لا لن يموت شط العرب
كاظم فنجان الحمامي
kfinjan@yahoo.co.uk
انصبت اهتماماتي منذ بضعة أعوام على الكتابة المعمقة عن مشاكل شط العرب وهمومه الموروثة والمكتسبة, الطبيعية والمصطنعة, المفروضة والمفتعلة, واستعنت في هذه المهمة الصعبة بجولاتي المائية الميدانية المتكررة, وهواياتي الملاحية التي مازلت أمارسها, على السفن الوافدة إلى موانئنا, وأتقنها بالحماس والاندفاع نفسه, منذ عام 1975 وحتى هذه اللحظة, وكنت حريصا على نشر كتاباتي في الصحف والمجلات المحلية والعربية, في الفترة من عام 2006 إلى عام 2010, فسجلت بقلمي وعدستي أجمل المشاهد الجغرافية والبيئية, وساعدتني خبرتي الطويلة في رصد اخطر المعوقات والموانع التي تقف في وجه موانئنا, وتحول دون تقدمها, وحالفني الحظ في استعراض مشاكل ممراتنا الملاحية, ومشاكل سفن الصيد, وما تتعرض له سفننا من مضايقات يومية متكررة في مسطحاتنا المائية, حتى تكدست على رفوف مكتبتي مجموعة كبيرة من المقالات والدراسات, التي نشرتها أولا على صفحات جريدة (المنارة), ثم نشرت الجزء الأكبر منها في جريدة (الزمان) في عمود ثابت تحت عنوان (على ضفاف شط العرب),
فتلقيت سلسلة من الطلبات المتوالية, حفزتني على جمعها ونشرها في كتاب يضمها جميعا, ليكون في متناول الباحث والقارئ, ويحقق للمكتبة العراقية بعض الإضافات العلمية والمعرفية, التي مازالت تفتقر إلى الكتب والدراسات المعنية بشؤون شط العرب ومقترباته الملاحية, من هنا ولدت فكرة هذا الكتاب, الذي سيحمل عنوان (على ضفاف شط العرب), فتقدمت بطلب أرسلته إلى إدارة جريدة الزمان, التي أبدت اعتذارها بذريعة عدم توفر باب للصرف المالي على مثل هذه النشاطات, وتوقفت عن التعامل معها احتجاجا على موقفها هذا, وشرعت على الفور بكتابة مقالة بعنوان (زكاة شط العرب), انتقدت فيها موقف الجريدة, وناشدت مؤسساتنا الوطنية بضرورة عدم التفريط بشط العرب, وطالبتهم بضرورة الإسهام بطباعة الكتاب. فجاء الرد سريعا من مجموعة كبيرة من عشاق شط العرب, كان في طليعتهم الكابتن البحري الشيخ فهمي حمود السعدون, ومعالي وزير الإسكان والتعمير الأسبق الأستاذ الدكتور عمر الفاروق سالم الدملوجي, والأستاذ عمار عبد الرحمن, والأستاذ الخبير فؤاد قاسم الأمير, والأستاذ الأديب علي عباس خفيف, والأستاذ مازن عوني (أبو كميل), والأستاذ الصحفي ريسان الفهد, والأستاذ المهندس حازم محمود كاظم, كانت مواقفهم الوطنية المشرفة تحتم عليّ تسجيل خالص شكري وامتناني في مقالة مخصصة لتوثيق مواقفهم النبيلة وسخائهم وكرمهم, فنثرت حروف أسمائهم في منعطفات شط العرب, وغرستها بين فسائل غابات النخيل المتسامقة بجذوعها الممشوقة القوام, لأنهم كانوا اصدق من غيرهم في التعبير عن الأصالة العربية المنبعثة من شرايين الوجدان الوطني المتفجر بالولاء المطلق لأرض الرافدين ومياهها وضفافها وسواحلها
سيصدر الكتاب قريبا بإذن الله, وستتولى طباعته إحدى الدور الوطنية العراقية المرتبطة ارتباطا صادقا بجذور شجرة الميزوبوتاميا, وستتكفل بتغطية نفقات طباعة ونشر وتوزيع الكتاب, الذي سيضم بين طياته باقة جميلة ومتنوعة من الكتابات الجيولوجية والهيدرولوجية والجغرافية والجيمورفولوجية والتاريخية والزراعية المرتبطة بشط العرب وخور عبد الله وشط البصرة, وسيضم باقة أخرى من المواضيع المتعلقة بمشاكل الطواقم البحرية, والمعوقات المينائية والإدارية والتشريعية, والحلول المقترحة لمعالجتها, والخطط التي ينبغي تبنيها لتذليل المصاعب وتجاوزها, ويضم الكتاب دراسة مفصلة تعكس حجم حاجتنا الملحة لتأسيس نواة السلطة البحرية العراقية, التي يفترض أن يكون مقرها الدائم في البصرة, إلى جانب سلسلة متعاقبة من المقالات الاستفزازية التي كتبتها عام 2009 وطالبت فيها بضرورة منح الجوازات البحرية للعاملين في سفن القطاع البحري العراقي الخاص, وبضرورة شمولهم بالرعاية الحكومية المركزية
هذه خطوة وطنية مخلصة في المسار الملاحي الصحيح, وسنقوم بخطوات أخرى في الاتجاه الذي يعزز مسيرتنا الرامية للارتقاء بمستوى موانئنا نحو الأفضل, ويمنحها الفرصة المؤاتية لتسلق سلم المجد والتفوق بجهود المخلصين من أبناء الرافدين, الذين كان أجدادهم أول من ركبوا البحر, وأول من صمموا السفن وبنوها من أعواد القصب والبردي, وأول من اكتشفوا الملاحة الفلكية, وأول من وصلوا إلى تخوم الصين, وسبروا أغوار الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب, وطافوا في بحار الله الواسعة, فكانوا أسياد البحار والمحيطات, وما هذا الكتابات إلا محاولة جادة, وخطوات مخلصة تسعى إلى استعادة أمجادنا البحرية, واسترداد حقوقنا الملاحية, والنهوض بواجباتنا المينائية على الوجه الأكمل, خطوات تكفل لنا النجاح في تقديم أفضل الخدمات, وأسرع التسهيلات للسفن الوافدة إلى موانئنا, وسنواصل مطالباتنا الحثيثة نحو إرساء القواعد الصحيحة لبناء السلطة البحرية العراقية على ضفاف شط العرب, وشتان بين الوطنية الحقيقية والوطنية المشفرة.