كورد العراق الفيلية .. ثلاثون عاماً بلا جنسية؟

 

اليزابيث كامبل

ترجمة : دياري صالح مجيد

diyary_mageed@yahoo.com

قبل ثلاثون عامٍ مضت وبتأريخ نيسان / أبريل من عام 1980، تم تجريد ما بين ( 220000 – 300000 ) كردي فيلي عراقي من مواطنتهم العراقية . حيث تم نفي العديد منهم من مناطق سكناهم الأصلية ليجبروا على الزحف عبر الحدود الإيرانية وليدخلوا بعدها عقوداً من العيش في المنفى وبلا هوية وطنية معترف بها . أما من بقي منهم في العراق فقد أصبحوا مواطنين من دون هوية عراقية معترف بها في بلادهم . ويلاحظ أنه وعلى الرغم من الخطوات المهمة التي أتخذت من قبل الحكومة العراقية الجديدة من أجل إعادة الجنسية لهذه الشريحة، فأن المصادر تشير إلى أن قرابة ( 100000 ) شخص منهم لا يزال بعد لم يمنح الجنسية .

في العراق من الأمور الجوهرية للفرد هو إمتلاكه لوثيقة إثبات الجنسية من أجل الحصول على عمل، أو الدخول إلى ميدان التعليم والحصول على بقية الفرص والحقوق الأساسية . فوثيقة إثبات الهوية هذه عادةً ما تُطلب بهدف الحصول على الأنواع الأخرى من الوثائق الثبوتية كما هو الحال مع وثائق { الولادة، والوفاة، والزواج } . فبدون هذه الوثيقة عانى الكرد الفيلية ولا يزالون من حرمانهم من الحصول على الحقوق والخدمات الأساسية لقرابة ثلاث عقود من الزمن على أقل تقدير .

ينتمي أغلب الكرد الفيلية إلى المجموعة الشيعية ويعيشون في بغداد وديالى وكذلك في المحافظات الجنوبية في { واسط، وميسان، والبصرة } . وهم يعيشون ولا يزالوا منذ قرون في المنطقة الحدودية بين العراق وإيران على كلا جانبي جبال زاكروس .

لقد عانت هذه المجموعة البشرية ولا تزال من التمييز ضدها في العراق . ففي العام 1924 أكد قانون الجنسية العراقية على تقسيم الشعب العراقي إلى ثلاثة أقسام معتمداً في ذلك على الدين والقومية . ليصنف الكرد الشيعة وبشكل منظم على أنهم الجزء الأوطىء في سلم ذلك التصنيف . ولذلك فقد كانوا دائماً مستهدفين من قبل الجهات الحكومية التي أدعت بإن الكرد الفيلية وبما أنهم من أتباع المذهب الشيعي فأنهم في الحقيقة من أصول إيرانية . لذا فعندما جاءت حكومة البعث إلى الحكم فأنها كانت تخشى من الإنشقاق والمعارضة داخل الشعب العراقي، مما دفعها إلى ممارسة ذات سياسة التمييز تلك ضدهم .

في منتصف السبعينيات قامت الحكومة العراقية بتهجير قرابة ( 40000 ) كردي فيلي إلى إيران، مدعية بأنهم كانوا من أصول إيرانية . في حين تم في العام 1980 وبحسب القرار (666) نزع حق المواطنة العراقية من الكرد الفيلية . لتتم بعدها عملية مصادرة ممتلكاتهم من قبل الحكومة ذاتها . علماً بأن العديد من العوائل التي هُجرت إلى إيران كان أبنائها من أصحاب الشهادات العليا، أو من أولئك الذين حققوا نجاحاً إقتصادياً أو من الذين كانوا يشغلون مناصب كبيرة في الحكومة . بينما في إيران عانى العديد من هذه العوائل من العيش في مخيمات اللاجئين ومنعوا من الحصول على عمل أو تعليم وكذلك منعوا من الحصول على وثائق تتيح لهم إمكانية السفر إلى خارج إيران . بل أنهم حتى لم يكونوا قادرين على تسجيل الولادات أو الوفيات أو الزيجات . حيث ذكر بعض الكرد الفيلية بأنهم إذا ما أرادوا العودة إلى العراق، فأن العديد منهم سوف يُمنع من قبل السلطات الإيرانية من العودة مجدداً إلى إيران بعد أن يُكتب على ملفه هذه العبارة (يغادر ولا يسمح له بالعودة) .

قام قانون الجنسية العراقية الجديد في عام 2006 بإلغاء القرار (666) وذكر بأن كل الأشخاص الذين أسقطت عنهم الجنسية العراقية من قبل الحكومة السابقة يجب أن تعاد لهم هذه الجنسية . ووفقاً لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية فقد تم ومنذ العام 2003 إعادة الجنسية لقرابة ( 20000 ) عائلة وبما يشكل قرابة ( 100000 ) شخص . وهو ما يعد خطوة أولى مهمة وإيجابية . إلا إن التحدي الذي يواجهنا الآن يتمثل في كيفية المساعدة في تسهيل عملية إعادة الجنسية لأولئك الذين يفتقرون إلى الوثائق الضرورية لإثبات أصولهم العراقية . فمن أجل الحصول على الجنسية العراقية، يحتاج أمثال هؤلاء من الكورد الفيليين إلى إظهار أنهم كانوا مُسجلين في التعداد العراقي العام لسنة 1957 . إلا إن العديد منهم غير قادر على تزويد الجهات الرسمية بالوثائق التي تثبت ذلك التسجيل . والسبب في ذلك يعود إلى أن العديد من قيود السجلات المدنية قد دُمرت أثناء الحرب أو أنها تعرضت إلى الضياع في بعض الحالات، وفي حالات أخرى لم يتم إدراج بعض الناس في سجلات الإحصاء تلك بكل بساطة .
يملك العراق اليوم فرصة حقيقية ليكون مثالاً للقيادة الدولية في مجال حل المشاكل الخاصة بأولئك الذين جُردوا من حقوقهم المدنية عبر اسقاط الجنسية عنهم ( هوية، أو وثيقة التعريف الرسمية في العراق ) . لذا فبالتعاون مع وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، فأن هذه المنظمة { المنظمة الدولية للاجئين refugess international التي تعمل فيها كاتبة المقال } تطالب بمنع [تكرار هذه الجريمة] وحماية وإيجاد الحلول لأمثال أولئك الأشخاص، وبذلك يتوجب على الحكومة العراقية الجديدة أن تبحث عن حل سريع لهذه المشكلة . كما يتوجب على منظمة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة العمل على جعل مشكلة الكرد الفيليين أولوية عليا بالنسبة لها فضلاً عن العمل على نشر هيئة حماية خاصة وظيفتها التركيز على هذه القضية بشكل خاص . فعلى الرغم من أن هنالك العديد من التحديات الإنسانية الضاغطة في العراق اليوم، فأن مشكلة الكرد الفيليين يمكن لها أن تُحل . خاصةً وأن الإطار القانوني الضروري الخاص بها موجود و عبرت في الماضي القريب الحكومة العراقية عن حكمتها السياسية القوية في مجال إعادة الجنسية لهذه المجموعة العراقية . لذلك فمن خلال الإهتمام المشترك والمستمر، فأن هذه القضية يمكن ويجب أن تٌعالج .

* ملاحظة : ـ المقالة منشورة باللغة الإنكليزية على عنوان الرابط الآتي : -

http://www.refugeesinternational.org/blog/faili-kurds-iraq-thirty-years-without-nationality

تعليق على مقال كورد العراق الفيلية للكاتبة اليزابيث كامبل

دياري صالح مجيد

diyary_mageed@yahoo.com

قضية لم تُعطى بعد بعدها الذي تستحقه فما بين القومية والمذهب تشتت أوصال قضية كان من الممكن أن تأخذ بعداً أهم وأوسع لو أحَسنَ القائمون عليها كيفية التعاطي معها وبما يلائم الوضع الإقليمي والدولي الحالي وبما يحقق العدالة المُغيبة دوماً عن سماء المدن والأزقة التي يقطن فيها أبناء هذا المكون التي لا يُعرف بعد لها أي رقم يُعتد بذكره سوى تخمينات تزيد أو تنقص بطريقة مُزاجية تصل أحياناً إلى حد المبالغة التي لا يستسيغها المنطق .

أحدى أسباب ضياع هذه القضية لا تعود إلى ما يُمارس في العراق ماضياً وحاضراً من تمييز تجاه ابناء هذا المكون الواسع فحسب، وإنما بفعل ضعف أداء العديد من المؤسسات التي نصبت نفسها ناطقاً رسمياً بأسم الكورد الفيلية في العراق دون أن تكون في موقع يؤهلها للقيام بمثل هذا الدور المهم والحيوي من أجل ترسيخ مبادىء إنسانية جديدة إفتقدنا لها في زمن كان يقوم في أساسه على امتهان الكرامة الإنسانية بكل أشكالها وعناوينها المُثقلة بصور التعاطي البشع مع ملفات العديد من العراقيين ومنهم بالطبع أبناء هذا المكون الذي يتقلب على جمر القومية ونار المذهب دون أن يحصد شيئاً في هذا الصراع المرير إلا الوعود تلو الوعود .
على أية حال لقد أخذني الفضول كثيراً وأحببت أن أتعرف على إذا ما كان هنالك نوع من الإهتمام الغربي بهذه القضية التي كتب عنها العديد من المثقفين الأكراد منهم والعرب ( العراقيين ) على السواء وبطريقة تنم عن إبداع أولئك بشكل يستحق منا الإحترام والتقدير، لكن يبقى لإيصال القضية إلى خارج حدود العراق وخارج أروقة القاعات المكيفة التي يجري فيها النقاش بشان هذه القضية، نحو عقول المفكرين العرب والأجانب، دور مهم وجوهري في ترسيخ عملية التعاطي الإنساني مع ملف مهم من ملفات العراق التي لم يُعطى لها أي إهتمام حقيقي يُذكر خارج إطار المزايدات السياسية والدعاية الإنتخابية الخاصة بها، لذا تفاجئت بأن هذه القضية لا تشغل مساحة توازي حجمها الحقيقي لدى كتاب العرب والغرب على السواء، بإستثناء بعض السطور البسيطة التي وجدتها في بعض المقالات القليلة جداً، ومنها مقال نشرته الكاتبة اليزابيث كامبل التي تعمل في المنظمة الدولية للاجئين وهي في الأساس منظمة إنسانية في واشنطن وتعمل هذه المنظمة منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي في مجال متابعة أحوال أولئك الذين تسقط عنهم الحكومات الجنسية لأسباب سياسية، حيث يشير الموقع الرسمي لهذه المنظمة إلى أن عدد أولئك الذين أُسقطت عنهم الجنسية في دول العالم المختلفة قد وصل إلى (12) مليون نسمة، وهي مسألة جعلت من السيدة اليزابيث تختار التخصص بالشان العراقي ومشكلاته المتنوعة ومنها قضية الكورد الفيلية .

الأمر المفاجىء في مقالة السيدة اليزابيث أنها كانت تحوي، رغم كونها مقالة قصيرة ( أنظر المقالة المترجمة من قبلنا آنفاً )، العديد من الإشارات التي تُظهر بوضوح حجم الإهتمام الذي أفرزته هذه المشكلة من لدن الباحثة التي أشارت مثلاً إلى قانون الجنسية العراقية (42) لسنة 1924 ومن ثم إلى قرار مجلس قيادة الثورة " المُنحل " رقم (666) لسنة 1980 الذي تم بموجبه إسقاط الجنسية عن هذا المكون الفيلي، وكذلك إشارتها المهمة لحقيقة كون من بقي من هؤلاء في العراق قد سٌلبت منهم المواطنة عبر مصادرة الوثائق العراقية التي تثبت كونهم عراقيي الأصل، وهي معلومات أقول جازماً لا يُعرف عنها الكثير في الأوساط الثقافية العراقية – العربية والغربية على السواء، إذا لا زال الكثير لا يعرف عن هذه القضية أي شيء غير تلك المعلومات المشوهة التي رسختها وسائل الإعلام المعادية للكورد عموما في أذهان الآخرين، والسبب هنا يعود أيضاً إلى ضعف تواصل المنظمات الكردية مع الباحثين العرب والأجانب في توضيح الصورة وكشف الحقيقة عن هذه القضية .
هناك أمر آخر يثير إستغراب ودهشة المرء عندما يعرف بوجود عدد كبير من المؤسسات والمنظمات التي تقول أنها ممثلة عن هذا المكون، لكن للأسف لم نجد فيها أي تعاون مع مثل كُتاب هذه المقالات من الأخوة والأخوات العرب والأجانب، فلا يوجد تكريم مثلاً للعرب المناصرين للقضايا القومية غير العربية ولا يوجد إحتفاء بمثل هذه الشخصيات وهي عديدة في العراق، كما لا يوجد أي إتجاه نحو ترجمة ما يكتبه الباحثون الغربيون وبلغات مختلفة حول هذه القضية وأن كان مجرد سطور، إذ ربما يقود التعاون معهم في هذا المجال وعبر إرسال مقالات عربية مترجمة إلى الإنكليزية، إلى توسيع دائرة الإهتمام بهذه القضية، على الأقل بهدف البحث عن عناصر ضغط داعمة باتجاه ضمان عدم تكرار ذات الماساة في المستقبل، إذا ما جاءت حكومة لديها ذات التوجهات من الكورد بشكل عام .

قبل فترة من الزمن كنت في حديث مع امرأة كردية حول هذه القضية وقالت لي بان القضية الفيلية جزء أساس من مجمل القضية الكردية، لكن الفرق الوحيد أن أبناء هذالمكون كانوا الحلقة الأضعف في سلسلة التأريخ والجغرافية الكردية، لذلك إستخدم النظام السابق كل الإمكانيات المتاحة لديه في قطع هذه السلسة التي نجح في محاولة فرط عقدها بشكل كبير بتهجير الكرد الفيلية وإسقاط الجنسية عنهم والعمل على ترويع وتشريد من بقي منهم في العراق، فكانت الكارثة التي تسببت في إنهيار منظومة إجتماعية مهمة .

رأي لا يقل صواباً عن رؤية السيدة اليزابيث، لذا أمنياتنا أن يجتهد كل من موقعه لخلق منظومة داعمة للقضايا المصيرية العربية منها والكردية على السواء في منطقة لا يحترم قادتها المجموعات الإثنية ولا يؤمنون بحقهم في الحياة، وهو أمر أضعف قضية هذا المكون العراقي المهم وإفقده الكثير من عناصر الدعم الذي هو اليوم بأمس الحاجة إليه، لذا لا يسعنا في نهاية هذا المقال إلا أن نعبر عن عظيم إمتنانا للسيدة اليزابيث ومن يسير على خطاها، عل في ذلك نوع من التكفير عن الذنب الذي إرتكبته القيادات الامريكية والغربية من تجاهل للقضية الفيلية، حيث كانت تقف موقف المتفرج من تلك التراجيديا القائمة على أساس التطهير العرقي، دون أن تحرك ساكناً في ذلك الحين وهو أمر آخر يستحق الإهتمام على إعتبار أن العلاقات الدولية في ذلك الزمن لعبت دوراً عادةً ما يُسقط من الحسابات في مراجعة هذا الملف الخطير !! .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com