|
كل العراقيون يحتفلون لمناسبه الرابع عشر من تموز الذين مع او ضد، الا ان الكل يتفق على إنها ثوره وطنيه شريفه أنهت السيطره الاستعماريه البريطانيه على العراق متمثلة بالحكومه المتعاونه مع الغرب، وان قادة الثوره وطنيون وليسوا اذناب وسارقون يومها كنا نسكن حي راغبه خاتون او كما كان يسمى انئذ بكمب الأرمن التابع للأعظميه ويقع بين السده الشرقيه(سدة ناظم باشا) وشارع الضباط. إعتاد العراقيون في تلك الأيام النوم على اسطح الدور في فصل الصيف العراقي شديد الحراره ،وفي احدى امسيات تموز عام ١٩٥٨ مساء الأحد ليلة الرابع عشر من تموز كنت حينها طفله العب على سطح الدار بينما كانت والدتي تعد الفراش لكي يبرد وقت النوم. احببت النظر الى الشارع تحت عندما سمعت اصوات اقراني ما زالوا يلعبون كانتالستاره (سياج السطح) عاليه نسبيا بالنسبه الى قامتي الصغيره مما اضطرني لوضع طابوقات كانت في السطح تحت قدمي كي يزداد طولي واتمكن مشاهدة اقراني ومحادثتهم لاحظت الأطفال يفرون من سياره جيب عسكريه مكشوفه وبها رجال مسلحون وقفت السياره العسكريه أمام بيت جارنا المقابل الي دارنا من جهة اليمن وهو بيت السيد سعيد ابو هاشم خرج المسلحون ببزاتهم الرسميه من السياره مسرعين وطرقوا باب بيت ابو هاشم بقوه حتى خلت ان الباب ستنخلع خالجني خوف شديد مشوب بالفضول لآرى ما سيحدث، دخل المسلحون الى البيت وخرجو ومعهم قاسم مربوط اليدين ورموه في السياره وهو يصرخ اني ممسوي شي انتو غلطانين ،قاسم هوابن جارنا ابو هاشم وكان وعمره يقارب العشرين سنه ذو بشره بيضاء على ما اذكر،اخوه هاشم سبق وان اعتقل هوالاخر منذ فتره وخرج وكان متهما من قبل السلطه بكونه شيوعي ، لقد تجمهر الجيران والماره في الشارع وطل البعض الاخر من السطوح لمراقبة ما يجري عن كثب وعلا وجوههم الخوف والقلق بعضهم دخل الى بيت سعيد ليستفسر عما يحصل في دار جارهم. المعروف عن بيت ابو هاشم بأنهم مستورين واولادهم محبوبين من اهل المحله . اي واحد يردون يخلصون منه يتهموه بأنه شيوعي هذا ما قاله ابو ايوب عازف السكسفون بفرقة موسيقى الجيش. اما حالتي وما قد اصابني جراء الجمله التي خرجت بعفويه من فم جارتنا ام علي (أُوي الله ايصبراهله انشاالله، هل ليله راح يقلعون اظافيره بالجلابتين) في البدايه إستفزتني وحيرتني هذه الجمله اذ كيف يمكن لأحد ان يقلع اظافر احد بالجلابتين تجلت امامي الدماء والألم والصراخ مما افزعني وظلت أسئله مخيفه كثيره تدور في رأسي لقد جافاني النوم تلك الليله بسبب الخوف وظللتُ أحتظن تارة والدتي وتارة جدتي لانام عندها وأسالهم عما سيحدث لقاسم ولم انم تللك الليه ابداالى طلوع الفجر ، وعندها كنت اول النازلين بعد والدي عندما نزل كعادته للصلاة ومن ثم الاستعداد للذهاب الى العمل اذ كان يعمل موظفا بمصفى الدوره فتح والدي جهاز المذياع وبدت عليه علامات الدهشه حين سماعهِ لنشيد اللُه اكبر فوق كيد المعتدي الله للمظلوم خير مؤيدوبعدها لعلع صوت عال لشخص يقول اذهبوا الى قصر الرحاب و هدموا اركانه! لقد لاحظت الاضطراب باد على وجوه كل من في الدارانبرت جدتي قائلةً( يمكن الملك صار ابتركيا ) ان والدي غيّر رأيه وقرر بعدم الذهاب للعمل في خضم هذه الاحداث لازلت انا استفسر بخوف عن قاسم وما سيحل به (بابا بابا اشراح ايصير ابقاسم)قال لي بعصبيه قاسم راح يجي بس الله الي يستر علينا. طُرق الباب واذا به جارنا داوود الله يرحمه وهو ارمني(ابو ساكو) وبيده سيكاره مرتعش فقال لوالدي سمعت الاخبار يقولون صار انقلاب ويكولون يمكن الملك انقتل وفي عين الوقت كان كثير من الناس وكثير من الصخب يملىء الشارع بشكل ملفت للنظر لم اشاهده قبل ذلك الصباح وعلت اصوات زغاريد خارجه من بيت ابو هاشم مع دعاء ( انشاء الله يرجع قاسم بالسلامه). كانت جموع غفيره من الناس تجوب الشوارع مرددة هتافات مثل نوري سعيد القندره وصالح جبر قيطانه وراح ابو ناجي الجهنم وكانت وجوه كثير من الناس فرحه مستبشره لسقوط حكم ابو ناجي من هو ابو ناجي !!! للمره الاولى شاهدت دبابات عسكريه تجوب الشارع العام وعليها جنود مسلحين كان منظرا مرعبا فعلا بالنسبة لطفلة مثلي. ولا زال المذياع مفتوحا،غيٌر والدي ملابسه وذهب الى قهوة عرب ورجع مسرعا وقد حمل معه كثير من المواد الغذائيه وغلق باب الدار قائلا لجدتي نوري السعيد ما لزموا …هسه يضربونه الانكليز…. الله آليستربقي الجو متوتر ومشحون في البيت في صباح اليوم التالي سمعنا بأن نوري السعيد قد قتل متنكرا بزي إمرأه وكان الناس مجتمعين في الشوارع ينتظرون مشاهدة نوري مسحول. كان والدي لا يسمح لنا بالخروج من الدار في مثل تلك الظروف وعندما تفرق الناس خرجت وجدتي لشراد التتن(التبغ) من محل السّيد التتنجي والذي كان قريبا جدا من بيتنا. بعد بنايه ريس شاكر ومحل الخيام للحلويات كان الناس متجمهرين على بعد خطوات وبالضبط عند صيدلية راغبه خاتون الحاليه شاهدت طابوق مرصوف بشكل مستطيل حوالي مترين طولا ومتر عرضا تقريبا ومحيط بجثه رجل مقطوعةالرأس، ممتلئه ومتفحمه محروقه ولا زالت النار مشتعله بها مثل الشمعه بالضبط يخرج منها الدخان الاسود وسخام ويسيح منهاالزيت ببطئ مشكّلا بركه قاتمه محيطة بالجثه . كثير من الناس كانوا متحلقين حوله وكان لغط كثير وسمعت الناس يقولون لربما الشخص اسمه هاشم وهو من الأردن. لقد كانت في الجهة المقابله للشارع قهوة الحجي جمعه ورايت شاب في العشرين من عمره يأت بتنكة بالنفط من القهوه ليحرقوه بها( ولقد جن هذا الشخص لاحقا وشفي )وله ابن استشهد على الجبههالشرقيه سنه ١٩٨٥م كان من اجمل الشباب لم يتجاوز عمره التاسع عشر وعند وصول جثمانه كان كاظم الساهر ينشد يمه يمه شديت الجرغد بزنودي للوطن ياروحي جودي وهو كثير الشبه بكاظم ايضا. الغريب في اول الامر لم ينتابني اي شعور لمشاهده الجثه لأنني لم ادرك حينها بأن هذه الكتله الملتهبه هي انسان ولم اخاف منها ولكن هذا المشهد ومجمل الاحداث اللاحقه والسابقه كانت السبب وراد مرض إنتابني لسنوا ت وآثر على مسيرة حياتي الى الأبد. هذه المذكرات احببت نشرها وبدون تعليق كماعشتها ليتعرف الناس على عنف الساسه بالتعامل مع الشعب والذي اصبح سنه لما بعد
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |