زيارتي الى الوطن بعد سنوات طويلة من الغربة (الجزء الاخير) .. مدينة خانقين وضعف خدماتها

 

محمود الوندي

 m-w1948@hotmail.de

احظرت رحالي الى مدينة خانقين بلهفة وحاملا معي احلام كبيرة وحبي المشوب بالحنان اليها، ملؤها الشجن والعبرات متحسر لذكرياتي الماضية ولقاء الحبايب، فأخذت اتكلم مع نفسي واقول آه يا خانقين ويا مدينتي الزاهية جئتك اليوم بعد غياب طويل بلوعة الغربة .  

وكان تفكري بان مدينة خانقين حالها حال مدينة اربيل من ناحية البناء والعمران وتعبيد وتوسيع الشوارع وتحديث المدارس والمستشفيات، عندما وطأت قدماي ارض المدينة واذ باحلامي الوردية لم تستمر بل انتهت عند وصولي الى المدينة، لان الواقع الجديد لا يتغير عن ماضيه، فشعرت بان مدينتي تسعى للململة جراحها وصمودها مرة اخرى ليس لتواجه دكتاتورية البعث وما حمله من كوارث ومحن لهذه المدينة، بل لتواجه مجموعة جديدة من المشكلات الاجتماعية والحياتية . وبرغم اتيحت لي فرصة جيدة للالتقاء بالاصدقاء والمحبين والاهل والاقارب . وبفضلهم قد تمتعت حقا بهذه السفرة الموفقة التي استمرت حوالي عشرة ايام في خانقين .

ادرج ادناه ملاحظاتي وانطباعاتي عن مدينة خانقين واوشر الى بعض المشكلات المهمة وبالاخص عن الجانب الحياتي والإنساني التي تهم اهالي المدينة:

توسعت المدينة من كثرة الابنية بشكل ملفت للنظر مع توسع في عدد سكان المدينة، ولكن بشكل عشوائي وبدون تخطيط استراتجي، والمدينة ترزح تحت واقع خدمي مترد، انها بحاجة كبيرة الى الخدمات . إذ ان شبكات الصرف الصحي غير قادرة على تقديم الخدمة اللازمة فهي طالما شهدت تكسرات وانسدادت في العديد من الاماكن وكذلك الماء فهو غير صالح للشرب وفي جانب اخر فان الاوساخ تنتشر في المدينة ولا تجد من يرفعها الا نادرا وهذا الحال يشمل اغلب مناطق المدينة، أي ان الخدمات الحياتية تدنت الى ادنى مستوياتها ..

 اما التعليم والصحة والزراعة وغير ذلك فحدث عنه ولا حرج، اذ بدا التدهور واضحا في هذه الميادين .

المراكز الصحية الموجودة في مركز المدينة غير كافية فضلا عن ضعف اداء ما يشكل عبئا اخر فالكثير من المراجعين والمرضى يتعرضون الى احتمالات الموت بسبب قلة الأدوية ويتعذر اسعافهم لاسيما اولئك الذين يتعرضون لمشاكل صحية طارئة او عدم وجود الكادر الطبي في المستشفى وخاصة ايام العطل . 

 ومن ملاحظاتي ايضا ما شاهدت بعض اصحاب الصيدليات  الاهلية في  خانقين هم من خريجي المعاهد وليس من خريجي كلية الصيدلة وهذا اخطر فتاكا للمريض، لان هناك بعض الأدوية تحضر او تكوين داخل الصيدلية وهذا من الاختصاص خريج كلية الصيدلة وليس خريج المعهد، وهناك كثيرمن الموصفات الطبية لا يستطيع خريج المعهد ان يدبرها، واعتبر هذا خطا كبيرا على صحة المريض، لاني لا اعتقد بان خريج المعهد له القدرة لاحضار الادوية داخل الصيدلية او تكوينها من تركيبة عدد المواد وهذه من الجهة، ومن الجهة الاخرى لا تسمح الدولة ولا نقابة الصيادلة لخريج المعهد الطبي ان يفتح الصيدلية الاهلية .

استطيع ان اقول الوضع الامني مستقر، وهناك تحسن ملحوظ في مجال خدمات الكهرباء والماء بالقياس الى الفترات السابقة، بل لآ زال هناك شحة في مشتقات الوقود والادوية، .وعدم تقديم الخدمات الانسانية بصورة جيدة وصحيحة الى اهالي خانقين وبالاخص في المجالات الحياتية والصحية والتربوية مع ارتفاع الاسعار بشكل صارخ وخاصة ايجار دور السكن وارتفاع اسعار المواد الغذائية، وانتشار البطالة، بسبب دور مميز لمجموعة من الناس "الهامشين" على صعيد الإدارة المدينة والمحافظة فقسم كبير منهم متهمين بالفساد الاداري والمالي . مما انعكست هذه الحالة بشكل سلبي، خاصة في مجال توزيع واعادة توزيع الدخل القومي، وثاثيرها على الواقع المعاشي للطبقات الوسطى والفقيرة في المدينة .

 هناك فوضى كبيرة في مجال طرق والمواصلات الداخلية وشوارع المدينة المكتظة بالسيارات والناس وفضلا عن انتشار باعة الارصفة في غالبية الشوارع، وانعدام تنظيم المرور مع تزايد مستمر في عدد السيارات ونقص في اماكن وقوف السيارات وعدم تنظيمها، اذ توجد حوادث كثيرة ناجمة عن عدم اهتمام بتنظيم هذا الجانب المهم من حياة المواطن اليومية، وذلك بسبب ضعف المراقبة المرورية، عدم تنظيم امور سيارات الاجرة الداخلية والخارجية من حيث مراقبة اجازات السوق وغيرها .

 تحولت المدينة الى صحراء قاحلة بسبب تعرض بساتين المدينة الى التدمير والتخريب وقطع اشجارها وتحويلها الى الدور السكنية للمسؤولين بشكل خاص . بدلا من تخصيص اماكن للحدائق والمتنزهات لاهالي المدينة فضلا عن ان العديد من الأبنية الحكومية تشكو رداءة مرافقها الصحية وتصدّع جدرانها وعدم نظافتها مثل : دائرة الجنسية والنفوس التي تعاني من قلة كوادرها وقلة غرفها وضيقها وقدم بناءها وعدم وجود قاعة الانتظار الى المراجعين الذين يتحملون حار الصيف وبرد وامطار الشتاء، وهناك عددا من المناطق الآثرية التي تقع في حي " امام عباس " ومناطق اخرى من المدينة بدون ان تحمى من قبل الجهات الاثرية او الحكومية والتي تعود الى العهود السومرية .

والأدهى من كل ذلك، هناك مشكلة كبرى واهمية خطرها على المجتمع في كافة مجلات الحياة، لعدم اهتمام في إعداد الشباب ليأخذ دورها السليم في مجرى الحياة المستقبلية وتوجيهها نحو الاتجاه الصحيح وإعدادها بأحسن حال .

حيث رأيت الكثير من الشبان وعمرهم لا يتجاوز الثمانية عشر عاما اي هم تحت السن القانوني، وجالسين في الكازينوات ( المقاهي ) ويتناولن النركيلة ( الشيشة ) بدون رقابة او محاسبة ولم يمنعهم صاحب الكازينو لصغر عمرهم لتناول او شرب النركيلة لانه مستفيد من هولاء الصبيان، فعندما طرحت على احد اصحاب الكازينوات لمنع دخول الصبيان الى الكازينو وكان جوابه ( بابا اني على باب الله ) ورزقي على هؤلاء , وحاولت ان احاور احد الصبيان حول وجوده هنا ( اقصد الكازينو ) بصورة مستمرة وكان رده الى اين اتوجه لعدم وجود مكانات اخرى مثل النادي الرياضي او مركز الشباب او المكاتب العامة ان امارس هوايتي، وقلت له ما هي هوايتك فقال انا احب الفن التشكيلي إضافى الى التمثيل ولكن مع الاسف نحن مهمشون من قبل المسؤولين لانهم مشغولين بحياتهم الخاصة وسرقة اموال الشعب ضاربين عرض الحائط كل واجباتهم ومسؤولياتهم وعدم متابعة احوالنا، هل معقول ان يترك هؤلاء الصبيان في عمر الورود للذئاب البشرية ولم يحس بهم المجتمع ولا المسؤول في الدولة، ان ينحرفون ويكونون عالة على المجتمع . من يتحمل هذه المسؤولية اتجاهم ؟  

لقد التقيت مع عدد من شخصيات المدينة ومنها الاقتصادي المعروف الاستاذ عبد الكريم عبد الله التورنجي والمهندس مصطفى شاه محمد والاستاذ قصي احمد وغيرهم من بسطاء الناس من مختلف الاتجاهات الفكرية واستمعت الى آراهم حول معاناة اهالي خانقين وعدم تقديم الخدمات بشكل جيد بسبب ضعف إدارة المنطقة التي تعاني من سوء القيادة واخفاق بقدرتها لانها تحمل مسؤولية اكبر من قدرتها، إضافة الى انتشار الفساد الاداري والمالي، وعدم اخذ إجراءات اصولية بحق الفاسدين والمقصرين بسبب محسوبية ومنسوبية .

وقال احدهم: ولم يكن الرجل المناسب في المكان المناسب، السفينة لا يمكن ان تبحر بأمان دون ربان ماهر، وللمسئول الماهر خصائص ومميزات إدارية لا يعوض عنها شيء آخر أو تميز آخر والإدارة تخصص لا يغني عنها تخصص آخر فكيفية المسؤول بدون تخصص نهائيا تقود هذه السفينة .

كما التقيت مع قائماقام خانقين السيد محمد ملا حسن وعدد من المسؤولين الإداريين ومنها السيد سمير محمد نور رئيس مجلس مدينة خانقين، وناقشت معهم لمدة تقرب الست ساعات عن مشاكل الناس وما يقوله اهالي المدينة حول ضعف الخدمات الى المدينة والفوضى العارمة والاختناقات وزحام السيارات في شوارع المدينة، فيما بذلوا هم كل جهدهم من اجل تبرير هذه المشالكل، وكانت اعذراهم بعدم تعاون محافظة ديالى معهم بصورة حقيقية برغم تعتبر مدينة خانقين او باحرى قضاء خانقين من ضمن المحافظة وعدم دعمها ماديا ومعنويا لاسباب معروفة، إضافة الى قلة الراتب في البلدية حيث ترفض التعين من قبل اهالي المدينة لمنصب عامل التنظيف، وهناك خلل واهمال من قبل اعضاءنا المتواجدين في مجلس إدارة ديالى وضعف إداءهم لحصول على المخصصات المستحقة لقضاء خانقين، والحديث لهم : نحن بين نارين " نار الحكومة المركزية التي تهملنا وتدعي باننا مسنودين من قبل حكومة اقليم كوردستان ومحسوبين عليها، واما نار اخرى نار حكومة اقليم كوردستان وهي تدعي بان خانقين بما هي من ضمن محافظة ديالى يجب الحكومة المركزية ان تدعمها ماديا ومعنويا، وهذه اهم الاسباب الرئيسية بعدم تقديم الخدمات بصورة افضل وهناك اسباب اخرى كثيرة ليس المجال لفضحها، لقد وجدت في الكثير من تبريراتهم جدية في التحليل وصحة في المعلومة .  

وإنصافاً للحق رغم هذه المدن يواجه مشاكل كثيرة متراكمة ومعظمها ثقيلة من مخلفات النظام البائد ولا يمكن إزالة آثارها المدمرة بين عشية وضحاها، لكن اعتقد أن حرية الكلام والعمل متوفرة الآن فيها أكثر من أي وقت آخر في تاريخه، دليل على ذلك بوجود كثيرا من منظمات المجتمع المدني والتنظيمات والكيانات السياسية، إضافة إلى وجود عشرات الفضائيات التلفزيونية والمحطات الإذاعية ومئات الصحف المطبوعة، اكثرها تابعة للقطاع الخاص .  

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com