|
أحلام وأماني العصافير وواقع الشواهين
رشاد الشلاه في الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات التشريعية التي أجريت في السابع من شهر آذار الماضي برزت أساليب نزقة، تناوب على ممارستها المتنافسون الأقوياء بهدف التسقيط المتبادل، و تمادت إلى وصف الغرماء لبعضهم البعض بالعمالة، وتوجيه تهم التآمر لإفشال مسيرة العملية السياسية. وكان جميعهم أعضاءًا في مجلس النواب السابق، ومنهم مسؤولون في مواقع حساسة أو هامة. وبعد إعلان نتائج الانتخابات النيابية، ظهر أن على جميع القوائم الأربع الفائزة، الخضوع لمبدأ" التوافق"! مكرهين لا أبطالا، من اجل اقتسام مناصب الرئاسات الثلاث؛ رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء ورئاسة مجلس النواب، ومن ثم الوزارات وما يتفرع منها من وكلاء ومدراء عامين، نزولا إلى إشغال الوظائف الخدمية العادية. وهذا يعني ودون أي لبس، الاستمرار في نهج التوزيع المحاصصي السيئ لمناصب الدولة والحكومة. وإزاء هذا الحال رُدِد تساؤل مشروع عن كيفية التقاء الفرقاء اليوم، بعد هذا التخوين المتبادل، فكان الجواب مبررا بأن للاعتبارات و التسويق الانتخابي فسحة من الشتائم المقبولة!!. وفي خضم الصراع المحتدم اليوم على المناصب وامتيازاتها لا على البرامج المنقذة للبلد من واقعه الكارثي، لن يجتهد المواطن العادي في التأشير إلى أن قادة القوائم الكبيرة العربية والكردية هم أنفسهم و"بنصائح" أمريكية، مَن تفنن في صناعة الأزمات المتتالية، بل ووضع لبنات أزمات قادمة، منها على سبيل المثال، ما نتج عند تصميم وتشريع قانون انتخابات أعضاء مجلس النواب بمقايضة بين الإدارة الأمريكية وقادة التحالف الكردستاني، حسب تأكيد السيد مسعود البارزاني، لصحيفة نيويورك تايمز في 2 أيار 2010 بقوله " أحد الأسباب الرئيسية الذي جعلَنا لا نعترض على قانون الانتخابات في مجلس النواب في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، هو حصولنا على وعد من الرئيس الأميركي باراك أوباما، حيث أخبرَنا أولاً تلفونياً بأن الولايات المتحدة ستعمل بجد لتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي"، انتهى الاقتباس. هكذا وبصراحة تامة توضع المصالح الخاصة فوق اعتبارات المصالح الوطنية، بل وضللت الجماهير الكردية والعربية عند تبرير تمرير قانون انتخابات مجلس النواب، وتم الدفع بالهاجس القومي والمذهبي ليكونا فنارا للمصوتين العراقيين. ولكن النتائج جاءت مخيبة لأي من القوائم الكبيرة بالفوز الساحق المنتظر. وفي أجواء هذا الخضم أيضا، يُسَوّق السيد مسعود البارزاني من جديد ما سمي بمشروع "جو بايدن" الهادف إلى تقسيم العراق وفق معادلة عرقية ومذهبية، تقضي بتقسيم العراق إلى منطقة كردستانية في شمال العراق، وثانية سنية في وسطه، وثالثة شيعية في الجنوب، مغلفة بادعاء التقسيم الجغرافي "حلا" للصراع المذهبي. ولا يجد المرء رابطا بين الدوافع المذهبية والعرقية في هذا التقسيم، لكن المنطق يستقيم مع دعوة السيد البارزاني، عندما يقسم العراق الفيدرالي وفق واقع عرقي، ليتألف من منطقتين، كردية في الشمال، و عربية في الوسط والجنوب. أو وفق المعادلة الدينية/ المذهبية؛ منطقة سنية في شمال ووسط العراق تنضوي تحتها منطقة كردستان بأغلبيتها السنية، و منطقة شيعية في الجنوب. فهل توافق القيادة الكردية على واحد من " الحـَلـّين" المذكورين.؟ لقد قوبل مشروع بايدن التقسيمي بالتنديد الواسع عندما أقره مجلس الشيوخ الأمريكي في أيلول العام 2007، فاضطرت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن تنفيذه في حينه. فما مبرر نفخ الحياة فيه اليوم ؟. وفي الوقت الذي تتعالى فيه أصوات الغيورين على راهن العراق ومستقبله، محذرة من الـتأسيس على المشاعر المذهبية والعرقية وتأجيج نعراتها، التي دفع الشعب جراءها ولا يزال ثمنا باهظا من دم أبنائه، وليضطر فيه حتى غلاة دعاتهما إلى التنصل منهما لفظيا على الأقل، تأتي هذه الدعوة التي لا يوجد تفسير لها إلا لتحقيق هدفها في الحصول على المزيد من المكاسب في كردستان العراق وصولا إلى بناء مقومات الدولة الكردية، ثم إعلان انفصالها وكيانها كدولة مستقلة، دون اعتبار للتداعيات الخطيرة على تجزئة مناطق العراق الأخرى على هذا التوصيف المرفوض. إن إعادة الحياة لمثل هذه الدعوة ذات النفس القومي الضيق، وفي مثل هذه الظروف المتشابكة والملتبسة، تضعف التضامن مع حقوق الشعب الكردي المشروعة، وتفسح المجال لرد فعل متوقع من القوى والشخصيات العربية والتركمانية الشوفينية، التي تناصب القضية القومية الكردية العداء وتتحين بها الفرص، بل وتضع التحالف الكردستاني في خيارات صعبة بعزله عن بقية الكيانات العربية؛ دولة القانون والتحالف الوطني والعراقية والتوافق، التي لا تضمر أطراف عديدة ومؤثرة فيها حسن النية للقضية الكردية أيضا، وعندها ستنقلب أحلام وأماني العصافير إلى واقع شواهين. كما أن حقوق الشعب الكردي مشروعة كأي شعب آخر، بما فيها إقامة الدولة المستقلة له، والقيادة الكردية تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق هذا الهدف، لكنها موقنة تماما أن الظروف الإقليمية الحالية، وتحديدا أنظمة دول الجوار الكردستاني، تركيا وإيران وسوريا، لن تسمح على الإطلاق بقيام مثل هذا الكيان، و لذلك لم تعلن قيامه، ناهيك عن حاجتها للدعم الاقتصادي من حكومة المركز في بغداد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |