طفولة عراقية منكوبة .. في يوم الطفولة العالمي

 

زاهر الزبيدي

zaherflaih@yahoo.com

 1 / حزيران / 2010 يوم الطفولة العالمي .. الساعة السادسة صباحاً إلا ربعاً ، في أحد أزقة بغداد ، عربة بعجلتين يجرها حماراً ، يركبها طفلان أحدهما بعمر الستة سنوات وأخيه ذي الثلاثة . يطوفان في الزقاق ليجمعا النفايات ويبحثا عن طعام فطورهما بعد أن طال الليل عليهم.. بملابس لم يخلعانها منذ فترة طويلة .. ألاحظ أن رقبته التي أصبحت سوداء وكأنه لم يستحم منذ فترة طويلة هي ليست من العيد الماضي لكونه لا يعرف العيد .

كانت عيناه تشعان بالفرح عندما أعطيه تفاحة ومبلغ من المال يعادل قيمة رغيف واحد وينطلق ليبحث في القمامة عن علب المشروبات المعدنية عسى أن يفوز اليوم بوزن كبير منها  ويبقى يدور ويدور حتى ترتقي الشمس الى عنان السماء وتبدأ بأرسال أشعتها القوية في نهار بغداد على رأسه ورأس أخيه الصغير الذي يغطيه بقطعة من قماش الأكياس التي تستخدم في تعبئة الطحين .

عند الظهيرة لا توجد مائدة بأنتظاره فمائدته هي الشارع بذاته ليبحث عن أقرب محل لبيع الفطائر مع علبة واحدة من المشروبات الرخيصة يقتسماها ويلعقان أصابعهما ولم ينسيا نصيب الحمار ! لتنتهي تلك الوجبة ويستمر دورانهما وينتهي عند الغروب موعد العودة الى كوخهما المظلم ليرتميا كالموتى على فراش من قطن مصفر ربما عثرا عليه في مكب قريب للنفايات فهو أحد فرش موتانا التي نشمئز منها فنرميها خوفاَ من أن يكون الموت لازال معلقاً فيها .. لا فضائيات ولا أفلاماً للرسوم المتحركة ولا عشاءاً يرضي معدتيهما الصغيرتين ولا حلوى ولا آيس كريم ولا حماماً دافئاً ولا منشفة مرسوم عليها قطاً جميلاً أو شعاراً لناد ما ولا جهاز تبريد ولا فاكهة ولا حتى أحلام على الرغم من كونها تأتي بلا مقابل .. والظاهر أن الأحلام لا تأتي لأمثالهم من أطفال العراق ..

سنتان مرت عندما أخذت المنية روح والدهما.. الصغير لا يعبأ بالأمر بتاتاً فهو لم يره ولم يعتد على الحنان ليفتقده .. أما الكبير فلا زالت ذاكرته غضة مشبعة بذكرى ذلك الرجل الذي كان يصطحبه يوماً للملعب الترابي القريب من كوخهما أو ليأخذه عندما يحلق الرجال حول مختار المحلة ليتسامروا .. وقبلة في صباح بهيّ قديم طبعت على جبينه .. هي كل ما يتذكر .. وقبل أن تسدل أجفانه الستار يرمق أخيه الصغير .. ودمعة ما تحفر على خده خطاً رقيقاً لتسقط معلنة عن نقطة صفراء جديدة على وسادته .. وسادة الموتى ...

وكل عام وأطفال العالم والعراق وأيتامه بألف خير وبركة .

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com