|
الديمقراطية الوليدة في العراق والعملية السياسية؟؟
عبد الرحمن آلوجي كل من يتابع الشأن العراقي ببصيرة نافذة، وعقل مفتوح، يدرك بوضوح مزايا وتعقيدات العمل السياسي – بعد عقود متراكمة من الحكم الشمولي – كما يدرك معاناة وحجم التجربة الديمقراطية الوليدة، ودرجة الموقف السياسي، ومبلغ الحاجة إلى معاجة متأنية وجادة ومعمقة الجذور لهذا الموقف وملابساته, وضرورة إدراك الحاجة إلى رؤية محددة للمشهد العراقي ومفرزاته واستحقاقاته، مع تعدد ألوان الطيف العراقي، وتعقد النسيج الذي يلون الشرائح العرقية والدينية والمذهبية، وما يقدمه هذا النسيج من أدوات المعالجة لبقائه متضاما، متماسكا قويا، ومتكاملا، وهو ما يطرح على بساط العملية السياسية، بعد انتخابات السابع من آذار التشريعية، والتي عكست ملامح تصور ينبغي فهمه والتصدي له، والارتقاء إلى الانسجام مع محتواه ومتطلباته، وحسن التعاطي مع نتائج هذه الانتخابات، رغم الاعتراضات والطعون المقدمة، وعمليات العد اليدوي التالية، وما يقدمه كل ذلك بين يدي معالجة جادة لدفع العمل السياسي، رغم التحديات المواجهة، والعنف المتأرجح بين التصعيد والانحسار من آونة لأخرى، لتأتي هذه المعالجة الضرورية للخروج بنمط ديمقراطي يتوافق عمليا، ويتماشى مع تنامي التحديات الموجهة لبناء عراق ديمقراطي فيدرالي توافقي سليم، يواجه بمنطق عقلاني رائد هذه التجربة الوليدة في مرحلة مهمة وحساسة في تاريخ العراق والمنطقة، بعد حروب وصراعات وثورات وانتفاضات عارمة، ومحن وآلام وكوارث ماحقة . ويبقى العراق شامخا بأهله، بمختلف مركباته وألوانه وأطيافه ( من مسلمين ومسيحيين وإيزيديين وصابئة وكاكائيين، وسنة وشيعة، وعرب وكرد وتركمان وآثوريين، ومواقف واتجاهات سياسية وفكرية متنوعة ..) ، إن هم استطاعوا أن يعينوا أنفسهم بالارتقاء إلى حجم المسؤولية ومتطلباتها، ومدى الجهد المطلوب للوصول إلى بناء متطلبات عمل جماعي يرتقي وطنيا فوق الهموم الفئوية والحزبية والجبهوية، ليكون هذا البناء من أكبر الاهتمامات وأشدها اقترابا من هم التعايش الإيجابي ومقدماته في التعاضد والتلاحم، وإدراك المصلحة الوطنية العليا، كنموذج حي وفاعل ومؤسس، يمكن أن يحتذى في المنطقة بعد كل تلك الآمال والتضحيات الكبيرة، والحسرات والدماء والدموع، وقوافل الشهداء، ومخلفاتهم من الأيتام والأرامل والأيامى وآلاف الثكلى، مما يطرح التساؤل عميقا وعريضا، هل يمكن للآلام أن توحد شعبا عريقا، مهما تلونت وتنوعت مكوناته ؟!، وهل للتضحيات الكبرى أن تعزز متطلبات عمل سياسي جديد، فيه نضج وعمق ومسؤولية ؟!، وهل يمكن للون او لونين أن يخطفا البريق ويستأثرا بعمل سياسي دون تشارك جماعي فاعل ؟!، وهل يمكن للمناورات والمداورات والالتفاف أن تؤتي أكلها إلا لحين من الزمن، تتداعى عندها وتتكشف معراة ؟؟!، أسئلة يفرضها المشهد العراقي بكل تعقيداته وملابساته وهمومه .. أسئلة تنتظر الإجابة، وتدعو إلى أن تنخرط في الرد الكتل والمجموعات والائتلافات و كل من ساهم بقناعة في الانتخابات، وحاول أن يلج معترك العمل السياسي، وينقل العراق نقلة أخرى إلى ممارسة جديدة – على الرغم من العثرات والنواقص والعوائق المتعددة -، إذ لا يمكن أن تتحقق المنجزات، وان تفك العقد، وأن تبرأ العملية من الاستبطاءات والمماطلات، ووقف العمل ببنود الدستور ومواده وفقراته في ظل الهيمنة والاستعلاء ونبذ التوافق والتصالح، وعرقلة تنفيذ المصيري من هذه الفقرات التي طال انتظار تنفيذها كالمادة الدستورية /140 /, ومصير المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى ما ينتظر من ضرورة ملزمة لإنجاح التوافق على تشكيل الحكومة من خلال انسجام مفترض بين الكتل الرئيسية ( العراقية، وائتلاف دولة القانون، والائتلاف العراقي والتحالف الكردستاني )، في الوقت الذي يعلن اليوم 4/5/2010 /عن تشكيل تحالف شيعي من لون واحد ( الائتلاف، وائتلاف دولة القانون )، مع غياب ممثلي الأطياف الأخرى (القائمة العراقية ) وانتظار من التحالف الكردستاني الذي أبدى رأيه غير مرة بوجوب الوصول إلى تشكيلة عراقية شاملة وموحدة و لا يستبعد فيها لون او عرق او مذهب او اتجاه سياسي لخدمة عراق فيدرالي ديمقراطي تعددي، وإن شكل الائتلاف الشيعي مئة وتسعة وخمسين مقعدا، إذ أن للون والطيف والاتجاه أثر كبير في الحكومة المقبلة و ليكون أداؤها متكاملا ومعبرا، وقادرا على إدارة عادلة وقوية وناجحة، تحقق مسعى الديمقراطية، في منجز حضاري متكامل، وهوما يؤمله المنصفون والوطنيون ممن ادركوا ألا نجاح لأي تجربة ما لم تستند إلى مكونات الشعب وطاقاته وأطيافه ومكوناتها مهما بدت صغيرة، لتتحقق العدالة والكفاية والمساواة، وتؤتي العملية السياسية أكلها، وتحقق الغاية من عمل سليم بعيد عن الفئوية والقومية الضيقة، والمذهبية المتمحورة، والاستقطاب السياسي المحدود،والذي ثبت إخفاقه المريع سنين طوالا من الطيف واللون الواحد المفروض والقاهر والملزم، وما ينجم عن ذلك من إقصاء وإبعاد وهيمنة،وإذلال، لا يمكن أن ينهض العراق من آثاره السالفة المدمرة إلا في ظل هذه التجربة الديمقراطية الفتية والوليدة، والتي تقع على عاتق أبناء العراق بألوانهم الزاهية والمتناغمة والجميلة،كتجربة فريدة في المنطقة، حيث لا يمكن ان يتبادر إلى الذهن أي نجاح للتفرد والإصرار على تجاهل الآخرين، مما يمكن في هذه الحالة أن يؤثر ذلك على وحدة العراق ومصالحه، وعلى استقراره وأمنه، وازدهار حياته، في وجه التحديات الخطيرة، والآفاق التي تنت الحريصين على بناء حياة جديدة، وتعامل حضاري منتج ومبدع وعادل،يكافئ استحقاق العمل السياسي المرتقب ونجاحاته المفترضة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |