من تاريخ الطبقةالعمالية المينائية .. لعيبي منصور الشميلاوي أنموذجا

 

كاظم فنجان الحمامي

kfinjan@yahoo.co.uk

في بداية أي حديث عن تاريخ الطبقة العمالية في الموانئ العراقية, تتبادر إلى الذهن مجموعة من التساؤلات فيما يخص أساليب الشحن البدائية, التي كانت سائدة في منتصف وبدايات القرن الماضي, وهي الفترة التي كانت فيها الموانئ العراقية واقعة برمتها تحت سيطرة المصالح البريطانية, وبخاصة في الفترة بين عام 1919 وعام 1940, وكانت الفرق العاملة في مجالات الشحن والتفريغ تستنزف طاقاتها الجسدية في الظروف الجوية القاسية, حيث يجري نقل البضائع المصدرة والمستوردة على ظهور العمال الفقراء, وأبدانهم العارية التي أنهكتها السياقات الإدارية التعسفية, كان لعيبي منصور حسين الشميلاوي من بين العمال الكادحين الذين استطاعوا أن يتحملوا عبء الأعمال المينائية الثقيلة, فاستطاع بفطنته ونباهته أن يصبح في العام 1932 رئيسا لمجموعة عمالية مؤلفة من أبناء القرى والأرياف, الذين كانوا يعملون في الأرصفة بملابسهم القروية البالية. وكان عنوان وظيفته المدون في هويته الأولى الصادرة عام 1932 والمثبت في هويته الثانية الصادرة في العام 1941 هو (تنديل حماميل), والتنديل مفردة هندية تعني رئيس زمرة العمل, اما (حماميل) فهي كلمة عراقية دارجة, تعني (حمالين).

ثم نضجت الطبقة المينائية العاملة بعد ثورة الرابع عشر من تموز 1958, وحققت قفزات نوعية هائلة في الفترة التي تحولت فيها الموانئ إلى مؤسسة وطنية عملاقة يديرها ويشرف عليها اللواء الركن مزهر الشاوي, وهو الرجل الذي ازدهرت في زمنه الموانئ العراقية, ونمت نموا مضطردا حتى بلغت أوج عظمتها في عام 1962 حينما تبوأت المركز الأول بين الموانئ البحرية العالمية, وأثبتت جدارتها في تقديم أسرع التسهيلات وأفضل الخدمات للسفن التجارية الوافدة وخطوط الشحن البحري, وهو أيضا العام الذي صار فيه لعيبي منصور عضوا نقابيا بارزا, ومشرفا عماليا على نشاطات الشحن والتفريغ, واستطاع أن يوظف خبراته الميدانية الطويلة في تحسين الظروف العمالية وبالاتجاه الذي يضع الموانئ العراقية على المسارات العالمية الحديثة المعاصرة للتطورات التي شهدتها الموانئ الأوربية المتقدمة آنذاك,

كان رحمه الله مثالا للأب الحنون, ومثالا للزوج المخلـص، ومثالا للرجل الشرقي الشريف الذي يحمل كل معاني الرجولة والشهامة، وكان معروفا بمشاعره الوطنية الصادقة, عقد العزم في أربعينيات القرن الماضي على الذهاب إلى فلسطين لمشاركة أشقائه (إبراهيم وكريم) في القتال والتصدي للعصابات الصهيونية, التي تزايدت أعدادها وقتذاك, لكنه لم يستطع اللحاق بهما بسبب تعرضه للاعتقال والمكوث وراء قضبان السجن عقابا له على تطلعاته الوطنية التحررية.

رحل عنا لعيبي منصور منذ زمن بعيد, وتدهور مستوى أداء موانئنا, وتردت ظروفها العمالية إلى الصفر خلال الحروب المدمرة التي عصفت بالعراق من شماله إلى جنوبه. اما ميناء المعقل الذي كان ملعبا للعيبي وفريقه المبدع فقد هجرته السفن العملاقة, وصار اليوم يتعامل مع السفن الساحلية الصغيرة المتعبة, التي لا يزيد عددها على أصابع اليد الواحدة, وانطوت تلك الصفحات الذهبية المشرقة. وغاصت في أعماق شط العرب. .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com