بدرجة كبيرة بسبب تلوث مياه الشرب (المتبقية) لكونها ستمر في منظومات الصرف الصحي وسترتفع نسبة التلوث والملوحة فيها الى 1800 ملغ/لتر ، ناهيك عن توقف عمل منظومات الطاقة الكهربائية التي تعمل وفق مناسيب محددة لمياه النهر وما تسببه حالة التوقف تلك من تأثر الصناعة إذا ما افترضنا ان العراق يخطط لثورة صناعية وطنية جبارة توفر له ما يهدر من عملته الصعبة في الأسواق العالمية المختلفة .

وعلى الرغم من معارضة البنوك السويسرية والنمساوية والألمانية في تمويل السد ،كونه يشكل خطراً كبيراً إلا أن حكومة أردوغان العرب مستمرة ببناء السد وبتمويل حكومي !

أن التأثيرات البيئية والاقتصادية الهائلة لبناء هذا السد يجب أن تؤشر لدى الساسة العراقيين وأن يبادر أحد ما في التحذير الجدي من مخاطر بناءه ومحاولة استصدار القرارات الأممية بمنعه وإلا فذنب هذا الشعب الصابر برقبتكم وستجرون العراق يوماً للتفريط بكل ثرواته من أجل الماء بسبب عدم جدية حساباتكم وعنجهيتكم التي تقف الآن كأكبر عقبة أمام تشكيل حكومتكم ولما لا يتقاوى أردوغان وأنتم على هذه الحال منذ سقوط النظام السابق لا تحكمكم سوى مصالحكم الشخصية الفئوية الضيقة .

أحد التقارير الأخيرة لمنظمة المياه الأوروبية الذي صدر حديثاً يتوقع جفاف نهر دجلة (1800كم) في العراق بحدود عام 2040 بسبب السياسة المائية التي تعمل بها تركيا. كما يشير التقرير الى أن نهر دجلة يفقد سنويا 33 مليار م3 من مياهه، وينقل عن الخبير الفرنسي دي مونيت المدير التنفيذي للمنظمة القول أن العراق يعاني ازمة مياه حادة تحتاج الى جهود دولية مكثفة! و اشارت اللجنة المرسلة من منظمة البيئة العالمية وعلى لسان رئيسها الخبير فرنسان بيون الى وصول نسبة التلوث بمقدار 1800 ملغ/ لتر بينما يفترض ان تكون النسبة مقاربة الى المعدل العالمي 800 ملغ/لتر.

ولتعلم الحكومة العراقية أن سد أليسو ماهو إلا مشروعاً واحداً من مشاريع تعملُ تركيا على بناءها وبعدد 22 سداً عملاقاً ومنظومة محطات كهربائية كبيرة اطلقت عليها (مشاريع الغاب) . والتي إذا ما نفذت قد تدخل العراق في عصر الغاب إذا ما نحن قد دخلناه بالفعل .

إن عدم قانونية مشاريع الغاب لان مثل نهري (دجلة والفرات) تعد انهارا دولية مشتركة وليس من حقّ اي دولة احتجاز المياه فيها عبر السدود ومنظومات الحجز المائي العملاقة حسب اتفاقية قانون المجاري الدولية غير الملاحية لعام 1997 التي حددت في مادتها (11) آلية التعاون بشأن التدابير المزمع إقامتها فقد نصت المادة على أن تتبادل دول المجرى المائي المعلومات ،أقول أن هذا يعطي الحق القانوني للعراق أن يبدأ ( حراكاً ) دولياً واسع النطاق عبر كافة المنظمات الأنسانية والدولية في العالم لوضع الحد أمام الأطماع الأردوغانية في مياه دجلة ، ولو كان للقادة السياسيين حراكاً مثلما يفعلوه الآن وهم يحاولون أن يشكلوا حكومتهم لتم حلحلة القضية والأتفاق على مبادئ أساسية ودولية مع تركيا حول هذا الموضع ولكن يبدوا أن لا حياة لمن تنادي !

أما أنت يا أردوغان العرب، ماذا ستضم " أعمدة الحكمة السبعة" التي ستكتبها يوماً ما من خطط جديدة لأخضاع العرب وبناء الدولة العثمانية الجديدة .


 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com