|
إستقالة واحدة لا تكفي
بشرى الهلالي يقول المثل المصري (إقطع عرق وسيح دمه).. فهل قطعت إستقالة وزير الكهرباء العرق أم أساحت دماءا؟ ربما تكون الثانية أكثر دقة، فقد كان ثمن الإستقالة سقوط قتيل وجرحى في التظاهرات.. ويبقى المواطن بعد إن ساح دمه بإنتظار قطع العرق أي وضع نهاية لمسلسل الكهرباء الذي سرق سنوات من الصبر. ومع إستقالة الوزير، تقلصت ساعات القطع وتضامنت الطبيعة مع القرارات الجديدة فعوضت نسمات الهواء الليلية الباردة عن الحاجة الى المولدات الكهربائية. وشارك المسؤولين المواطن همومه كما يقال بعد إن زارت ساعات القطع ولأول مرة في تاريخ العراق الحديث المنطقة الخضراء والوزارات ودور السادة المسؤولين، ليضع المواطن (رجل على رجل) ويشعر بالرضا كون رغباته أصبحت مستجابة وصوته صار مسموعا للمرة الأولى، فأخذته أحلام اليقظة بعيدا في شبه إغفاءة وراح ينفث دخان سيكارته وهو يستعرض الأكثر من ثلاثين وزارة ونشاطات كل منها في خدمة المواطن طيلة السنوات الماضية فوجد إن عليه أن يضع تقييما وفق تسلسلا تراتبيا فكان نصيبه الحيرة، فكل الوزارات تزاحمت على باب الإستقالة وصار من الصعب وضع تسلسل للبداية.. فقرر أن يحتفظ بخطته سرا لا يفصح عنه لأحد حرصا منه على عدم إحراج السادة الوزراء ومنحهم الوقت الكافي للاتفاق على منصب الإستقالة القادم خصوصا وإنه يدرك تماما بأن (إتفاقهم) لن يكون هينا لكنه ومن منطلق الغرور الذي تولد من الإحساس بالأهمية المنبعث من أول استجابة لمطالبه شعر بان إتفاقهم قد يكون سريعا فتنهال طلبات الإستقالة التي ستكون مفتاحا لعصر ينعم بالخدمات.. ليأتي الغد وقد توفرت المياه ليلا نهارا دون الحاجة الى نفخ الأنابيب وإستجداء قطرات الماء المدللة المنسابة عبر (ماطور المي) وستقفل صفحات المحليات في الصحف فلن تعد هناك شكاوى عن أراض زراعية إغتالها العطش وإجتاحها البوار، وربما لن يمر شهر قبل أن تبنى في كل زقاق مدرسة ويصبح لكل طالب مدرس فتنتفي الحاجة للدوام الثلاثي والدروس الخصوصية وتبرعات التلاميذ لشراء ستائر، وستفلس الجامعات الاهلية نظرا للطاقة الإستيعابية للجامعات الحكومية الجديدة بكل تقنياتها الحديثة، وسيختفي المشردون وباعة (المناديل الورقية) والمتسولين بسبب توفر الوظائف ودور الرعاية الإجتماعية وزيادة الرواتب والتقاعد، وستتوسع الطرقات بعد إختفاء (البسطيات) التي يديرها حملة الشهادات العليا والدنيا لإلتحاقهم بوظائف تليق بمكانتهم العلمية، وسيختفي البعوض والحشرات والحيوانات الضالة بعد أن تتحول التصريحات البيئية الى واقع ملموس يسعى لتنقية الهواء العراقي حتى من الأوكسجين.. وربما سيتم تعويض المفارز ب(إستراحات) للشرطة والجنود للعب الشطرنج وألعاب الكومبيوتر، وسيصاب تجار (المرور) بالإفلاس بعد أن توزع الأرقام البيضاء مجانا وتختفي من السنوية كلمة (حائز). وعندما وصلت أحلامه إلى آبار النفط ومشتقاته، لم يطمع بإمتلاك بئر بل بأن يعم اللون الأحمر كل أنواع (البنزين) ليصبح كله (محسن) وذلك تضامنا مع المشاعر البيئية في تخفيف (تبخير) ودخان السيارات وتقليل صوت (الدوانز) الذي يصم الآذان في الشوارع ليحول سيارات 2010 الى عربات خردة، وستبنى المسارح وتقام المهرجانات ويثرى الشعراء و..وأخيرا، يكون له بيت مستقل يحتضنه عند عودته من عمله لينقذه من علبة السردين التي يسكنها مع والديه هو وزوجته وأولاده الثلاثة، وبعد أن يتناول طعامه يخلد الى الراحة على أريكته الخاصة ليشاهد أخبارا وردية من على شاشة تلفازه (البلازما).. ودون أن يشعر رفع يده ليصفع ذبابة كانت تطن وهي تحاول إمتصاص حبات العرق التي تساقطت منه بعد إن إنتهت ساعتي البرمجة.. إستيقظ وهو يكاد يسقط مثقلا بأحلامه.. متخوما بخطته الجهنمية ليكتشف بكل بساطة وبلاهة بأن إستقالة واحدة لا تكفي..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |