|
إضاءة .. مواطنون ام مستوطنون
حامد كعيد الجبوري قد أكون مبالغا أن قلت أختلط عليّ معنى المواطن والمستوطن، ولربما سأسأل لا حقا ما معناهما من المتخصصين بعلم الاجتماع او السياسة، وأن عدت قليلاً للوراء مستذكراً أيام دراستي الإعدادية أو الكلية، وأحاول جاهداً مد جسوري المعرفية بهذا الباب، لوجدت أن المواطن قد يعني ذلك الإنسان الذي يعيش ببقعة من الأرض معلومة الحدود له فيها ما للآخرين من حقوق وواجبات، وهنا أتذكر الأبيات التي قالها الشاعر صفي الدين الحلي الذي يقول بلاد ألفناها على غير رغبة وقد يؤلف الشئ الذي ليس بالحسن ونستعذب الأرض التي لا هواءها ولا ماءها عذب لكنها وطن و لك أن تتصور مدى تمسك صفي الدين الحلي ومن هو على شاكلته بأرضه والدفاع عنها، وحتى أن كانت هذه الأرض مجدبة لا تدر لأبنائها ما يقتاتون به من ماء وطعام، إلا أنها وطنهم ولا يمكنهم التخلي عنها . منتصف التسعينات وبعد أن أحكم الطوق على مواطني العراق، سواء من الداخل ممثلا بالنظام المباد، أو من الدول التي وجدت بالعراق لقمة سائغة طيعة القطاف، في هذه المعانات بدأ الأخوة من المسيح مغادرة العراق لمنافي الدنيا، وحسنا فعلوا، كان لأحد أصدقائي الأطباء صديق مسيحي غادر أقاربه العراق وظل وحيدا ببلده متمسكا بهذه الأرض التي أحب، سأله صديقي مرة قائلا له، فلان لماذا لم تغادر العراق وتلتحق بأقاربك سيما وأن الحدود مفتوحة لك إضافة لوجود قاعدة أمينة لديك من أهلك المغادرون ؟، أجابه بهدوء تام، عجيب أمرك صديقي هل تطلب فعلا مني أن أغادر معشوقي العراق، أسمع جيدا يا صديقي، حينما خلقني الله خيرني وقال لي أنظر لتحتك سترى الدنيا بأسرها فأختر أين تريد أن أنزلك فيها، قلت له يا رب أنت أعرف بها فضعني حيث تشاء، أجابه الرب بأني سأختار لك العراق، قلت للرب لماذا هذا الاختيار، أجابني الرب قائلاً أسمع يا فلان ودقق معي أنظر ستجد جبالاً شاهقة يعلوها الجليد، وستجد أرضا خضراء مكسوة بالزرع، وستجد صحراء واسعة، ثم لا حظ معي جيدا ستجد نهرين جاريين بالحياة، وستجد في باطن هذه الأرض من الخيرات ما لا يحصى، ثم جعلت لهذا البلد أربعة فصول، وهذا يعني تعدد أنواع المزروعات، ثم أن كل شئ هنا بحساب دقيق، ثم تريدني أن أغادر ما منحنيه الرب هذا جهل منك صديقي، يقول صديقي أقنعني بهذا الحديث عن ربه وعن وطنه المختار له، بعد مضي أكثر من سنة على هذه الحادثة وأنا وصديقي المسيحي على اتصال شبه يومي، أحد الليالي أتصل الصديق المسيحي – البغدادي السكن - بصديقه الحلي قائلا له أنه ضجر جدا من الوحدة القاتلة والبعد عن الأهل والأحبة وقال له مخاطبا بأنه سيحضر للحلة الآن، قلت له أن الفصل شتاء والساعة قاربت العاشرة أنتظر ليوم غد، أجابه أنه عازم على القدوم فهئ مائدتك يا صديقي، يقول صاحبي الطريق من الحلة لبغداد لا يتعدى الساعة والربع في أشد حالاته لكن صاحبي تأخر كثيرا بالقدوم حتى تجاوزت الثانية عشر ليلا، أتصلت على هاتفه الأرضي – اذ لا سواه آنذاك – ولم يجبني أحد، قلت بنفسي لربما أفرط بالشرب وأخذته نومة هانئة لذا تأخر عن موعد قدومه، في الصباح الباكر أتصلت به فوجدت من يرد علي معلنا أن صاحبي قد أصيب بحادث سيارة وهو ذاهب لصديقه بالحلة الفيحاء، قلت لهم أنا صاحبه فهل هو بخير، جاءتني الصاعقة بأنه قد غادر الحياة وأن معارفه في بغداد يجرون معاملة أستلام جثته من الطب العدلي في المحمودية، وصلت لبغداد كما يقول صاحبي وأودعناه مثواه الأخير . من هذه الحادثة التي أوردتها لأبين مدى تمسك العراقيون بأرضهم لأنهم مواطنون ومواطنون من الدرجة الأولى مع سابق التأكيد والدعم لعراقية المواطن، الآن وبعد التغيير الذي يفترض أن يجذّر عراقية المواطن أجد ومتحدثا عن نفسي – على أقل تقدير - أني لا أملك هذه المواطنة التي كنت أملكها سابقاً، في عهد الدكتاتورية البغيضة كنت أمني نفسي كمواطن له حق العيش بهذه البقعة التي أحب وأدافع عنها لأصل بآخر المطاف لمستوى المواطنة التي أبغي، إلا أن الحال الذي نعيشه الآن سواء قصد به أم لم يقصد، أجد نفسي دخيلا على هذا الوطن المستباح، ولو قدر لي الحصول على مكان آخر أعيش به آمنا لاستبدلته كما أستبدل ملا بسي الداخلية، وأعتقد أن الفرق قد أتضح بين المواطن والمستوطن، للإضاءة ....... فقط .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |