موقف دول الجوار من ثورة 14 تموز

محمود الوندي

m-w1948@hotmail.de

نظرا لاهمية العراق بوجود ثرواته الطبيعية وامتلاكه من ثروة نفطية هائلة وما يتمتع به من موقع استراتيجي في الشرق الاوسط تعرض تأريخيا الى مطامع الدول المجاورة والاقليمية وإضافة الى مطامع الدول الكبرى ، واصبح العراق ميدانا للصراع العلني بين الدول العثمانية والدولة الصفوية  منذ بداية القرن السادس عشر طمحا بثرواته حتى جاء القرن التاسع عشر واحتل العراق من قبل البريطانية بعد الحرب العالمية الاولى الذي عزز مصالحها في العراق الذي اخذت أبعادها إتساعا وترسيخا بحيث اصبح العراق مرتكزاُ رئيسيا في استراتيجية البريطانية وفي ظل مجموعة الاحلاف والمعاهدات التي شكلت اهداف تلك الاستراتيجية .  

عند قيام ثورة 14 تموز وما حملت في طياتها من الانجازات لمصلحة الشعب العراقي ، تعد نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات العراقية والدول الاقليمية لان الثورة وجهت ضربة كبيرة لمصالحهم ، التي احدثت هيجانا في المنطقة التي كانت نذر شؤوم للدول الطامعة ، ومن هنا برز مبعث الصدمة التي تعرضت لها الدول المجاورة على وجه الخصوص والدول العربية وبشكل أوضح والتي سببت تدهورا فيها وبدات تظهر عليهم القلق من جراء سقوط النظام الملكي في العراق وخوفهم من امتداد الثورة اليهم . 

وفي بداية الامر انقسم العرب الى طرفين :  الطرف الاول ضم الدول المناهضة للثورة في العراق والتي شملت الدول المتضررة من هذا التغيير وخاصة الاردن والدول العربية الاخرى ووقفوا الى الجانب الدول الاقليمية مرتبطة بحلف بغداد هي اخرى تضررت ايضا من هذا التغيير ، فعملوا جمعيا على اجهاضها منذ ايامها الاولى ، لأن الحكومة العراقية قد عبرت عن عزمها وتصميمها على الانسحاب من حلف بغداد والتقيد بمبادئ باندونغ وميثاق الأمم المتحدة .   

الطرف الثاني ضم الدول المؤيدة للثورة والتي مثلتها انذاك حمهورية العربية المتحدة وجمهورية سوريا الطامعين لكنوز العراق كانوا متوقعين هم بدلاء الدول العربية المناهضة للثورة ، وبعد اعترافهم الرسمي بالنظام الجديد في العراق ومساندتهم ودعمهم للجمهورية الوليدة ، طالبت هذه الدول بعد ذلك بالوحدة الفورية من الحكومة العراقية الجديدة على غرار الوحدة الهزيلة بين مصر وسوريا التي انهارت هذه الوحدة المسخرة وانتهت بالفشل الذريع لأنها لم تحققت عن إرادة شعوبهم بل إرادة فوقية للحكام ، وعندما رفض المشروع الوحدة من قبل العراقيين وقائد الثورة الشهيد عبد الكريم قاسم تراجعوا عن تأيدهم للحكومة الجديدة في العراق ، واصبحوا اشد اعدائها واخذوا يتعاونون مع الطرف الاخر للقضاء عليها .   

وقفت جميع الدول العربية انذاك مع ايران وتركيا الى جانب امريكا وبريطانيا وحتى اسرائيل في افشال ثورة 14 تموز وانقضاض عليها بسبب مجيئ نظام حكم جديد معادي لهم ، ولكن في الحقيقية عدم يروق لهم اتجاه العراق نحو الاستقلال والتحرر من العبودية وتستغل ثرواته الطبيعية من اجل بناء الانسان العراقي وبناء البنية التحية للعراق ، واسترجاع الفرد العراقي عافيته ومكانته اللاصقة به داخل المجتمع العالمي ، بل يريدون ان يبقى العراق بقرا حلوبا لهم ، كما شاهدنا في الوقت الحاضر كيف وقفت هذه الدول ضد اسقاط نظام البعث .   

ومنذ قيام ثورة 14 تموز ناصبت جميع الدول المجاورة والاقليمية العداء للحكومة العراقية وقائدها البطل الشهيد عبد الكريم قاسم وتحت مختلف الذرائع الواهية ، وحاولوا بشتى الوسائل خلط الأوراق وتضليل الرأي العام العربي والاسلامي ، من خلال جميع وسائل إعلامهم وأئمة مساجدهم في إصدار الفتاوي لتكفير حكومة الثورة وتحريض عملائهم في داخل الذين تضرروا من تغيير الحكم في العراق لزعزعة الأمن والاستقرار في العراق وعرقلة مسيرة الحكم الوطني . والمؤسف أن بعض القوى والشخصيات السياسية التي انخدعت بالفتاوي ووسائل الاعلام دول الجوار واستجابت لنداءهم . فبدلاً من توحيد صفوفهم والوقوف مع الثورة وحكومتهم الوطنية في ذلك الوقت العصيب للدفاع عن الشعب العراقي والوقوف ضد اعداء الشعب والوطن .في سياق ماتقدم نرى موقف الدول المحيطة بالعراق التي ارادت عزل الحكومة العراقية الجديدة عن طريق ومن خلال اقامت اتفاقيات وتحالفات مع الولايات المتحدة وبريطانيا وتخولهما بالتدخل عسكريا ضد أي خطر خارجي وكان توجبه انظارهم الى نظام الحكم الجديد في العراق لانه لا يلبي طموحات الحكومة الأمريكية والبريطانيا ولا الحكومات العربية والاسلامية . والتي دفعهما لتعزيز نفوذهما في تلك الدول . وبقيت العلاقات العراقية مع الدول المحيطة متذبذبة حتى قيام انقلاب 8 شباط 1963 الدموي في العراق والتي أطاحت بحكومة الشهيد عبد الكريم قاسم  . 

لقد ثبت للمجتمع العربي والاسلامي بان الحكومة العراقية في عهد الشهيد عبد الكريم قاسم هي الحكومة النزيهة والوطنية ويشهد التاريخ بنزاهة قائد الثورة في بناء عراق ديمقراطي ، وكانت الحكومة الوحيدة في تاريخ العراق التي شاركت جميع مكونات الشعب العراقي بدون استثناء وتوزيع المناصب على الاختصاصين والكفؤيين اي طبق القول " الرجل المناسب في المكان المناسب ، بالاضافة الى المنجزات الكبيرة التي حققتها في عمرها القصيرة .  

لم تكن ثورة ( 14 تموز 1958 ) حدثاً عابراً في تاريخ بلادنا على الرغم من محاولات التشويه التي قادتها ضدها قوى اقليمية وداخلية والتي لا يروق لها تطور العراق والتحاقه بركب الحضارة والتطور.. انها كانت تحولا نوعيا نجم عن تراكم كمي لزمن طويل ، إضافة الى الظلم والاضطهاد والحرمان من تصرفات السلطة (انذاك) وارتباطه بالاحلاف والمعاهدات المكبلة للبلاد ، كان العراق بقرة حلوبا لتلك القوى المتضرة التي ناصبت ثورة الشعب منذ بدايتها وتأمرت عليها واسقتطها .  

هكذا اغتيلت ثورة 14 تموز التي تكالبت عليها كل قوة الشر والظلام والغدر والخيانه من الداخل والخارج ، لاطفاء شعلة النور والحرية والديمقراطية في العراق الجديد ، حيث خدمت الظروف تلك القوة فاستطاعت من خلالها ان تتحكم في مجريات الامور وتنجح بسهولة في انقلابها الفاشي … ليغتالوا الثورة واعدم الزعيم عبد الكريم قاسم ، ورجعوا العراق الى نقطة الصفر ، بعد ان كانت الثورة قد حققت الكثيرمن المنجزات للشعب العراقي في مدة قصيرة .

     العودة الى الصفحة الرئيسية

Google


 
في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com