|
التغير الحاصل في قيم القانون والقضاء الفصل الثاني دور الدين والقضاء في بناء ثقافة المجتمع
محمود الربيعي مقدمة الموضوع إن حركة الصراع الدائر بين أهل الأديان والماديين صراع فكري يستند كلاهما الى فلسفته الخاصة القائمة والقوانين والتشريعات والقضاء المرتبط بها، وقد دافع كلا الفريقين عن وجهة نظره. . فأيهما الأصلح للقضاء على الفساد والحد من الجرائم الكبرى وأيهما يمكنه صيانة المجتمع من التداعيات والمشاكل المزمنة كالبطالة والرشوة؟ فهل هما على حق أم أن أحدهما على حق والآخر على باطل، هذا ماسنبحثه في موضوع تغير قيم القانون والقضاء في هذه الحلقة. رؤية وقبل كل شئ لابد لنا أن نقول أن هناك فرق بين كل من قوانين الخالق والمخلوق وحقيقة كل منهما ومن المنطق القول أن الخالق أعظم قدرة من مخلوقه والأعلم والأكثر إحاطة بشؤون خلقه فهو لايحتاج الى الظلم، إنما يحتاج الى الظلم الضعيف، وأما سائر الخلقف قد يطمعون ويخافون لعدم تمتعم بصفات الكمال التي يتصف بها الخالق. إن حدوث حالات من الخلل وعدم التوازن في السلوك الإجتماعي والقانون أمر خطير يهدد الأمن والحياة وسيُحْدِثُ خللأً في إقامة الحدود الشرعية وتطبيق القانون بين الناس ويشجع البشر على الفساد و إرتكاب الجرائم، وقد يترتب على هذا الفساد أمور منها: أولاً: الإستخفاف بكتاب الله: وقد أشير الى ذلك في قصص القرآن وأحاديث الرسول وأهل بيته الطاهرين عليهم أفضل الصلاة والسلام.. فهذه الظواهر التي سادت عصور مختلفة من التأريخ.. منها أنه قال تعالى: " وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا " سورة 25 الفرقان الآية 30. وفي الميزان للسيد الطباطبائي (المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بقرينة ذكر القرآن، وعبر عنه بالرسول تسجيلا لرسالته وإرغاما لأولئك القادحين في رسالته وكتابه والهجر بالفتح فالسكون الترك). إنتهى. وقد حدث مثل ذلك لبقية الأنبياء والرسل كما جاء ذكره في القرآن الكريم. إن هذه الحالة تبدو أكثر وضوحاً يتولّى الناس أقواً يكفرون بالله وينشرون الظلم والفساد، ومن باب التذكير نقول أنظروا الى حال الناس في هذا الزمان وتبينوا كم تفرّق الناس عن الدين وركبوا مختلف المعاصي دون أن يفكروا بآخرتهم، وسيتبين لنا مدى الإنحدار الأخلاقي الحاصل في أغلب المجتمعات في العالم إذ لايحتاج ذلك الى دليل. ثانياً: تعطيل الحدود: ومن الجدير بالذكر أن الحدود والأحكام تكون صحيحة تماماً إذا صدرت عن أعظم الحكماء والخبراء ولايصح ذلك إلا إذا صدر عن الخالق العظيم العليم الحكيم الخبير.. وقد بسط الإسلام أحكامه وحدوده في ظل حكومة الرسول وجزء من حكم الخلافة زمن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وجزء من حكم الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام ثم حدثت النكسة الكبرى التي أدت الى الإرتداد والإنحراف حتى ظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً ليملئها قسطاً وعدلاً قال تعالى: " وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " سورة 2 البقرة الآية 229. وكذلك قوله تعالى: " وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ * وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ * وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ " سورة 5 المائدة الآيات من 43 – 50. إنتهى. ونعتقد أن النظر العميق في هذه الآيات يغنينا عن الكثير من التفصيل والنقاش والحديث ففيه بيان شامل عام وخاص لايمكن أن نزيد عليه. ثالثاً: بخس المكيال والميزان: وإن من أهم مظاهر الفساد ضياع قيم العدل في المجتمعات والدول، وبخس الناس حقوق بعضهم البعض الآخر خصوصاً فيما يتعلق بمعاملات البيع والشراء وهي ظاهرة من أخطر الظواهر التي نهى عنها الله عز وجل، قال تعالى " وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ " سورة 11 هود الآيات 84 و85. إنتهى. ولانستغرب أبداً أن كل الفساد الذي مرت به البشرية عبر التأريخ سيتكرر من جديد بشكل أكبر ليكون ظاهرة كبيرة بفعل فساد سلوك الناس وإبتعادهم عن الفضيلة. تعطيل الحدود الشرعية وأمر آخر يتعلق بحقوق الإنسان فقد شهد هذا الأمر تغيراً واسعاً أدى الى تعطيل معظم القوانين الشرعية للأديان والتي كان لها الفضل في سن قوانين العقوبات المدنية الشرعية التي أثرت تأثيراً إيجابياً كبيراً في تقليل نسب الجرائم. ضعف القضاء وقيام الأنظمة الدكتاتورية إن جميع الظواهر الخطيرة في المجتمع جاءت بسبب الأنظمة الحاكمة التي هي إما أن تكون قد تميزت بالدكتاتورية أو حكمت وفق نظريات فاشلة مبنية على تصورات إقتصادية قاصرة أو أسس عرقية عنصرية، أو دينية طائفية مما ضعف دور القضاء في إحياء الحدود الشرعية وإقامة العدل بين الناس. شهادة الزور وآثارها الإجتماعية وهل هناك أخطر من الكذب وخصوصاً في الشهادة التي بسببها ضياع حقوق الناس، شهادة وقد دل على ذمها قوله تعالى في صفة المؤمنين: " والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ". وقول النبي (ص): " شاهد الزور كعابد الوثن ". جامع السعادات الجزء الثاني: إنتهى. إقصاء الصلحاء إن عملية إقصاء الصلحاء وإبعادهم عن المواقع الإدارية المهمة مهد لكثير من صور الفساد والإفساد في مرافق السلطة والدولة، ومكن المفسدين من تنفيذ برامجهم الفاسدة. مخاطر الرشوة (الفساد المالي والاجتماعي) ومن مقالة بقلم الدكتور جوهر الراوي في منتديات الساحة الليبية أقتطعنا التالي تحت عنوان مخاطر الرشوة في الشريعة الإسلامية جاء فيه: ان من أشد الجرائم التي تفسد المجتمعات، وتذهب بأخلاقها، وتمحو بركة مالها هي جريمة الرشوة، وهي منتشرة في كل مجتمع فيه ظلم وفساد، وضعف في الوازع الديني. والرشوة هي ما يدفع من مال إلى ذي سلطان أو منصب أو وظيفة عامة أو خاصة ليحكم له أو على خصمه بما يريد هو أو ينجز له عملا أو يؤخر لغريمه عملا. وقد حرم الإسلام على المسلم أن يسلك طريق الرشوة، وحرم قبولها وحرم التوسط بين الآخذين والدافعين. قال - تعالى -: (( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون )) (سورة البقرة آية 188). إنتهى. خاتمة إن الدين على الرغم من التشويهات التي واجهته إلاّ أن دوره يبقى مستمراً في تنشئة الأجيال المتعاقبة وفي بناء ثقافة المجتمع وتعزيز الإيمان بالله الخالق العظيم.. ومتى تعطلت حدود الخالق ظهر الفساد في البر والبحر وزادت نسب الجرائم وضعف القضاء، فبفساد المجتمع قامت الدكتاتوريات وأنتشرت الفوضى وحل الظلم والطغيان وأننشرت الآثار الإجتماعيةالسيئة وشاع الفساد بجميع أنواعه.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |