|
موازين وضوابط العمل السياسي
عبد الرحمن آلوجي لا يمكن تصور عمل سياسي لا تحكمه مجموعة من المعايير والضوابط، ولا تحيط به وتدفعه مجموعة من الموازين التي تحدد أفقه، وتصنف برامجه وتوجهاته سنن وقواعد تحكم في الواقع، ومن خلال تطبيقاتها على مدى نجاح هذه العملية وتلك، ومدى اقترابها وابتعادها من المعايير والضوابط المطلوبة لعمل سلس وناجح وآخر متعثر وبعيد عن الطموح والرؤية المتوازنة والمحققة لقدر من المصلحة العليا المطلوبة لمجتمع يسعى إلى النهوض والارتقاء، وتجاوز العقبات والعراقيل في ترتيبات الداخل والخارج وتحدياتهما وطموحهما، ومآل منهجية العمل السياسي وبرامجه المطروحة وآفاق العمل فيه . ولا يمكن قياس نجاح هذه التجربة وتلك, بما لدى هذا الكيان المنظم الذي يؤثر في قيادة المجتمع وهياكله التنظيمية والقانونية والإدارية والتشريعية من تشكيلات سياسية واجتماعية وقضائية، وما تحتويه من مواد ودساتير، ونظم وتشريعات, ترقى إلى كم هائل من التشكيلات الحديثة، والاجتهادات القانونية وضوابط في العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بل لا يمكن أن يعد ذلك مقياساً تنضبط به موازين العمل السياسي الموجه، ما لم يستند إلى واقعية ملموسة في كيان المجتمع، يحرك كوامنه ويضبط نزعاته، ويخفف من غلواء القائمين على إدارة برامجه التنموية، وخططه ومشاريعه والإجراءات والنظم الموجهة، هذه الواقعية التي يمكن الوقوف من ورائها على مدى جوهرية التوجه وجدية التنفيذ، وحيوية التحرك المنظم إلى الارتقاء إلى موقف حقيقي يترجم التوجه القيمي والأخلاقي بحيث يمس شغاف الضمير ويتعمق المنهج المنضبط والمتوغل في أعماق الأفراد والجماعات، عبر سلسلة طويلة من التربية والإعداد، لإحداث نقلة حقيقية، تشكل معياراً ضابطاً، يحفظ للتشكيلات والقوانين إجراءاتها العادلة، في طابع رقابة ذاتية، تتمحور من خلال عملية إعداد طويلة للطاقة المشكلة والمبدعة لعمل إجرائي من شأنه تنفيذ الضوابط والمعايير التي ترقى إلى العدالة وتكافؤ الفرص والمساواة، وتبعد العضوالناشئ في الجماعة وتشكيلاتها عن شبح الاستزلام والفوضى والتبعية والإقصاء والتغريب والتهميش، والتمييز والقمع والملاحقة، مما لا يجدي نفعاً إزاء ما ينبغي أن يتسلح به هذا المنخرط في الكيان الجمعي المنظم، سواء كان هيئة وكياناً وفرداً، لتكون قيم الضوابط والموازيين مقرونة إلى ما وراءها من تلازم بين الوازع الداخلي، والرقابة الذاتية، وقوة التنفيذ، وما تتبعها من إجراءات تحيط بالعملية السياسية والاجتماعية . إن التشكيلات التنظيمية والإجراءات القانونية وفقه الدستور، وما يحط بها من مكتبات حافلة بكتب الحقوق والفقه والكم الهائل من التنظيرات، والمناهج والثقافة القانونية والاجتماعية، لا يمكن أن تنجح أي عمل سياسي وتشكيلة إدارية وتشريعية، ما لم يستند إلى مركوز حاشد من الإعداد والبناء والتحضير لمجموعة من القيم والضوابط والموازيين الحافظة من الضياع، والانزلاق إلى الخروج من الإطار المنظم، وتنفيذ الخطط والبرامج الموضوعة بعناية، ما لم يمتلك الفرد والكيان العام من مقومات تهذب الضمير الاجتماعي وترقى به، وتسلس قياده، بحيث يغدوكل فرد منضبطا في محيطه لاجتماعي، وحلاقاته المتداخلة، ساعيا لإنجاح تجربة البناء والازدهار، في ظل تحقيق متوازن للعدل والتكافؤ بين الحقوق والواجبات، وقيم المواطنة المعتبرة، والمعبرة عن ذاتها بشكل سلس، يستند إلى مقاييس لا يمكن تحققها مع الضغط والإكراه، بقدر ما يكون الاندفاع العفوي والرغبة الداخلية المحضة منطقة أمان لتنفيذ وبرمجة وتوجيه الإجراءات والقيم والمعايير المنبثقة من مصلحة الجماعة وأخلاقياتها وقيمها الرفيعة في الازدهار والتطور ومواكبة المد الحضاري، وهوما ينبغي أن يتحقق في أي مجتمع ينشد الأمن والسلام والرفاه لمواطنيه دون تمييز في لون وعرق وطيف وانتماء وتوجه فكري وسياسي، ليحقق التوازن المطلوب، وضبطا إيقاعيا لسلاسة عمل سياسي واع ومدرك لخصائص المرحلة وآفاقها. والعمل السياسي والاجتماعي في سوريا يستلزم جهدا كبيرا للاقتراب من التوازن المطلوب بين إحداث النقلة، وتحقيق التغيير وإرادة العمل في تجنب أي ممارسة في الشطب والإلغاء والتمييز، بإتجاه تعزيز قيم مواطنة حرة، تتجه إلى ترسيخ قواعد عمل جمعي ينطلق من رقابة ذاتية، لا تستعصي على الحل من خلال مراجعة أمينة وضوابط وموازيين للعمل السياسي، ترتب الداخل، وتسعى إلى ردم الهوة وتخفيف التراكمات والاحتقانات، وإتاحة الفرصة لحياة متجددة، تنتفي منها كل أشكال التمييز والإكراه والقسر والتنكر، باتجاه إغناء الجانب المجتمعي بتشكيلاته وأوضاعه ومقاييسه لإقرار مقدمات وضوابط عمل سياسي واجتماعي مثمر، لا يمكن إلا بعد مثابرة في إعداد طويل وتهيؤ لبناء أرضية وقواعد جديدة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |