|
عقرباء البصرة
البصرة جارة الكويت وعروس أقطار الخليج،مساحتها اكبر من مساحة الكويت،ونفوسها ثلاثة أضعاف الكويت،وفيها من النفط ما يزيد على نفط الكويت،لكن طاقة البصرة الكهربائية اقل بكثير من طاقة اصغر قرية من قرى الكويت،والبصرة اكبر من مملكة البحرين بأكثر من سبعة وعشرين مرة،وأكبر من مساحة المنامة عاصمة البحرين بستة وسبعين مرة،أي أكبر منها بعدد سنوات دورة المذنب هالي. لكنها تفتقر إلى ربع كهرباء المنامة. والبصرة ثاني أغنى محافظة في العالم،ويأتي ترتيبها بعد محافظة ميسان التي تعد أغنى محافظات كوكب الأرض وأفقرها من دون منافس،والبصرة هي المحافظة العراقية الوحيدة المطلة على بحار الله الواسعة،وهي المحافظة الوحيدة التي تحاذي ثلاث دول (السعودية،وإيران،والكويت). وهي الولاية التي كانت حتى عام 1916 تبسط نفوذها من مضيق هرمز جنوبا إلى مدينة الكوت شمال،ومن بادية ابها والهفوف غربا إلى الأحواز وهور الدورق شرق، لكنها تقلصت وانكمشت وتقوقعت وتمزقت وتبعثرت،وخرجت من رحمها دويلات وإمارات مجلس التعاون الخليجي كله،بعمليات قيصرية أجراها له،في ظروف غامضة،الدكتور (سايكس) وتابعه (بيكو) في عيادة المومس العجوز،ثم حلت بأرض البصرة الويلات والنكبات،ونزلت عليها الصواعق والنازلات،وصارت مسرحا حربيا متفجرا بالبراكين والحمم. هنا دارت معارك شرق البصرة،وهنا اندلعت متوالية معارك نهر جاسم،وزلازل كشك البصري،وهزات محور الزريجي،وغارات بحيرة الأسماك،وكوارث الطاهري وجسر حالوب،ومواجهات أم الرصاص،ومعارك تحرير الفاو،ثم انحرفت مسارات معارك البصرة باتجاه حفر الباطن،وقفزت نحو قاعدة الجليعة،وتدحرجت الى الخفجي،ثم تقهقرت بعدها نحو أطراف باديتها الجنوبية،وتمحورت في خضر الماي،وخرانج،واللحيس،والطوبة والنخيلة،فانفتحت بوابات الكويت ومنافذ السيلية لجرذان الصحراء وضباع البراري وخفافيش الليل لتشن غاراتها على الزبير والمعقل والعشار والقرنة وأبي الخصيب،وانفتحت بوابات الكويت مرة أخرى للعقارب الاستباحية والتماسيح القذرة،واشتركت معها قاعدة السيلية والمطارات العربية البعيدة،التي وضعت هذه المرة في خدمة جيوش الغزاة والسفلة،وكانت أم قصر في طليعة المدن الشريفة المقاتلة،ففقدنا أهلنا والأقرباء،وشح علينا الماء والغذاء والدواء،وخذلتنا الكهرباء العقرباء. في البصرة ننهض صباح كل يوم لنمارس طقوس رياضة الحرمان،نهرع إلى محطات الوقود لنتزود بالبنزين والمحروقات اللازمة لتشغيل مولدات الطاقة المنزلية،التي تمثل عندنا الخط الاحتياطي الأول،اما الخط الاحتياطي الثاني،فهو خط الاشتراك بمولدات الأحياء السكنية المملوكة للقطاع الخاص،ندفع تكاليفها من مدخراتنا المالية المتواضعة،وتحسب الكلفة على عدد الأمبيرات المسحوبة،التي ارتفعت أسعارها إلى 15 ألف دينار تدفع شهريا مقابل كل أمبير ليلي،ونستعين في بعض الأحياء الراقية بالنضائد والمتسعات والخلايا الشمسية على قدر أهل العزم،بينما يستعين المسئولون وأصحاب النفوذ المالي والسياسي والإداري بمولدات خرساء صماء لا صوت له،وبقدرات كهربائية قادرة على تشغيل أجهزة التكييف الجبارة،التي تنقلهم برمشة عين إلى القارة القطبية المنجمدة،فهنيئا لأصحاب النعيم نعيمهم وللبائس المسكين ما يتجرعا. اما خطوط وأسلاك محطات التوليد الوطنية العامة،فلم يعد لها أي تأثير مباشر في حياتن،بسبب غيابها الطويل وانقطاعها العشوائي،ومازلنا في أمس الحاجة إلى 2000 ميغاواط،ونتطلع إلى عودتها إلينا واستقرارها في ديارنا بشغف كبير. يقال إننا نتلقى الآن 650 ميغاواط،تستهلك المنشآت النفطية نصفها تقريب،ويقال أن الفائض منها سيوزع علينا على شكل جرعات. لكن الثابت لدينا ان درجات الحرارة ارتفعت عندنا هذا الصيف ارتفاعا مزعجا حتى تجاوزت الخطوط الحمراء للمعدلات الاستوائية المميتة،فقد بلغت الحرارة 52 درجة مئوية في الظل،وزادت معدلات الرطوبة النسبية على 85 %،ما اضطر الآلاف من أبناء البصرة للخروج إلى الشارع في تظاهرة كبيرة للتعبير عن الرفض المطلق لإجراءات توزيع الطاقة الكهربائية،راح ضحيتها الشاب حيدر داود سلمان (عامل في مخبز)،من أبناء محلة (السيمر)،استشهد بنيران العناصر الأمنية المكلفة بتفريق تظاهرة الصيف اللاهب. قدرنا يا حيدر أن نكون مشاريع وطنية،مشاريع إنسانية،مشاريع مستقبلية،ودعوتنا أن تكون للشهادة قوافل تبدأ من فجر الحضارة السومرية،ولا تنتهي إلا ببزوغ العراق العظيم منارة للحرية،ومرتعا للعنفوان،وصرحا للحضارة،ووطنا لا تقوى عليه قوى الشر،ونظاما لا تهزه العواصف،ولا يُخرق بانقسام العواطف والأهواء. يا صبر ايوب،لا ثوبٌ فنخلعهُ ان ضاق عن،ولا بيتٌ فننتقلُ لكنهُ وطنٌ،أدنى مكارمه يا صبر أيوب أنّا فيه نكتملُ
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |