من المبتغى .. السلطة أم الحكومة..؟!

 

باقر الفضلي

 bsa.2005@hotmail.com

لقد خاض المواطن العراقي ولأيام خلت، "العملية ألإنتخابية" لتسمية أعضاء مجلس النواب الجدد، ولم يك يعنيه كثيراً غير أمر واحد، إذ كان يتسائل فقط؛ من يا ترى سيكون رئيساً للحكومة، ولا يعنيه كثيراً ماذا سيكون برنامج حكومته، أو من هم وزرائه، فكل ما ينشده هو الأمان... وما تبقى متروك لمشيئة الرحمن..!؟ 

 ولذلك فلا غرابة أن يحصل كلا من السيدين أياد علاوي بصفته رئيساً للوزراء سابقاً، والسيد عدنان المالكي رئيس الوزراء الحالي، على أعلى نسبة من أصوات الناخبين على صعيد القطر، مما عكس حالة الإستقطاب والإنقسام الشعبي بين المحورين، وشكلا رغم إرادتيهما، ونتيجة لثوابت "العملية السياسية" الإستراتيجية، وما آلت اليه تداعيات السنوات القليلة الماضية، قطبا تلك العملية "الطائفية ـ المذهبية" الإنقسامية، رغم ما بذلاه ويبذلانه من جهد غير قليل على مستوى الإعلام المرأي والمسموع، بأنهما يمثلان إتجاهاً لا طائفياً كما يصرح السيد المالكي، وآخر علمانياً ليبرالياً، كما يعلن السيد اياد علاوي. ومن جانبها شكلت القائمة الكردستانية، قطبها الإثني الثالث..!

 ومن هنا أصبح موقع رئيس الوزراء، تلك الإشكالية، التي سماها السيد على الدباغ الناطق الرسمي بإسم الحكومة ب" العقبة الرئيسية "(1)، ولم يعد يمثل مجرد مركز وظيفي ـ سياسي حسب، بل تعداه ليمثل إتجاهاً في الحكم يسحب وراءه مصالح متعارضة وأحياناً متطاحنة، لقوى وكتل سياسية تمتد بعض أذرعها في كثير من الأحيان خارج الحدود، وكلها تنشط بإتجاه أن تمسك بأيديها وبإحكام، ذلك الموقع المرموق، وبالتالي فكل ما يقال ويقترح هنا وهناك، من تمازج الكتلتين الأكبر وتوقع إئتلافهما في توليفة مشتركة كحكومة إئتلافية، "علاوي ـ مالكي"،  لما فيه مصلحة العراق، ولكن يبدو الأمر ومن خلال واقع التنافس بين الكتلتين، وطبقاً لثوابت العملية السياسية، وما آلت اليه النتائج الإنتخابية، وكأنه من الأمور الأكثر إستعصاءً في تلك العملية؛ فمصالح العراق لا زالت بعيدة عن موقع التنافس أمام هذا المكان، حينما يكون التنافس لشغل هذا الموقع، على أشده بين رموز "المكونات"..!؟

 فكتلة السيد أياد علاوي "العراقية" على سبيل المثال، كانت تركز في إنطلاقتها الإنتخابية، على كل الجوانب السلبية في إداء حكومة السيد نوري المالكي خلال سنواته الأربع في السلطة، حداً إعتبرت فيه تلك الحكومة بالفاشلة سياسياً وخدمياً وأمنيا، ووصمتها بالطائفية، وطرحت نفسها بديلاً، بل نقيضاً لتلك الحكومة، معتبرة بأن ما حققته كتلتها من نتائج في الإنتخابات الأخيرة دليل قاطع على ما تقول، ومن هنا تبلور شعارها الإنتخابي في مفردة "التغيير"..!

وشبيهاً بذلك، وبطريقة معكوسة، كانت كتلة السيد نوري المالكي "دولة القانون" ورئيس الحكومة المنتهية ولايتها بموجب الدستور، وفي إنطلاقتها الإنتخابية، ترفض كل ما قيل ويقال عن أية سلبيات في أدائها، وترفض توصيف هويتها من قبل الآخرين بالهوية الطائفية، بل طرحت كل ما إعتبرته من إنجازاتها الكبيرة، وفي مقدمته إنجازاتها على الصعيد الأمني، وتميز خطابها السياسي في الآونة الأخيرة بما تعلنه عن إبتعادها عن التخندق الطائفي والحزبي، والدعوة الى وحدة العراق، ومحاربة الإرهاب والبعث، معتبرة هي الأخرى، إن ما حققته كتلتها من نتائج في الإنتخابات هو الآخر، دليل ناجع على ذلك..!

 فالكتلتان ذواتا الأغلبية البرلمانية ومن ظاهر الحال، باتتا تمثلان عنصرا التعارض السياسي على الصعيد الوطني والبرلماني، رغم ما يشهراه، بعد إعلان النتائج الأولية للإنتخابات، من إنفتاحهما على بعضهما وإستعدادهما للتلاقي والتشاور، لمعرفتهما بإستحالة تشكيل الحكومة على إنفراد ودون تحقيق حكم الدستور، ولكن واقع الحال وعلى الصعيد العملي، يثبت شيئاً غير ذلك، وخاصة ما يتعلق بمسألة الطعن بنتائج الإنتخابات، والتشكيك بها من قبل الطرفين، والتهديد بحسابات أخرى إن أسفرت نتائج الفرز والعد القادمة عن نتائج جديدة قد تخل بميزان التوازن القائم حاليا، مثلما عكسا من جانب آخر، ليس فقط حالة الإستقطاب الطائفي على مستوى الوطن حسب، بل حالة من الإستقطاب الإقليمي في المنطقة..!

 وهكذا تبدو إشكالية من سيكون رئيساً لمجلس الوزراء القادم، معضلة قائمة بذاتها، وفيها يكمن جوهر التناقض بين الأطراف المتصارعة وما يتبعه من إمتدادات لمصالح إقليمية ودولية تخفي نفسها وراء هذا الصراع، الآخذ شكل الإستقطاب شبه الطائفي، وإن خفف من غلوائه التفتت الذي إنتاب الكتل التي تخندقت طائفياً في الإنتخابات السابقة عام/2005..!

كما والى جانب القوتين الرئيستين في الساحة السياسية، أسفرت نتائج الإنتخابات الأولية عن بروز كتلتي التحالف الوطني، والكتلة الكوردستانية، لتلعبا دوراً إستثنائياً وربما حاسماً في حل معضلة تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك في حالة تحالف أي منهما مع إحدى الكتلتين الرئيستين، لتحقيق النصاب الدستوري اللازم لتمرير الحكومة في مجلس النواب، وإن كانت الكتلة الكوردستانية أكثر تريثاً للتعرف على ما ستؤول اليه نتائج التحالفات الجديدة.

 وقد أفرزت الأيام ما كان متوقعاً؛ حيث توصلت كتلة السيد المالكي "دولة القانون" الى تشكيل إئتلاف مشترك مع "الإئتلاف الوطني" الذي يقوده السيد عمار الحكيم، لتوفر مقدماته وتوحد جذوره، رغم ما تبطنه الخلافات بين الكتلتين، واضعةً بذلك "كتلة العراقية" أمام مفترق الطرق؛ إما المشاركة مع الإئتلافين في تشكيل "حكومة المشاركة"، ومن الطبيعي والمتوقع، أن لا يشغل فيها السيد أياد علاوي منصب "رئيس الوزراء"، والأسباب لم تعد خفية على المراقب، وهذا ما باتت كتلة "دولة القانون" تمرر رسائلها حوله الى كتلة "العراقية"، رغم تكرار تلك الكتلة لمقولة "الإستحقاق الإنتخابي"، التي جرى تفسيرها على الضد من رغبة وتفسير "العراقية"، لتضمن "دولة القانون" والتحالف الجديد بذلك، الإنفراد بموقع رئاسة الوزراء، خاصة بعد ما أُعلن عن سحب التيار الصدري تحفظه على إستيزار السيد المالكي لفترة جديدة، وهو موقف جديد ومفاجيء من قبل التيار الصدري؛ أو أن تجد "العراقية" نفسها في المعارضة البرلمانية منفردة، بعد أن أكدت أغلب التوقعات وقوف الكتلة الكردستانية الى جانب الإئتلاف الثنائي الجديد بين كتلتي المالكي والحكيم، لتستقر الأمور على ما كانت عليه الأوضاع بعد إنتخابات عام /2005..! (2)

 وهكذا يظهر السعي الى التمسك بمنصب "رئاسة الحكومة" وكأنه الطريق الوحيد للتمسك بمفتاح السلطة، وبالتالي بالهيمنة على الدولة ومؤسساتها وما فيها، حتى لو أدى مثل هذا السعي، الى الإستقواء بكل ما يتاح تحت اليد من الوسائل، عند الضرورة..!؟

 أمام المعضلة العراقية المتمثلة بإشكالية منصب "رئيس الوزاء"، تبدو صورة المستقبل القريب لكلا المرشحين من القائمتين، كالحة بعض الشيء؛ كما وإن دخول التيار الصدري بالتلويح بذراعه المسلحه، كفيل بأن يقوض الكثير من حساباتهما، ويضع مصداقيتهما في الميزان، خاصة وأن هذا التيار بات يجيد المناورة بما يمتلكه من أصواته النيابية الأربعين ضمن كتلة "التحالف الوطني"، التي أصبح تأثيرها أكثر وضوحاً، بعد ما تلمسناه مؤخراً من التقارب بين كتلة "دولة القانون" برئاسة السيد المالكي للتيار المذكور، وحتى مغازلته بتسنم بعض من أفراده مهام أمنية الى جانب تشكيلات القوات الأمنية الحكومية، وما يعنيه ذلك من مغزى ذي دلالة..!!؟

 ولإن بدت الدعوة المتواصلة والصادرة من جهات سياسية عديدة، بضرورة التعجيل بتشكيل الحكومة وسد الفراغ السياسي والأمني في البلاد، لا زالت تحتفظ بأهميتها الموضوعية، إلا أن أهميتها الإستثنائية ما عادت تشكل أمراً يشغل بال الكتل النيابية الفائزة بنفس القدر من الأهمية؛ فالحكومة المنتهية ولايتها لا زالت تحتفظ بكامل صلاحياتها، ولن يقلقها شيء طالت المدة أم قصرت، طالما هي في كنف السلطة، وبإنتظار إعادة إستيزارها من جديد، بعد أن ضمنت قائمة "دولة القانون" الكتلة البرلمانية المطلوبة، مسنودة بالكتلة الكوردستانية..!

 أما المواطن العراقي، فلم يجد أمامه معبراً غير شلال الدم المتدفق، عبر شارع الصراع من أجل السلطة، حيث أصبح الإرهابُ يلاحقه حيثما ما كان، وأملُه في التغيير،  قمراً فوق صهوة حصان..!؟(3)     

 _______________________________________________________

(1)    http://www.akhbaar.org/wesima_articles/index-20100424-88906.html

(2)   السومرية نيوز | سياسة العراق | التيار الصدري يعدل عن قراراته ويؤكد أن لا خطوط حمر على المالكي لرئاسة الوزراء

(3)      BBC Arabic - الشرق الأوسط - العراق: مقتل 80 وإصابة المئات في سلسلة هجمات منسقة  


 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com