تحديات البذرة الديمقراطية العراقية

 

 

مازن الياسري

alyasery_site@yahoo.com

يرى عديدين بأن الديمقراطية في العراق أصيبت بنكسة او وقعت أسيرة بأيدي حفنة من الرجعيين، وان الولايات المتحدة لم تعد راعية لها على تقليعات رعاة الدعايات مدفوعة الأجر.. في حين اعتبر آخرون بأن الأمريكان نكثوا عهدهم مع العراقيين وبدلاً من السعي لإنضاج الديمقراطية قولاً وفعلاً عمل الأمريكان على مجاملة الأحزاب الدينية او التغاضي عنها.. تلك الأحزاب التي تعتبر (الديمقراطية) احد أعدائها الألداء.

وبين الآراء جميعاً ومعظمها متشائم، وبغض النظر إن كنت أوافق بعضها او ارفضها جميعاً.. ليس هنالك من شك إن الديمقراطية في العراق تمر بأزمة.. وتستغل ويتسلق على ظهرها بعض الانتهازيين الذين ما انفكوا يشتمونها كلما وصلوا المنابر متناسين إن الديمقراطية المشوهة من قبلهم هي من نقلتهم بين حالتي النكرة والمعرفة.. وبالمناسبة هذا الموضوع ليس نظرية عراقية (حصرية) بل هو آلية عمل او وسيلة استخدمتها العديد من الأنظمة والأحزاب في المنطقة، فها هي الديمقراطية تفرض وبالرفعة انفها المهيب على المنطقة الغارقة بالأنظمة الشمولية.. وعلى عادة الأنظمة والأحزاب الشمولية في تصُيير الحق باطل والخديعة قضية، سرعان ما تلونوا كالحرباء ولبسوا الزي الديمقراطي متسلقين على سلمها ليحطموه لاحقاً.. متى ما وصلوا للسلطة، نعم هذا لم يحدث في العراق فقط، بل الإنصاف يجبرنا أن نقول إن ما حدث بالعراق اقل وطأة مما حدث في فلسطين عندما تلونت حماس بالديمقراطية لتصل للسلطة و تطيح بأصدقائها وخصومها، وبالإخوان في مصر عندما حصدوا أغلبية برلمانية وبنقيضهم التقليدي الحزب الوطني الحاكم المقيم بالسلطة.. وبملكيات تدعي الدستورية.. بالتالي فالمنطقة لها باع طويل واحترافي في التلون بالديمقراطية والتلاعب عليها.

العراق حالة جديدة، فالديمقراطية يفترض إنها فرضت عليه فرضاً وبالقوة ومن قبل الوالد الشرعي لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة وقبلهما الولايات المتحدة، ورغم ترسيخ الديمقراطية كآلية لتبادل السلطة عبر الانتخابات العامة وترسيخ القائمة الانتخابية المفتوحة التي عدت نصراً للديمقراطية لاحقاً.. وقبل هذا وذاك فالديمقراطية أقرت دستورياً في العراق مع تداخل مع الدين في أكثر من موضع.

وعلى الرغم من خسارة الأحزاب التي دعت وان صورياً للديمقراطية في الانتخابات الأولى، وصعود المد العلماني بالانتخابات الثانية إلا إن الحزب الديني لازال يمتلك سطوة على الساحة العراقية..  وخاصة مع وجود أكثر من نصف وربما ثلثي أعضاء مجلس النواب من خلفيات حزبية دينية او عشائرية.. مع غياب ربما كامل لتيار ليبرالي حقيقي قادر على حمل الديمقراطية وترسيخها وتطويرها، نحو النهضة بالمجتمع والإدارة الحكومية.

الحكومة العراقية بتشريعاتها النيابية وأوامرها التنفيذية.. جانبت الديمقراطية مراراً، بل تبجحت أحياناً بتصريحات رسمية او خاصة لقياداتها وهم ينقلون مدى تأثرهم الاعجابي بتجارب بدول من المنطقة عرف عنها التطرف والشمولية.. على الرغم من إن معظم أعضاء الحكومة العراقية يوم طردوا من بلادهم ولوحقوا هاربين.. قصدوا دولاً أوربية وربما الولايات المتحدة ذاتها وتنعموا بالديمقراطية.. وهاهم عندما عادوا لبلادهم سخروا من القيم التي انتشلتهم من التشرد وأوصلتهم اليوم للسلطة ليتحولوا لدعاة لنبذ الديمقراطية والفكر الغربي، وعلى العمل والإدارة وفق مفاهيم التبعية والمنسوبية ضمن أضخم عمليات الفساد المالي والإداري، وبتبعية مقرفة تزكم الأنوف لدول المنطقة الشمولية.. وفي الوقت الذي خطى العالم بأسره نحو الأمام سعوا بكل قواهم القانونية والعاطفية على الناس بإعادة العراق الى الوراء.

أين ذهبت الديمقراطية في العراق وهل هي بلا رعاة وهل كون رعاتها إن وجدوا ضعفاء.. لعل ملف حماة الديمقراطية في العراق فتح بجدية بعد فشل الأحزاب العلمانية التي تدعي الديمقراطية او تجد ذاتها ديمقراطية حقاً في الوصول لقبة البرلمان.. الولايات المتحدة اعتبرت عبر تصريحات عديدة إن الديمقراطية بذرة زرعت في الأرض العراقية وجرى خلاف حول آلية إنمائها.. ولم تدخل لدعم او إسناد دعاة الديمقراطية بالتالي احترمت خيار الناخب العراق الذي لازال مسير غير مخير في عدة مناطق.

أطروحات عديدة تحدثت عن ملف البذرة الديمقراطية فالبعض اعتبرها ستعيش كيفما كانت البيئة المحيطة.. ولعل رأي الأمريكان (الجمهوريون) انسجم مع هذا الطرح، في حين اعتبر الأمريكان (الديمقراطيون) الحاكمين اليوم إن البذرة الديمقراطية.. حالها من حال اي بذرة تصبو لتكون نبته فشجرة، بحاجة للسقي و المراعاة.. ولتوتيدها بعصا عندما تنشأ كغصن صغير لكي يبقى عمودياً ولا ينحرف.. وبطبيعة الحال فإشارة التقويم بالعصا لها أبعاد عديدة.

ولكن ما يحصل اليوم يترك الباب مفتوحاً لتكهنات عديدة حول آلية التعامل العراقية (المحلية) والدولية في ملف الديمقراطية بالعراق.. فالبذرة الديمقراطية تواجه حملة لاجتثاثها من الأرض العراقية وبوسائل عديدة.. وبمباركة من جهات محلية وإقليمية، لكن ما يثير التفاؤل إن معظم العراقيين وخاصة بعد الانتخابات الأخيرة انكشفت أمامهم حقائق الاستغلال الحزبي العراقي للديمقراطية، وبالتالي وجد الناخب العراقي انه وبصوته يصنع التغيير ويكون قادراً على اختيار من يحكمه.. وبين سطوة الأحزاب السياسية على الديمقراطية، وإيمان الناخبين بالديمقراطية كمنهج.. يبقى التحدي قائماً حتى تصبح البذرة شجرة راسخة.

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 
في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com