إطلالة على الترانيم والنواعي .. وأغاني الرحى العراقية ..وتسمية(كعيم) ..القسم الثاني


حامد كعيد الجبوري
hamid_gaid2000@yahoo.com

أزرتها بنقبة يمانية أنكحتها مروان أو معاويه

أصهار صدق ومهور غاليه

والجميل أن هذه الأبيات وصلت لمروان أبن الحكم فتزوج تلك الجارية بمهر كبير وحين سماع معاوية أبن أبي سفيان أنكر على مروان فعلته لأنه سبق معاوية بالزواج منها ومع ذلك فقد أرسل لها – أم الجارية – كسوة حسنة ومعونة مجزية .

ربما تتشابه الأحداث وتكرر نفسها بكل جيل وحقبة ، فهذه المرأة التي هجرها زوجها بسبب أنجابها للبنات فقط دون الذكور ، ورأت زوجها قد فارق مضجعها وآوى لضرتها منجبة الولد وأحياناً تراه يدلف لدارة ضرتها ليلاً كي لا تراه أم البنات فأطلقت مقولها بهذه الأبيات

ما لأبي حمزة لا يأتينا ويقصد البيت الذي يلنيا

ما ذنبنا لاننجب البنينا والله يوهب ما يعطينا

وما قيل عن الموروث هذا نجده بمورثنا الشعبي الغزير ويقال بأغلب أوزان الشعر الشعبي ولربما ينهى ب (الهوسة) ، والكثير يحفظ من هذه الأشعار وبخاصة أن كن أكثر من زوجة والكارثة أن كانت أحداهن تنجب البنات والأخرى تنجب الأولاد فيطفو ذلك على مايقلن لأبنائهن أو لبناتهن مناكدة واحدة للأخرى ، وهذه أم الولد ترقص ولدها فتقول له وتسمع ضرتها ماتريد ، يالويلاد يالويلاد راحو سفار البغداد

جابو رمان أمكسر وكلب العدو تفطر

وأكثر إنتشاءاً بالفرحة وإيغالاً بالشماتة تقول

(حماده) ياهوه الهاب ثريا والنجم غاب

جنجل (أحميد) لو دوه يسوه البنيه أم ألعاب

لاحظ كيف زغّرت أسم ولدها (محمد) فمرة (حماده) ومرة (أحميد) وهذا ليس للتزغير فقط وأنما للمناكدة للأخرى (الضرة) ، وليس هذا وحسب وأنما ترقص ولدها داعية له بالسلامة وترغب بموت أبنة ضرتها فتقول مرقصة ولدها

هذا أوليدي ياراعي البيت وأخذ (التيتي) لو جان منيت

وهي تشير برأسها لابنة ضرتها (التيتي) وهي أشارة لفرخ الدجاج كي تدعي أنها لا تقصد ابنة ضرتها بل تقصد فرخ الدجاج أن عوتبت لذلك

وتستطرد أم الولد لأكثر من ذلك متخيلة أن ولده هذا سيكبر ويكون مدعاة للفخر به من قبل أعمامه وأخواله فتقول

حلوله ياحلوله لعب بالولد جوله

خواله هوسوله وعمامه شوبشوله

حلوله ياحلوله

وتثور ثائرة المنجبة للبنات فتقول ،

يالبنات يالبنات عشرة وأكول أكليلات

والشافهن طك ومات

ومرة أخرى تسمع ضرتها أم الولد مرقصة أبنتها فتقول ،

هاي البت هاي البت يافرحة المتشمت

ولمن عدوا أسياكج كام المتشمت ينفت

متصورة أن أبنتها كبرت وخطبت وجلبوا مايأتون به للزوجات من مال وحلي ذهبية وملابس وتسمى عند العامة (السياك) ، ولكن هل تكتفي أم البنات بهذا أم أنه تذهب لأكثر من ذلك مسمعة أم الولد ماتكره سماعه فتقول ،

أم الوليد أشحصلت ماهي مثلنه فصلت

جابت أسياك وجملت

وتنهي مقولتها

نعلا له أبيه الجابها

مرددة لها أكثر من مرة لاعنة أم الولد المضطرة لتقديم مايسمى ب(الحك أو السياك) وأم البنت تتشرط عليها أريد كذا وأجلبي كذا ،وتستمر بحديثها مرقصة تلك الصبية بأكثر أيغالاً بالشماتة من أم الولد فتقول ،

هاي البنية أشغاليه كبه وطرمه عاليه

لتفرحين يم الولد ناخذه وتظلين خاليه

وأنت أبزويه أتكعدين وأحنه على الجربايه

و (أحنه على الجرباية) تردد ويد الأم تحت آباط أبنتها مرقصة لها، وهناك نصوص جميلة بهذا الباب (الترقيص) تحيلك للوعي الفطري للنساء وكلهن من الأميات وتكمن الغرابة في كيفية قول مثل هذه النصوص الجميلة ،مبتدأة الأم بتصغير أسم إبنتها ليتلائم عروضياً مع أبياتها التي تريد قولها ،ولنأخذ مثلاً أسم (فاطمة) فتصغره الأم كيفما تريد مبتعدة عن القواعد النحوية فتقول (أفطيمه أوفطومه) ،و (طيف ، طيوفه)

(طيوفه) يم ثوب الآل تمشي وتدش بالخلخال

كام ولحكها الرجال حط أعكاله أبركبته

ورايح لبوها دخال كال الأبو منطيها

لمن يكب (أدويسها) وأحميلها ماي الحار

يبن المحله دندار

(يبن المحله دندار) من هنا يبدأ الترقيص ويردد الشطر أكثر من مرة ،ولو لاحظنا الأشطر السابقة لوجدنا أن قسماً منها قد غادر القافية الأصلية مرددة قوافي أخرى ولكونها موزونة عروضياً فسوف لا تختلف نغمة الترقيص لدى الأم المنشدة ،ولو لاحظنا أيضاً كيف تتبعت الأم لأبنتها وأنضجتها مبكرة بدلالة (لمن يكب أدويسها) أي يكبر نهدها وتصبح أمرأة تغتسل من الطمث (أحميلها ماي الحار) ، وعليك الأن أن تتقدم لها أيها الخاطب الذي سُحر وفتن بجمال الصبية مما أستدعاه أن يضع عقاله برقبته دلالة لقبول كل شئ يراد منه من قبل والد الفتاة ، في حين نرى مقولة أم البنت لأم الولد مكرِّهة للأم بأبنها الذي ما أن يكبر ويتزوج حتى ينسى أمه ويتجه صوب مطالب زوجته وأكثر من ذلك أنه غير مكترث لوفاة أمه فتقول ،

آنه الولد شليّ بَه لمن رجع من الدفن

حطها لمريته بالحضن وصبحت بالعالي ترن

شهرين وتفك الحزن أعليه حزنه مو مجن

وربما هناك مفردات تحتاج لتفسير (شليّ بَه) : ماذا أفعل به ، (مجن) : عميق نابع من الصميم ، وأن البنت عندما ترحل الأم لا يهدأ لها بال وتبقى تندب أمها سنين طوال ، فتقول بهذا الباب ،

أشحلوه البنيه من تحن وضلوعها أعليه توّن

يوم اللي صارت سبجتي أتكثر الروايح والدهن

ويوم الرجع جنازي تسأل على الحل الجفن

يوم اللي صارت (سبجتي) دلالة للطعام الذي يوزع ثواباً لروح المتوفي يوم الثالث ويوم السابع ويوم الأربعين فنرى البنت تطلب الأكثار من الهيل والروائح لأعطاء الطعام رائحة زكية ، وكذا تسأل من أنزل أمها في لحدها وأهال عليها تراب القبر .

هناك حالة مغايرة لما رأينا أعلاه مع ملاحظة الحجة الواهية الضعيفة لأم البنات ، ولكنها مناكدة نساء لا أكثر ، والحالة المفترضة بل الواقعة حقاً أن أحدى الزوجات تنجب والأخرى لا تنجب وتسمى عند العامة (عاكر) ، فتبقى هذه منتظرة أمر السماء لتجود عليها بأي شئ صبي أو صبية متخذة من النذور والأعطيات والسحرة طريقاً للوصول لمبتغاها وهيهات ، ولو أفترضنا أن الأم المنجبة خرجت من دارها لأمر ما وتركت طفلها النائم أمانة عند ظرتها وأستيقظ ذلك الطفل بمهده باكياً فبماذا ستهدهد أبن ظرتها فتمسك بمهده مطلقة لعنان ضرتها فتقول له بعد أن تسمع صوته باكياً بمهده ، فتهز ذلك المهد وهي تقول ،

المالبط في صرتي والمارضع من درتي

ميصير بزر الناس بزري

وأحيانياً يتخاصمن المرأتان فتعيّر غير المنجبة بأنها أرض بوار لا تصلح للزرع ، أي الأنجاب ، وهنا تبرهن لضرتها أنها غير مكترثة بما تقول لأنها تبنت طفلاً من أخت لها فتههدد هذا الطفل فتقول

آنه عاكر وأختي تجيب وريت التعيرني تخيب

قلنا في صدر موضوعتنا أن الترانيم تقسم لقسمين رئيسيين ، أقل من سنتين وأكثر من سنتين ، وهناك قسم لا يمكن أعتباره قسماً ثالثاً ويلحق بالقسم الثاني – أكثر من سنتين- ولا يمكن أعتباره قسماً لمفرده ، ويستمر هذا االجزء لحين وفات الأنسان ، ومثلاً لذلك وحينما يدخل الأطفال للمدارس أن كانت موجودة ، أوعودة الطفل مع والده أوأخاه الأكبر من سفرة ما فتستقبله الأم قائلة ،

كل الهله بيهم جو وأبيتنه شعشع ضو

شميت ريح أثيابهم كلت الحبايب ردوا

وأمثلة أخرى للعائد من سفر طويل ، أو الفائز بسباق ما مع أقرانه ، أو المنتصر على خصومه ، وهي ردات خفيفة النطق يصاحبها تصفيق وترديد من آخريات أو آخرين تشبه أغاني الحصاد وتسمى عند العامة (كفلات) .

عام 1963 م أتت لمحافظة بابل عائلة مهجرة من قضاء سوق الشيوخ لأسباب سياسية ومن حسن حظي أنهم أستأجروا داراً ملاسقاً لدارنا، وأذكر أن والدهم المهجر الشيخ المهيب يذهب مساء كل يوم لمديرية الشرطة ليؤكد وجوده ببابل من خلال توقيعه أمام مأمور المركز ، وكان يدفع الرشاوي الكبيرة آنذاك ليستحصل الموافقة على الذهاب الى كربلاء المقدسة لاداء مراسم الزيارة للحسين (ع) على أن يعود فجر اليوم التالي،وشاء الله أن يتوفى هذا الرجل في الحلة وأتت عشيرته لاداء فروض الموتى وأصطحبني والدي معه لسوق الشيوخ وأدينا واجب العزاء لعشيرته ، الغريب أن زوجة المتوفى وبناتها الأثنتان بقين في الحلة بعد أن وافقت عشيرتها على ذلك ، توطدت علاقتنا بحسب الجورة مع هذه الفاضلة الغريبة التي رافقت أمي للذهاب لبيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول الأعظم (ص) ، كل هذه المقدمة لأخلص القول أنها كانت شاعرة فطرية ترتجل البيت والبيتان مستخدمة أغلب أوزان الشعر الشعبي دون زحاف يخدش ذوق المتلقي ، وحينما رزقتُ بصبية أرادت أن تخفف وقع ذلك على زوجتي التي تمنت أن تكون ولادتها الأولى ذكراً كما هو شأن النساء بذلك وأسم أبنتي (طيف) فقالت

طيف أعدال سبع أولاد بيك وجاي من بغداد

أعليها أهل اللحه تنكاد أبن أسعود وأبن أزياد

وكل أهل الأفنديه

و(كل أهل الأفندية) ترتلها بعملية ترقيص للطفلة ، والأفندي الذي يلبس الزي الحديث (قاط ورباط) ، ويشاء الله أن برزقنا ببنت أخرى أسميناها (طيب) ، فعادت كرتها هذه الشاعرة الفطرية لتقول

إلج خشم الكصير البس عليج أيلوك

وألج ركبه التشابه ركبة الغرنوك

باجر يعتني لجلج جبير السوك

نعلاله بيه الينطيها

ولو تمعنا قليلاً ل (باجر يعتني لجلج جبير السوك) للحظنا أكثر من مؤشر فيه ، مؤشر الغربة التي توكده في (نعلاله بيه) بمعنى أنها أفرغت مافي نفسها في هذا الشطر ملمحة لرغبتها لعدم تكرار مأساتها لأمرأة أخرى، ومن ثم ملاحظة الوزن الشعري الذي أختلف عن سابقه لتؤكد قدرتها بذلك رغم أنهما من بحر واحد (الهزج) فالأول يسميه الشعراء الشعبيون (البحر الطويل) والثاني يسمونه (التجليبه) ، ويشاء الله أن يرزقنا بصبي فكانت فرحة هذه الجارة رحمها الله أكثر من فرحة زوجتي به فقالت له أبياتاً أوقع مما قالته للبنتين لتعبر عن مكنون فرحتها به

جان جان جان جان (.... ) كولي شكران

كل يوم كبل الوذان وليد وعطية رحمن

أنجان نبت خاله كاعد أبصدر الديوان

وأنجان نبت جده رضت عليه العلمان

وأنجان نبت بيه رفع عمود الصيوان

بين القوسين أسم الأم يقال بالتصغير ويمكن أن ندخل أسم أي أم لذلك ، ومعنى (أنجان نبت) أي لو سؤل عن خاله فهو المتصدر بين الرجال،وأن سؤل عن جده فقد أرضى بخصاله الحميدة حتى علماء الدين، وأن سؤل عن أبيه (رفع عمود الصيوان) أي حمل على كتفيه أثقال عشيرته.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com