|
مفجوعٌ بغيابك...يا سيدي
مصطفى المهاجر
سيدي أبا علي... لستُ أدري كيف أبدأ حزنَ كلماتي .. على أعتاب سطر حياتك الأخير؟! ولستُ أدري من أين تبدأ رحلة الوقوف بين يدي رحيلك الفاجع المهيب..؟! كيف يمكن للكلمات ِ أن تقولك مرثياً وأنت تملأ الحياةَ فعلَ عطاءٍ.. ليسَ للموت إليه سبيل..؟! وكيف يمكن تخيل حجم الفراغ الذي سيتركه حضوركَ – الغائبُ، أو غيابك – الحاضر..؟! فقد كنتَ مِلءَ الأسماعِ والأبصارِ.. والقلوبِ والعقول..!! كنتَ لنا نحن محبيك وعارفي فضلك والمتفيئين ظِلَّ حبكَ وعطفكَ ومودتكَ... كنتَ لنا أباً و أخاً وصديقاً.. قبل أن تكون مُعلماً وأستاذاً ومرجعا...! وقد وجدنا فيكَ كَلَّ مالم نجده لدى الآخرين ، منذ فقدنا المعلم والمفكر والمرجع الشهيد محمد باقر الصدر والمرجع الشهيد محمد الصدر.. وقد ساقتنا أقدار النفي والغربة ومطاردة الجلادين إلى ضفافِ واحتك الغنّاء.. فكان عذبُ مائها شفاءً لألام نفوسنا.. وكانت يَدُكَ الأبويةُ الحانيةُ تمسحُ الدمّ والترابَ عن جبهات جراحنا.. وكنتَ تنشدُ للمتعبين من طول الهجرة والمطاردة، أناشيدَ الأملِ الواعدِ بالفجرِ القادم على صهوةِ الرسالةِ السماويةِ المضخمة بالحبِ والوفاءِ وكرامة الإنسانِ.. أناشيدَ يصوغها قلبكَ الحاني قبلَ قلمك.. وترتلها نظرات عينك قبلَ شفاهك.. كنتَ تفرشُ لأمثالنا الغرباء ، وهم يتجهونَ إلى رحابكَ، عذبَ كلماتكَ قبلَ الفراشٍ الذي تطأوه أقدامهم.. وكنت تفتح قلبك على مصراعيه لأستقبالهم، قبل أن تفتح ذراعيك لتضمهم بين حناياك.. ولسانُ حالك الناطق يصرخ.. أيها المتعبونَ هلمّوا إليَ.. إلى واحة الحبٍّ والرحمة والأمان.. إنني أحبكم لوجهِ الله.. لوجهه فقط.. لا أريد منكم جزاءً ولا شكورا..! سيدي أبا علي: أيها العالم والمفكر والمرجع.. وأنت تطوي جناحيكَ لتحطَ عصا الترحال في ضيافة الله.. الذي بذلت عمركَ الشريفَ في سبيله.. ومن أجل دينه.. ولسعادةِ إنسانه وخليفته في أرضه.. لا يسعنا إلا التسليم بقضاء الله وقدره.. فقد آن لكَ أن تستريحَ من رحلة العناء والجهاد والتعب المتواصل ليلاً ونهارا.. ولا تزال كلماتُك الصادقة عملاً ترنُّ في أسماعنا... ((الراحة حرام)) ... ((الراحة حرام)) و ((الحياة لا تحتمل الفراغ... فإن لم تملؤوها.. فيسملؤها غيركم)) ... وحين شددنا الرحالَ متفرقين على خارطة الدنيا الواسعة بعد أن ضاقَ بنا الأقربون.. حملنا وصاياك في قلوبنا وعقولنا.. ((كونوا رسلاً للإسلام)) ((كونوا صورته الناصعة)) .. ((التزموا بالقوانين والأنظمة)) .. ((أنتم معاهدون.. إن العهد كان مسؤولا)) .. ((أولادكم.. أولادَكم.. حصنوهم بالأخلاق وبالإسلام)) .. ((كونوا لهم النموذج والقدوة بالصدق في القولِ والعمل)).. ((المدرسة في بلادِ الغربة لأولادكم.. أهم من المسجد)).. ((اهتموا بتعليمهم اللغةّ العربيةّ والقرآن)) .. ((تجمعوا معاً.. أحيوا مناسبات أهل البيت معاً.. كونوا معاً.. ولا تشغلكم الحياة عن دينكم وأهلكم وأولادكم)) .. سيدي أبا علي: أيها السيد السيد أيها الإنسان الإنسان لستُ معنياً كثيراُ بالإشارة إلى فكرك وعلمك على عظمتهما .. فلذلك رجاله المختصون.. ولا أظن أن أحداً يجهلهما أو ينكرهما إلاّ أعمى بصرٍ أو بصيرة.. أو مّنْ أعمى الحقدُ قلبه.. ولكنني معنيٌ كثيراً وكثيراً جداً بخلقك الإنساني الرائع.. بحبك للناس.. باحترامك للجميع.. وبعفوك وسماحتك عمن يسيئون إليك.. وتلك هي أخلاق أجدادك العظماء من أئمة أهل البيت.. والأهم من كل ذلك قربك من أبنائك ومريديك ومحبيك... عيشكم معهم.. وأنفتاحك عليهم.. وتواصلك معهم.. وتفقدك لهم... وتلك هي واللهِ خُلقُ الأنبياء وأصحابِ الرسالات وحملة الهمِّ الرسالي العظيم.. إلى رحابِ اللهِ أيها السيد العظيم والإنسان العظيم.. والمفكر العظيم والمرجع العظيم.. لكَ الجنانُ فسيحات منازلها لنا التصبر والسلوانُ والألم لستُ أبكيكَ فالبكاء عقيم أوَ يُبكى في العالمين العظيمُ لستُ أبكيكَ يا دليلَ متيهٍ تتراءى بمقلتيهِ النجومُ وفناراً أضاءَ بحرَ حياةٍ وسيبقى تأوي إليه الحُلومُ لستُ أرثيكَ بل أتيت لأرثي يُتمَ أحلامنا.. إذ يضيعُ اليتيمُ
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |