محمد حسين فضل الله، قطب الصحوة وفقيه الامة، ورمز الصمود
الدكتور كمال هلباوي
montadauk@gmail.com
كل نقس ذائقة الموت، وانما توفون اجوركم يوم القيامة لبى سماحة المرجع الديني آية الله السيد محمد حسين فضل الله، نداء ربه، وصعدت روحه الطاهرة الى بارئها بعد عمر مديد في خدمة الاسلام والمسلمين. فرحمه الله وأسكنه مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن اولئك رفيقا.
قليون هم الرجال الذين يسخرون حياتهم من اجل مرضاة الله وخدمة الانسانية وتوعية الاجيال. وكان سماحة المرحوم السيد فضل الله واحدا من اولئك القلائل. فقد عاش حياته داعية لربه، مرشدا للحق، ثابتا على الطريق، حاملا رسالة الاصلاح والتغيير في الأمة، داعيا لوحدتها ولم شملها. فكان خطابه الديني منذ نعومة أظفاره، متميزا بحركيته، جامعا بين الاصالة والحداثة، عارفا بسيرة السابقين، ومدركا لاوضاع الحاضرين. تميز ذلك الخطاب بلغة سامية، وروح جامعة، وتوجه وحدوي قل نظراؤه.
كتب المرحوم فضل الله كتبا كثيرة ناهزت السبعين في شتى الميادين، من بينها: ومن هذه الكتب: قضايانا على ضوء الاسلام، خطوات على طريق الاسلام، أسلوب الدعوة في القرآن، أالاسلام ومنطق القوة، الحوار في القرآن، تأملات في الفكر السياسي الاسلامي، في أفاق الحوار الاسلامي – المسيحي، من وحي عاشوراء، ثمار البحر: نظرة فقهية جديدة، فقه الشريعة (ثلاثة مجلدات)، من وحي القرآن (تفسير كامل للقرآن الكريم).
اتسمت حياته بالعطاء الفكري الواسع، تمثل بالكتب المذكورة والمحاضرات التي لم تتوقف حتى الايام الاخيرة من حياته، والمقابلات الاعلامية التي جعلته وجها بارزا في الاعلام العربي المعاصر. واهتم بالجوانب الحياتية للناس من حوله، فتبنى المشاريع العملية ومن بينها "جمعية المبرات الخيرية" التي تدير 14 مدرسة ثانوية، وستة معاهد مهنية، وست مؤسسات رعائية، اربعة مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة، اربعة مراكز صحية، 31 مركزا اجتماعيا ودينيا. هذا البعد الانساني في شخصية السيد فضل الله كان ميزة بارزة في حياته، اذ لم يكتف بالتوعية والتوجيه والتأليف بل توسع في عمله ليشمل رعاية الناس.
وتميزت شخصية المرحوم السيد فضل الله بالمبدئية والثبات، فاستهدف شخصيا من قبل اعداء الامة، وما تزال جريمة "بئر العبد" التي ارتكبتها الاستخبارات الامريكية في 1986 في محاولة فاشلة لاغتيال السيد فضل الله ماثلة في الاذهان، اذ راح ضحيتها اكثر من ثمانين شهيدا. وكانت مواقفه من الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والعدوان ضد لبنان وغزة، مبدئية وواضحة ليس فيها لبس او غموض. وبقيت خطاباته وتعليقاته المتواصلة مصدر إلهام للمجاهدين ضد الاحتلال. لم يساوم على دينه ومبدئه، بل كان واحدا من ابرز وجوه الصحوة الاسلامية المعاصرة. ولم يخش في الله لومة لائم، ولم يتراجع يوما عن دعم المستضعفين ومقارعة المستبدين والظالمين والمحتلين.
كان المرحوم شخصية وحدوية، فقد التزم خطابا جامعا يؤكد على المشتركات في ما بين المسلمين انفسهم، وما بينهم وبين غيرهم من البشر، فكتب رؤيته للحوار الاسلامي المسيحي، كما شارك في مؤتمرات الوحدة الاسلامية ورعى ندوات ومؤتمرات حول ذلك. كان عنوانا للاصلاح، وكانت رؤاه حول تقويم التاريخ تجديدية اثارت الجدل في الاوساط التي تعارض ذلك، اما رؤاه الفقهية فكانت هي الاخرى تتسم باستيعاب روح العصر والانجازات العلمية المتعددة، ويعتبر واحدا من القلائل الذين اعتمدوا الحسابات الفلكية لتحديد بداية الشهور الشمسية ونهايتها.
ولقد كان للمرحوم السيد فضل الله حضور في مؤتمرات منتدى الوحدة الاسلامية من خلال البحوث التي بعثها ورسائل الدعم والتشجيع وكذلك بارسال ممثلين عن سماحته لحضورها. وقد حضر نجله، السيد جعفر، المؤتمر الاخير للمنتدى الذي عقد في لندن قبل اسبوعين.
ان الموت حق، وكل من عليها فان، وكل نفس ذائقة الموت، هذه حقائق نؤمن بها ايمانا قاطعا، ولكن غياب علم من اعلام الاسلام وقائد من قادة الامة ومفكر مبدئي كالسيد فضل الله، خسارة كبيرة للامة خصوصا في هذه المرحلة التي تتكالب فيها قوى الشر والاحتلال والاستبداد على شعوب الامة واراضيها وسيادتها. ودعاؤنا ان يسخر لهذه الا مة من يسد الثغرة التي احدثها غيابه، وان يمع المسلمين بفكره المبدئي النير، وان يسكنه فسيح جناته، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
اللهم اصعد بروحه اليك، ومتعه بمقعد صدق عندك، واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء والابرار والصالحين.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب