من ينقذ المسيحيين في العراق؟

 

نبيل يونس دمان

Nabeeldamman@hotmail.com

لقد هزني حادث استهداف ورود بغديدا، طلاب العلم من الجنسين، واعتبر كل تشوه لحق باجسادهم الشابة، علامة ادانة يسجلها التاريخ، والى مدى الدهر، وستمثل هذه الحادثة باستمرار امام انظار شعبنا والانسانية، فالذي ارتكب يوم الثاني من ايار سيبقى رمز  لخسة المعتدين وجبنهم. حتى لا اغرق القارئ بسيل الوعظ والسرد الانشائي اختصر قدر الامكان افكاري بالقول، اننا كنا مضطهدين عبر التاريخ في ارضنا ما بين النهرين واشتد اضطهادنا اكثر فاكثر غداة سقوط الطاغية صدام حسين، يبدوا ان الهدف من وراء ذلك هو افراغ العراق من المسيحيين، كما افرغ من اليهود في القرن الماضي، هنا يتطلب من المسيحيين الاستمرار في مناشدة السلطة الحاكمة والعشائر ورجال الدين لبذل اللازم من اجل انقاذ ما تبقى من هذا الشعب المسالم الاصيل والتواق للحرية واعادة مجد حضارته الغابر. كما ويتطلب ايضا مناشدة المجتمع الدولي، الامم المتحدة، جامعة الدول العربية، والفاتيكان، بحال هذا الشعب الذي يضطهد ويصلب كل يوم، وتحريك الضمائر ان بقيت حية في عالم اليوم حتى تهب لنجدته وتوقف استهدافه، انها اشبه بحرب غير معلنة ضد شعبنا.

بما ان الامور تسير من سيئ الى اسوء وتدفع كل يوم بقوافل جديدة للهجرة وترك ارض الذكريات وقبور الاجداد والاملاك، متحملة صعوبات نفسية اشد وضيم اكبر لما تبقى من حياتها في بلدان المهجر، لذلك يتطلب تنويع اساليب التصدي والتغلب على هذه المحنة وتجاوزها، فرفع غصن الزيتون لم يعد ينفع، والاستنكار والشجب لم يحرك شعرة في جلد الارهابيين، سواء في الموصل او باقي انحاء الوطن، لذا على الغيارى ممن تسري في عروقهم دماء الاجداد العظام، ان ينظموا انفسهم اكثر ويتحلوا بقدر من اليقظة والحذر لتلافي تكرار هذه الامور وطرق كل السبل التي تردع المعتدين وتوقف عدوانهم المتواصل.

ان هذه الاجواء الملبدة بالغيوم السوداء قد تكررت في الماضي، وكانت كلها تستهدف زعزعت ايمان المسيحيين، وسلب ممتلكاتهم، والاعتداء على اعراضهم، كما فعل نادر شاه( طهماسب) عام 1743، فعند فشله على اسوار نينوى انتقم شر انتقام من مسيحيي الاطراف. وعندما هجم الامير الراوندوزي محمد الاعور على الايزيدية عام 1832، دخل البلدة القوش ايضا فارتكب مجزرة تقشعر الابدان من هولها، وهكذا الامثلة كثيرة.

في السنين القليلة الماضية بدات حملة استهداف المسيحيين بالبصرة ثم بغداد فكركوك والموصل كل هدفها ارغامهم على ترك ممتلكاتهم والخروج من موطنهم الاصلي، اصبحنا اليوم امام انظار العالم مجزأين، مشتتين، منقسمين، كأن نهراً شق شعبنا فقسمه نصفين، او جداراً شطره جزأين، او زلزالاً فتح اخدوداً عميقاً، ان مثلنا مثل القدس وبرلين ايام زمان، ولكننا بحال اسوء منهم، فالحدود بيننا نحن شعب الرافدين الاصيل، اصبحت محيطات مياه ،وسلاسل جبال، وخرائط جغرافية مختلفة التضاريس، وحتى لون السماء مختلف ايضا! اما لغتنا السريانية العريقة، تقاليدنا، طقوسنا، وميراث ابائنا، كلها ستنتهي تدريجيا اذا استمر الوضع هكذا.

نحن بحاجة الى قائد نحتذي به، نتبعه، يشدنا اليه، ويستنهض فينا العزم والمزيد من التحمل، نحن بحاجة الى كاريزما تحرك وضعنا الساكن، والى رجال منزهين، اكفاء، وشجعان. عندما تعرض شعبنا في تركيا للابادة سني السفر برلك( 1914- 1918) قامت مجموعة جريئة بحمل السلاح والانتقام قدر استطاعتهم من الجناة، ومن المؤكد ان ذلك الفعل المحدود قد انقذ انفس اخرى كانت ستتعرض للمظالم، وكذلك شفي بعض الغليل في النفوس، في ذلك الوقت لم تكن اوربا او اميركا مفتوحة كما اليوم ليهاجر اليها شعبنا.

ان رجال ديننا ينطلقون من قيم المسامحة والسلام التي نادى بها المسيح، انها قد تلين القلوب وتكسب العطف في ظروف اخرى، ونحن طوال سنوات عجاف ماضية استخدمناها حتى استنفذت مفعولها، في الماضي ايضا شارك بعض رجال الدين بالدفاع عن شعوبهم المضطهدة واليكم الواقعة التالية:

في عام 1876 دخلت القوش مجموعة من المسلحين بزعامة رئيس قبائل الطيـّان المدعو ﮔولان ، فاهانت الاهالي وسلبت السوق، ثم ولت الادبار الى ديارها في الغروب. حدث هياج شعبي اضرم شرارته القس هرمز اودو والد المطارنة المعروفين : الشهيد مار توما( 1856- 1918 ) ومار اسرائيل 1858- 1941)، وكان عمه البطريرك مار يوسف في شيخوخة عمره وقد تردد في تشجيع تلك الحملة، ولكن القس هرمز حسم الامر قائلا (لك العمامة ولي السيف، وبالسريانية: آي ششتخ وآي سيپي) . فخرج مع الشباب المتحمس ولحقوا بالعصابة في موقع (آرتوك) قرب قرية (داكان) ودارت معركة بينهم قتل فيها ﮔولان ، فتشرذم افراده لا يلوون على شيء.

ختاما اقول ان الارهاب لا يسمع، لا يحس، لا يكترث، ولا يلوح في الافق انه سيتركنا وشأننا، فعلى طلائع شعبنا ان تدرك ذلك، وتتحلى بقدر من الفطنة والدهاء في التصدي للارهابيين، مرتدين تلك القمصان المطرزة بدماء الطلبة والشباب.

بْنونِهْ وبناثـَهْ سورايـِــهْ            مْن بِثْ نَهرِنْ غْديدايِه

صْويئِه بْگو دِمِّدْ خايِهْ            وأني باُﭘْرَيْ خْنِخْرايـِه

شُقولي أنْ شُقْياثــَـــــهْ           نيشَنْ تَكُلْ يوماثــَـــــه

مْسُقلِه سْموقِه حْيروثَهْ           بْيرَقْ تَبْني ناشوثــَـــه

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com