|
دور الأخلاق في بناء ثقافة المجتمع
محمود الربيعي mahmoud ahmead802@hotmail.com سنتناول في هذا الموضوع الحديث عن الظواهر الأخلاقية الخطيرة ومخاطر تأثيرها في شؤون السلطة والدولة مايترتب على ذلك من آثار سلبية تظهر في حياة الناس ومنها ظواهرالنفاق والكذب ومظاهر الشر والبغي والعدوان وتردي الأخلاق والقيم خصوصاً في نفوس كبار القادة المسؤولين في الدولة ومؤسساتها، والآثار الخطيرة الناجمة عن شرب الكحول ومايصيب السلوك الإنساني من تدهور داخل العائلة، وسنتحدث عن إنتهاكات حقوق الإنسان والإعتداء على أصحاب الضمائر والعقول من أهل الرأي. ظاهرة النفاق وآثارها السيئة في حياة الشعوب والمجتمعات النفاق هو غصن شجرة الأخلاق السيئة المرتبط بالكذب والخيانة ونقض الوعود والعهود، ولاعجب من وجود تناقضات عند الناس على الرغم من تنوعها الديني والمذهبي ونقصد بالمذهب هنا ماتجاوز الدين الى كل مذهب من المذاهب الفكرية والسياسية. إن طغيان حالة النفاق في كل المجتمعات دليل على الضعف والفساد الذي شمل مختلف الأوجه الإنسانية للدول ومنها السياسية والإقتصادية والعلمية وغير ذلك، ففي الوقت الذي تتبنّى فيه الدول لوائح حقوق الإنسان وتدعي العمل من أجل الحرية والعدالة وإحترام العقائد والأديان لكنها في الواقع تسحق تلك الحقوق والحريات بأقدامها وبأجهزتها المختلفة من خلال مايرتكب الجرائم المختلفة بحق الشعوب والأفراد. إن الحالة المعاصرة في زمننا هذا تتميز بإنهيار في مختلف وجوه الحياة الإجتماعية والعلاقات بين الناس وتشهد إنحطاطاً في القيم الأخلاقية العامة خصوصاً بالنسبة للإنسان أولاً ثم المال كما تشير الى حدوث إنحدار في القيم الدينية وفي أسس تقييم الإنسان. الفساد والعدوان وآثارهما السيئة على أخلاقية المجتمع البشري وهناك مفردات مهمة من وجوه الظلم والفساد كالشر والبغي ومايجري من إنتهاكات للحقوق الشخصية والمدنية للأفراد، فمن كتاب جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي ج 1. جاء فيه في ذم البغي: قال رسول الله صلى الله عليه و آله: " إن اعجل الشر عقوبة البغي ". وقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : "يقول إبليس لجنوده: القوا بينهم الحسد و البغي فانهما يعدلان عند الله الشرك". وكتب عليه السلام الى بعض أصحابه: " انظر الا تكلمن بكلمة بغي أبدا، وإن أعجبتك نفسك و عشيرتك ". ومن كتاب جامع السعادات لمحمد مهدي النراقي أيضاً ج 2. جاء في ذم الغيبة: قال تعالى " ولاتجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه " (الحجرات، الآية: 12.) . و قال تعالى: " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم و كان الله سميعا عليما " (النساء، الآية: 147) . و قال: " ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد " سورة ق الآية 18. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه " . والغيبة تتناول العرض. و قال-صلى الله عليه و آله-: " إياكم والغيبة، فان الغيبة أشد من الزنا، فان الرجل قد يزنى و يتوب فيتوب الله عليه، وإن صاحب الغيبة لايغفر له حتى يغفر له صاحبه " . وقال صلى الله عليه وآله: " مررت ليلة أسري بي على قوم يخمشون وجوههم بأظافيرهم، فقلت: يا جبرئيل، من هؤلاء؟ قال الذين يغتابون الناس، ويقعون في اعراضهم ". وخطب- صلى الله عليه و آله يوما حتى أسمع العواتق في بيوتها، فقال: " يا معشر من آمن بلسانه ولم يؤمن بقلبه! لاتغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فان من تتبع عورة أخيه يتتتع الله عورته حتى يفضحه في جوف بيته ". ظاهرة الكذب وآثارها الخطيرة في المجتمعات سنتحدث هنا عن ظاهرة الكذب ومدى خطورتها في التأثير على سلوك الفرد والمجتمع فمن كتاب جامع السعادات للشيخ محمد مهدي النراقي ج 2 في فصل ذم الكذب جاء فيه أن: "الكذب أقبح الذنوب وأفحشها، وأخبث العيوب وأشنعها"، قال الله سبحانه: " إنما يفتري الكذب الذين لايؤمنون " النحل، الآية: 105. " فاعقبهم نفاقا في قلوبهم الى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " التوبة، الآية: 78 ". وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إياكم والكذب، فان الكذب يهدى الى الفجور، والفجور يهدى الى النار " صححنا هذين الحديثين على (جامع الاخبار) : الباب 12 الفصل 7 " . و قال صلى الله عليه وآله:" المؤمن إذا كذب من غير عذر لعنه سبعون الف ملك، وخرج من قلبه نتن حتى يبلغ العرش، فيلعنه حملة العرش، وكتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية، أهونها كمن زنى مع أمه" صححنا هذين الحديثين على (جامع الاخبار): الباب 12 الفصل 7 ".إنتهى. إذن فمن مظاهر الحياة الإجتماعية تفكك القيم والأخلاق بسبب التغير في نمط التربية العائلية والإجتماعية في المدارس والجامعات وداخل دور العبادة حين يتصدى لإمامة المسجد من هو غير جدير بهذه المهمة. إتساع نطاق ظاهرة الكذب إن القرون المتعاقبة للتاريخ جاءت بتغييرات واسعة في عالمي الثقافة والإجتماع مما يمكن أن يعبر عنه بعالم الأخلاق، فقد برزت مظاهر جديدة مهمة في طبيعة تفكير الإنسان وصور تعامله مع محيطه الإنساني. ولقد أحدثت تلك المظاهر تدنياً ملحوظاً في المعارف والإلتزامات وأدى ذلك الى نمو الدوافع المادية بحيث شكل كل من المال والجنس والمنصب جانباً كبيراً من إهتمامات الناس طغى على بقية الجوانب المهمة في حياة الإنسان ومنها الأخلاق. كما شهدت البنى للمجتمع تغيراً ملحوظاً في التفكير والسلوك إذ لم يبق للعلاقات بين أفراد الأسرة إلاّ الصور الشكلية بعد أن لعبت الثقافات الحديثة دوراً كبيراً في الحد من سلطة الآباء، وشجع على ذلك طغيان قيم الحضارات المادية التي تتخذ موقفاً سلبياً من الدين. وشهدت القلوب والعواطف الإنسانية أيضاً ضعفاً ملحوظاً، إذ حلت العلاقات الجنسية الطارئة محل الحب المتبادل والإلتزامات العائلية، في الوقت الذي أتسعت فيه مساحة العلاقات الجنسية المحرمة والشاذة وحلّت محل العلاقات الزوجية، بالإضافة الى أختفاء مظاهر الرجولة والأنوثة في معظم الدول والمجتمعات. إننا نرى بأن المبادرة الى عملية الإصلاح الإجتماعي لابد أن تستمر حتى لو إمتلئت الأرض ظلماً وجوراً ذلك لأن المسؤولية الدينية والأخلاقية تبقى في ذمة القادة الإجتماعيين والروحانيين، وعليهم واجب التثقيف وبث الوعي وبذل الجهد في سبيل الحد من الظواهر السلبية، وإن الواحد من هؤلاء القادة وفي مثل هذه الظروف يكون مؤهلاً لأن يكون جندياً من جنود عملية الإصلاح وقيام الدولة الفاضلة. ظاهرة الكذب عند كبار مسؤولي الدولة إن تأثير ظاهرة الكذب بين كبار المسؤولين في السلطو والدولة يعد خيانة للأمانة وإفساد إجتماعي كبير وهو تعبير عن مستوى التدني الخلقي. ومتى ما أصبح ظاهرة عامة داخل المؤسسات والشركات أدى الى إنتشار الفساد وظهور الأزمات المشاكل، فلنتصور أن تاجراً يروّج لبيع بضاعة فاسدة كالأدوية أوالأغذية. ماذا سيحدث؟ إن من أخطر الأمور التي تصيب المجتمعات هو صعود طبقة حاكمة فاسدة الى السلطة تلجأ الى تحصيل المال من المعاملات والصفقات غير الشرعية التي تتم لأجل تحصيل المال أو تقبله أو صرفه أوالتعامل به وبالنتيجة سيقود الى إنهيار الأسس والمبادئ التي فيها قوام المجتمع والدولة. مخاطر المشروبات الكحولية على المجتمعات إن مخاطر المشروبات الكحولية واضحة في جميع الأوساط الصحية والعلمية والإجتماعية ناهيك عن مساؤها الإقتصادية، فهي صحياً تؤثر على الكبد والقلب وكمية السكر في الجسم، وعلى نسبة الحامض البولي، وإجتماعياً تؤثر على العلاقات الأسرية، وقيادة السيارة، وأعمال العنف والقتل، وحوادث الإغتصاب الجنسي، وإقتصادياً تؤثر على حسابات الأفراد والأسر من ذوي الدخل المحدود. إنتهاكات حقوق الإنسان في العالم ويعاني العالم اليوم من إنتهاكات صارخة في مجال حقوق الإنسان ويظهر ذلك من خلال الحروب العدوانية التي تشنها الدول القوية على الدول الضعيفة بطريق الوسائل العسكرية أوالضغوط الإقتصادية. وتمارس الحكومات حالات الإعتداء على أفراد مجتمعها ومؤسساته المدنية التي تطالب بالحقوق الفردية والإجتماعية خصوصاً أصحاب الرأي ممن يمتلك عقلاً وضميراً حياً. إن إرتفاع نسب الجرائم المدنية والعسكرية يعد سبباً كافياً لقيام إنتفاضات وثورات شعبية بين حين وآخر للتخلص من تلك الحالات العدوانية الظالمة. التغير العام في السلوك الإجتماعي في العالم لقد شهد العالم تغيراً كبيراً في سلوكه الإجتماعي فيما يتعلق بالإنسان والمجتمع بشكل عام، خصوصاً في مجال إهتماماته بالمظاهر وفي شؤون الأحوال الشخصية وفي البحث عن المصالح المتعلقة بالمال و المنصب، ففي الشؤون المالية طغت المعاملات الرِباوية بشكل ظاهر، كما أنتشرت مظاهر الإنتهازية والوصولية في المجتمعات، وإن أخطر ماأصاب المجتمعات هو صعود طبقة فاسدة الى مواقع السلطة القضائية الأمر الذي ألحق الضرر البالغ بالناس وأدى الى إنتشار الفساد والفوضى في الحقوق والواجبات، كما أدى الى إضعاف العلاقات الإجتماعية وزيادة نسب الطلاق وكثرة الأولاد غير الشرعيين مع إزدياد نسب الجرائم الكبرى. وأصبح هم الأفراد هو الإهتمام بالمظاهر المادية دون أن يولوا الأسس الصحيحة التي تقوم على أساسها المجتمعات الفاضلة ، فالأديان تحاول بناء الإنسان الفاضل والمجتمع الفاضل والإهتمام تي تهتم بالجوانب التربوية والروحية والأخلاقية. خاتمة إن كل مايجري في العالم من إنتهاكات ومظالم، وماتعانيه الشعوب من حالات الفقر والمرض وإنتشار حالات الفساد الإجتماعي والسياسي لابد أن يلقي بظلاله على مستقبل البشرية وإن التأريخ يحدثنا عن أقوام حكمت بالظلم وأشاعت الفساد لكنها وفي نهاية المطاف تلقت ضربات قوية أنهكتها ورمت بها في مزابل التأريخ. إن مهمتنا الحاضرة تقتضي توعية أجيالنا المعاصرة من أجل درء مخاطر تلك المظاهر والظواهر السلبية المنحرفة، خصوصاً فيما يتعلق بالجوانب السلوكية والإجتماعية المرتبطة بجهات الفساد، ومنها العلاقات الجنسية غير المشروعة وغير الشرعية، وحالات الرشوة، والقمار، وشهادة الزور، والعلاقات الأسرية والإجتماعية الخاطئة. إن الدور الذي يقدمه لنا الإسلام من خلال القرآن الكريم وأحاديث العترة الطاهرة في تحصيل المناعة الكافية للحفاظ على السلوك والقيم والمبادئ التي تصون المجتمعات وتدعو الى الفضيلة وإنتصار الذات على دعوة الشيطان دعوات فاضلة لابد لنا من التمسك بها لخلق حصانة تنقذنا من هذه الهلكات.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |