غرباء حتى في أوطاننا

 

كاظم فنجان الحمامي

kfinjan@yahoo.co.uk

أتعس ما نمر به اليوم هو شعورنا بالغربة داخل بيوتنا وأوطانن، وشعورنا بالخذلان بين أهلنا وذوين، أما كيف تكون الغربة في الوطن؟، وكيف يعيش الإنسان غريبا في بلده ؟، فتلك مسألة لا يفهمه، ولا يحس بها إلا نحن الذين عشنا في العراق تعساء في أوطانن، تعساء في منافين، تعساء في نومن، تعساء في يقظتن، وكأننا خلقنا تعساء، وكتب علينا أن نعيش غرباء، ونموت غرباء، وكأن الغربة ولدت في ذاتن، وترعرعت معن، تنتقل معنا كالظل حيثما نكون، وستبقى معنا أينما نحل، فالغربة سر تعاستن، وهي اكبر كوابيسنا اليومية المزعجة.

نحن غرباء في العراق لأن معظمنا لا ينتمي إلى العشائر المستبدة المتجبرة، التي ماانفكت تتمسك بشعار: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) وتتفاخر بهذا الشعار في مجتمع اعتادت فيه الأسماك الكبيرة على ابتلاع الأسماك الصغيرة.

نعيش في عزلة تامة لأننا لا ننتمي إلى الأحزاب المتنفذة، التي جثمت على صدورنا وتلاعبت بمصيرنا منذ بدايات القرن الماضي، وأسست في وطننا قواعد هذا البنيان السياسي الفوضوي المصطنع، فشهدنا وقائع مسلسل السنوات الخداعات، التي كان يؤتمن فيها الخائن، ويخوّن الأمين، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب الصادق، حتى تسيد علينا أراذل الناس من الوصوليين والانتهازيين، وافترستنا الغربة حينما ضاعت في وطننا معايير التقييم والترقية، وتسلق فوق أكتافنا أصحاب الوجوه الزئبقية والمواقف الهلامية. وتسيد الأميون والفاشلون على ذوي الكفاءات وأساتذة الجامعات.

تجرعنا مرارة الغربة وآلامه، وشربنا من انهار عذاباتها منذ زمن بعيد، حتى أكلت الغربة ريع أعمارنا ولم تشبع، فطحناها بالعمل والأمل ولم تشبع، ثم سقيناها بالصبر والإيمان ولم تشبع، ورثنا عن أجدادنا الأوجاع القديمة كله، رضعناها حليبا من أثداء الرافدين، صارت عندنا اليوم جيوش من الأرامل، وأبناء لم يسمعوا شيئا عن آبائهم، في العراق أفراحنا عزاء، وليالينا هموم تتكدس فوق بعضه، نخشى أن نضحك حتى في السر، فالضحك عند معظمنا من الممنوعات، وعند بعضنا من المحرمات.

يُخيل إلينا أحيانا أننا نعيش في سيرك تنكري كبير فقدت فيه القيم، وضاعت فيه المبادئ، وانتهكت فيه المعاني والعبارات، فلم نعد نشعر إلا بالغربة في وطن لا يعطينا سوى الموت والدمار، وطن لا يشبع من آلامنا ومآسين، ولا يسمع صراخنا وعويلن، ولا يستجيب لن، فتعمق شعورنا بالغربة، حتى صارت غربتنا حقيقية، وخذلتنا الحكومات المتعثرة في تجاربها الفاشلة، وأصبح الخذلان رفيقن، وتعددت مواقف الخذلان لتعتري أنماطا جديدة من حياتنا اليومية البائسة..

اللهم آمنا في أوطانن، وأبدل سوء حال العراق بحسن حالك يا كريم يا رب. .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com