|
ثورة كولان التحررية ومنعطفها التاريخي
عبد الرحمن آلوجي في الذكرى الرابعة والثلاثين لثورة كولان التحررية لابد من وقفة جديدة على منعطفها ودلالتها التاريخية، ولا بد من قراءة حقيقية لدورها وتأثيرها ، وامتداد هذا الدور ، ليوصل حلقات الحياة ، ويواكب تطور الوقائع والأحداث التالية ، وتعقد حلقات السلسلة وترابطها ، واندماج الأحداث بما يشكل ملامح المشهد العراقي والكردستاني وآفاق وتلاوين اللوحة . إن القراءة الجديدة تستوجب مراجعة اللوحة العراقية والكردستانية النابضة بالحياة على الرغم مما يعتورها من تعقيدات وتناقضات ، وحراك سياسي واجتماعي واقتصادي متعدد الأوجه والجوانب ، وما يطرحه ذلك من تساؤلات حول المنتج السياسي خلال حقبة تاريخية هامة من تاريخ العراق بخاصة والمنطقة بشكل أعم ، وبشكل يلفت الأنظار ، ما نجده من حدث مثير ومتحرك ، - وعلى المستوى الدولي – بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتي هزت وحركت وأثارت كل ركود ، وبعثت في الموات والهمود ما كان من رقدة وخمول ، ليستيقظ العالم على أحداث في الشرق الوسط عامة وفي العراق بالأخص ، كانت من المذهل ومن المثير للجدل ، ولمسالة تداخل القوى والمصالح ، وضرورة إدراك وحدة المصير الإنساني ، مهما حاولت الأنظمة والحكومة تجريب النزعة الفردية ، والنأي بأنفسها عن المحيط المحرك للحدث من المحيط إلى المحيط ، والتداخل الحتمي لمصالح الأمم والشعوب و ما تتطلبه بجدية بالغة القضايا الدولية والإقليمية الملحة والمشتركة ، ووحدة الأمن والرفاه والازدهار العالمي ، وكذلك وحدة شقوة البشرية ومعاناتها ، مما يفترض نظرة دولية وإقليمية جديدة ، وتحالفات وصيغا ومعاهدات لها ملامح خاصة و وأولويات مستجدة و ومؤثرة على مجمل الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي ،ليدخل العراق المعادلة بوضوح ، بعد أن سقط نظام طالبان ، وامتدت الذراع الدولية الضاربة لإسقاط النظام العراقي ، وثورة كولان وتجربتها الإقليمية الفتية و تنعم بثمرات نضال الأبطال في ثورة أيلول ، وآثارها وقواعدها ونهجها و وهي تختط لنهج كان البارزاني الخالد يضع قواعده وطنيا وقوميا ،من خلال رؤية إنسانية واضحة المعالم والصوى والشارات ،فقد كانت ثورة كولان امتدادا تاريخيا حقيقيا لثورة أيلول المجيدة ، ومولودا بارا خرج من رحمها بقوة ومعافاة، لتترجم – وبشكل ميداني – قواعد عمل سياسي عراقي وطني ، وقومي كردستاني فاعل ، يرقى إلى رؤية جديدة تجلت في طرح الديمقراطية والمجتمع التعددي الفيدرالي ، وتبني المصالحة العراقية نهجا وفكرا ، والسعي بكل قوة لبناء عراق توافقي جديد ، يحمل ملامح وأطياف المجتمع التعددي بكل وضوح وقوة ، ويسعى لإشادة صرح جديد ، تتناغم فيه العملية السياسية ، بالاحتكام إلى لغة الحوار العقلاني الهادئ ، واعتماد قواعد دستور جديد مستفتى عليه، وإعادة النظر في جملة التراكمات والأخطاء ، لبناء تصور ينسجم مع التوجه إلى إشراك كل المكونات والنسج والأطراف والآراء والاتجاهات في العراق ، لبناء عالم مستجد ومتكافل ومتعاضد متآخ ، بعيد عن منطق القسر والعنف والاحتكام إلى القوة الغاشمة والتسلط المرعب . لقد عبرت ثورة كولان عن نفسها من خلال تجربة ديمقراطية حديثة العهد في محيط اتسم بالقلاقل والحروب الداخلية والخارجية ، وبنمط دكتاتوري فريد ، وبسحق لكل التوجهات والقيم والمعايير ، وقهر إرادة الإنسان ، حتى إذا كان سقوط النظام ، برز دور بنائي فاعل وجديد لقادة الثورة ، فخاضوا العملية السياسية والتصالحية ومحاولة بناء عراق جديد ، بجدية وجدارة واقتدار ، مما عزز الرؤية إلى معايير الثورة وقيمها ، وصحة نهجها ، وعمق علاقاتها الإنسانية و وسمو ارتقائها غلى مصلحة عليا للعراق بمختلف أنماطه ونماذجه وطيوفه ، ليظهر عمق تلاحمه ، وصواب تصوره ، ودقة طرحه ، قبل أن يجد سبيله إلى التطبيق بعقود ، مما يؤكد براعة النهج وصواب القواعد والأسس والمنطلقات التي أرستها ثورة أيلول وقائدها العظيم بما أوتي من رؤية إنسانية و وجمال وروعة في الطرح و ودعوة عريضة إلى التعايش بعدل وتكافؤ ومساواة ، واحترام بالغ لخصوصية الإنسان وتراثه وفكره الرسالي في الحياة ، في رؤية حركية منقطعة النظير، تجلى في تواصل قادة ثورة كولان في عملية اقتدارية رائدة شهد لهم العراقيون والسياسيون المنصفون ، وبخاصة في النفس الهادئ والمديد في غدارة خلافات الإقليم والمركز ، ولجم اي توجه تصعيدي ، بامتلاك الصبر على المماطلة والمكاره ، وتحدي مواد الدستور والتلكؤ في تنفيذ بنوده ، ومواجهة كل ذلك بمنطق حواري تصالحي بناء ، مما دفع أمين عام الجامعة العربية السيد عمرو موسى إلى اعتبار الكورد جزءا من الحل في العراق وليسوا جزءا من المشكلة . إن القراءة المنصفة والحقيقية لثورة كولان وتراثها وتوجه قادتها ، وبخاصة الرئيس المناضل " كاك مسعود البارزاني " بعد عقود من العمل السياسي والعسكري و تفرض جدارتها ، وقدرتها على القيادة والبناء ، والمحافظة على أمن وازدهار الإقليم ، وقدرتها في دخول العملية السياسية في العراق بجدارة وقوة ، رغم ما يشوب تاريخ الثورات والحركات التحررية من عثرات ونكبات وتحديات لابد منها لصقلها ، وتهذيب معطياتها ، لتبقى – وهي تستلهم من تجاربها – علما شامخا كردستانيا وعراقيا ، متفاعلة مع كل حدث بإيجابية ورؤية خيرة ، وقدرة على إدراك المعضلات ، وفهم مقومات التحدي السياسي ، والبصر بالعواقب ، والاستعداد الدائم للانعطاف إلى كل ما هو ثابت ومستقر وملهم من القيم الوطنية والقومية والإنسانية والبذل لعراق جديد ومبدع ومتواصل مع معايير الحق والعدل .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |