|
قوة الردع في الوازع الداخلي للعمل السياسي!! عبد الرحمن آلوجي إن من طبيعة العمل السياسي أن يلعب دورا هاما ومؤثرا في الحياة بمختلف أركانها ومقوماتها وصعدها، لما لهذا العمل من دور ريادي وإرادي ومنهجي وتوجيهي هام، كما أن له قوة حركة ودفع من شأنها أن تحيط بقطاع واسع تخطيطا وبرمجة وإدارة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية وبلورة الرؤى والمواقف، وحشد الطاقات، ووضع الإمكانات في مسارها، ورسم الأطر الهامة في الخطط والبرامج الموضوعة، سواء كان هذا العمل في الظل أم في دائرة الضوء، أم كان متحققا في كيان إداري ومؤسساتي, يقود المجتمع ونظامه السياسي، ويوجه دفته إلى الوجهة التي يرتئيها، أم كان في طابع متحرك، وكيان يسعى لأخذ دوره في زمام المبادرة في حكومات الظل والمعارضات، والنشاطات المعلنة وغير المعلنة، والانطلاق إلى التأسيس وبلورة اتجاه محدد، يكون له من الأثر في توجيه طاقة جماهيرية ونخبوية وكليهما معا، ووفق درجة وقوة ودائرة التأثير المراد إحداثه، والنقلة المفترضة في هذا العمل الهام والخطير في المجتمع، واتجاهاته، وانتحائه درجة ما من الاستقرار والأمن الداخلي، وهوما يجعلنا نفكر جديا في المهمة المطلوبة مرحليا واستراتيجيا، في رؤية العمل السياسي وحجمه، ومدى أخذه بعده المطلوب في تلبية أغراض وأهداف وحاجات المحيط الذي يتحرك من خلاله، ويتحرى قيمه وموازينه ومواضعاته وموافقاته وأساليب حياته المتوخاة والمتوقعة، والأخرى المخطط لها، ومدى الدقة في الوصول إلى رؤية دقيقة لكل ذلك، دون اعتساف وتردد وتسرع, ووفق معايير ومرتكزات وقوى أتيح لها – بعد جهد سياسي وتنظيمي وتعبوي مديد – أن تحرك قطاعا وقطاعات من المساحة الجماهيرية في الساحة الوطنية، بتفاوت في القدرة والتأثير في مجتمع تحددت توجهاته ومنطلقاته وآفاق رؤيته السياسية، أم لا زالت في طور التكون ، ومدى حجم ودور كل قطاع من فطاعات المجتمع المراد التأثير عليه وتنازع قيادته وتوجيهه، وحركة وفعل كل فئة وشريحة، وكل لون وطيف واتجاه، حول ما يراد له، وما يعزم عليه، وما يراد به . والذي يطرح بقوة وعمق في الممارسة السياسية بأشكالها وأساليبها وطرقها ومناهجها، في حالتي الحكم والمعارضة، والتكوين والاستقرار الإداري والسياسي والتنظيمي، والآخر المرشح في الظل للقيادة والتوجيه والانطلاق لمديات من التأثير، هذا الذي يطرح بوضوح وقوة هوما مدى عمق الردع الداخلي والوازع الذاتي في السلوك والممارسة، وومدى ترسخ الضمير الحي المتأصل في رؤية السياسي – مجردا من ميوله وعواطفه المسبقة والمباشرة -، تجاه مجموعة من القيم والمفاهيم والموازين التي تحكم وتحرك السلوك وتوجه الهدف، وتبرمج للطموح المشروع، وتخطط له،وتترجمه إلى الواقع؟؟!، كل ذلك في غيبة الرقيب والمحاسب والحاكم الخارجي, الضاغط على الممارس وتصرفه المرجو, والمنتظر في ضوء منظومة الأفكار والتوجهات والقيم ؟!، وما مدى توغل هذا الوازع كقوة رادعة من أي انحراف واضطراب وتململ، في الممارسة الحياتية العريضة واليومية المباشرة، وما مدى قدرة هذه الطاقة في ردع كل بادرة من شأنها أن تبعده عن المسار القويم، وتخرق نطاق الهدف المرسوم والمنهجية الموضوعة, دون مغالاة ودون طرح ذلك في طابع أماني وتمنيات مثالية وغير واقعية؟!، وما مدى وثوق الممارس السياسي من سلوكه وتصرفه في تصديه لحياة الناس ومقدراتهم ومصائرهم، وتوجيه دفة اقتصادهم ومعاشهم، في حركة المجتمع الدائبة وغير المتوقفة، والسائرة نحوطموحاتها وأهدافها المأمولة ؟؟! . أسئلة هامة تطرح نفسها على الممارس وهومنخرط في عملية سياسية ارتضاها لنفسه، وتصدى بكليته فكرا وسلوكا لتجربة هي من أعقد وأهم وأكثر التجارب عرضة للمراقبة والنقد!!، وعليه أن يدرك أن إتيانه كل عمل من شأنه أن يكون تحت المجهر الكاشف، وان ليس ثمة ما يخفى، سواء كان الممارس قادرا وقامعا وقاهرا، وكان يعاني مخاض التجربة في الظل والمعارضة، ليأتي سلوكه محكوما برقابة صارمة وروادع داخلية عميقة، إن كان الوازع الداخلي حيا ومتحركا، وقوي الردع والفاعلية، وخارجيا ضاغطا،سواء كان صامتا مدحورا، أم ناطقا قوي النبر واضح الصوت ..ولا يتأتى الوازع الداخلي النازع إلى رقابة حقيقية، تحكم السلوك وتوجه التصرف، وتقوده بهزة داخلية رادعة،لا يكاد هذا الوازع يتأتى بجرة قلم، بل من خلال تربية طويلة ومضنية وشاقة في حلقات محيطه الاجتماعي بدءا من الأسرة والمدرسة والمنظمة وانتهاء بتفاعله مع محيطه العام، ومجتمعه وعلاقاته الواسعة في كل ذلك، وما يتركه كل ذلك من أثر يخضع له المراقب داخليا، وهويخرج من صقال مبادئه، وتهذيب صارم ومديد لعقيدة نضالية وفهم فكري وقيمي عميق، وصهر لإرادته في مختبر حياتي فيه الكثير من الخض والتمحيص والابتلاء، وصقل القدرات، وعرضها على كوامنه وأعماقه، ليخرج من ذلك وهويستعد- بما ملك من قدرة وطاقة، وإقبال على الحياة، وامتحان لإرادته الخيرة- لخوض هذه التجربة الفريدة، مسندا إلى نفسه مهمة كبرى، فيها من الشقوة والمكابدة والعنت، ما فيها من السعادة والفلاح وراحة الضمير أيضا، لتغدوعملية محاسبة النفس وردعها، من خلال الوازع الداخلي قوة لجم وردع من خوض غمار الشهوات وركوب متن الوصولية والارتشاء والانتهازية والتهالك على المناصب ، والنيل من الآخرين ما يجعله في حالة من البؤس والتردي والانهيار ولوك كل أنواع الهزيمة الداخلية، في غياب الرقابة الثمينة والوازع الخير، والدفقة العامرة بالحياة والأمل في تحقيق طموح الناس، في راحة ضمير يقظ، وسلاسة عمل، يمكن أن تشكل الرقابة الخارجية قوة ردع ضاغطة، ولكنها لا تكاد تمثل جزءا يسيرا من الرقابة الداخلية النشطة في الأعماق، وهي تحاسب وترتب وتوجه توجيها رائدا وقادرا, وعظيم الدلالة، في حين يمكن لمن لا يملك هذه النفحة السامية أن يتملص ويتخفى من كل رقابة خارجية، ليقع ضحية غرائزه وأطماعه وهواه القاتل، فيعبث ويسيء ويزرع الفساد، وينهب ويظلم ويقمع ويجور, وينكث بالعهود والمواثيق، ويختلس ويرتشي، يأتي الفواحش, ويبطر ويتجاوز كل حد، ليتحمل في كل ذلك أعباء أخطائه وانحرافاته المشينة، في حين ينعم الآخر- وهويمارس عمله السياسي- براحة منقطعة النظير في ضميره لعلمه بما يكنه ويخفيه ويظهره، فيحقق نتائج حاسمة ومبدعة وخيرا سابغا، في ظل وازع داخلي مؤثر ورادع، وفي اقتراب كبير من أهداف وطموحات شعبه، ورفاهه وازدهار حياته، وهومن شأنه أن يرسم خطا عريضا في الخارطة السياسية في كل مكان ليخرج من إطار الفكر والنظرة السياسية المجردة إلى واقع عملي، يحمل في طياته نسخا كثيرة، بل آلاف الأمثال الحية في محيطنا السياسي في سوريا عامة والحركة الكردية, بحيث تنطق النماذج السياسية بما توحي هذه النظرة وتحددها من سلوك وممارسات، وشخوص حية تتحرك على أرض، ولا تكاد تخفي رؤوسها في الرمال، لأن الكثير منها مكشوفة بما تأتي وتدع من حركة ونشاط وقول وفعل, وهوالمقصود والمطلوب في وقفة جادة وهادفة ومسؤولة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |