|
يارا .. يسار ..روميو جوليت العراق حيدر قاسم الحجامي أبدع الكاتب والسيناريست العراقي احمد هاتف في كتابة ملحمة درامية عراقية رائعة تضاف الى سجل انجازات هذا الكاتب على المستوى الدرامي ،روى لنا حكاية الطائفية وتبعتها الاجتماعية والسياسية والثقافية وعوالمها الداخلية الرهيبة ، فهذه الحكاية ما زالت في قيد المسكوت عنهُ رغم تناولها إعلاميا لكنها ظلت تفتقد الى من يوظفها درامياً لتصل الى المتلقي بأسلوب سهل وسلس ومناقشة تداعياتها على حياته اليومية . حكاية احمد هاتف نقلت لنا جزءاً من الصراع الطائفي والسياسي بعد عام 2003 وما أصاب الفرد العراقي من ويلات وأزمات من جراء الاقتتال الطائفي وتفجر الشحن المذهبي بسبب التدخلات الإقليمية والعصابات التي ارتبطت ببعض الجماعات العراقية المتشددة وأبرزها تلك التي فقدت امتيازاتها (السلطة ) التي كانت تحظى بها قبل 2003 والجماعات الأصولية ذات التوجه التكفيري التي تحاول من خلال العنف فرض أيدلوجيتها على الواقع العراقي .المسلسل الذي أخرجه الفنان العراقي المعروف حسن حسني وشارك فيه نخبة من فنانين العراق ،امتاز بالجرأة والبعد عن الإسفاف والتهويل الإعلامي واقترب من المشهد الراهن بتفاصيله المروعة ، استمتع المشاهد العراقي في رمضان وهو يتابع إحداث مسلسل درامي عراقي جسد بطولته ِ ممثللان عراقيان هما المبدع علي عبد الحميد و الرائعة ريام الجزائري اللذان لم يعترفا بالطائفية السياسية ولا أعرافها وقيمها وفضلا وسط تلك الظلمة إن يعلنا عن حالة حبهما ، ليفتح هذا الإعلان المثير أبواب الصراع على مصارعها ويؤجج مشاعر الحقد والكراهية التي تعتمر في النفوس التي خربتها السياسة وأبعدتها الأجندة الضيقة عن القيم الإنسانية النبيلة في إن يتعايش شعب تآخى منذُ زمن على ارض العراق . إنهما بتمردها هذا اخترقا تابو محرم واجتازا منطقة حمراء يعتبر تجاوزها عبوراً على قيم المتصارعين وتحدي واضح لهم ولسطوتهم المقنعة بالطائفة والقومية والدين ، ورغم إن التمرد يعكسُ رغبة قوية لدى الشباب العراقي في كسر قيود الحرب وويلاتها ورفضاً للاقتتال الأهلي اللا مبرر ، إلا إن إعلان حالة الحب ظل خروجاً عن المألوف في مجتمع محافظ ، يعتبر إعلان الفتاة عن حبها بشاب جريمة تصل عقوبتها الى الموت ، فكيف إذا كان الهروب مع العشيق والخروج من العرف البطيركي الأبوي !! انه تصرف غير محسوب ومتهور ! أضاء المسلسل على مشاهد مهمة وواقعية لكنهُ اغفل مشاهد كان لظهورها شأن في إن يعطي العمل الدرامي بعدا أكثر موضوعية ، فالساسة الذين شاهدناهم ظهروا اجمعهم زعماء طوائف وقادة مليشيات مسلحة وبدوا وكأنهم في النهاية قادة موت وليسوا صناع حياة ، واعتقد إن جزء من هذا الطرح صحيح وواقعي ولكن لا يغفل إن البعض من ساسة ما بعد الاحتلال كانوا وطنيون ملتزمين بخطاب وطني معتدل ، ونأوا بأنفسهم عن الصراع الدامي وشلالات الدم المسفوحة لذا كان يجب إن نسمع الصوت الأخر ، فليس الجميع قتلة وطائفيون وقادة مليشيات !. ورغم ذلك شاهدنا حالات ركز عليها المسلسل وحاول إظهارها منها حالة التآخي الاجتماعي والتعايش الرائع الذي جسده الشباب في الجامعة إذ كانوا فوق الصراع الطائفي والقومي ولم تأخذ السياسة من تعايشهم وتعاونهم الكثير خصوصاً إذا ما شاهدنا وبوضوح الطالب المسيحي مارسيس الذي كان وفياً لصداقته ولم يعكس اختلافه الديني أي فارق بل كان عاملاً مساعداً في إنجاح خطة الهروب المستحيلة بوجه بطلا الحكاية (يسار) ، ورغم إن النهاية كانت متوقعة ومأساوية للغاية ، متوقعة لان التمرد على كل قيم هذا المجتمع الغريب يحتاج الى دفع ضريبة باهظة وهذا ما حدث فمصرع يسار الذي حاول جاهدا إن ينجح مهمته أراد من خلاله المؤلف إن يقول إن الصراع اكبر من أحلامنا وأعمق من أمنياتنا ومن أراد إن يتمرد فليستعد ليدفع ثمن ذلك .وإعدام(يارا ) كان أيضا متوقعاً لأنها كسرت قيدين كلاهما يؤدي الى الموت اخترقت عرفاً اجتماعياً يعتبر الخروج عليه محرماً، وتمردت على الطائفية السياسية التي كانت عائلتها واحدة من ذلك المشروع ، ولهذا فان حالة الانتقام كانت نتيجة حتمية لهذا التمرد المجنون . إن صناعة دراما بواقعية وتعالج مشاكل اجتماعية وسياسية وتنقض بنى ثقافية هي عملية جريئة وعملية بالاتجاه الصحيح ، ونجح الكاتب في خلق خطوط درامية أدت في النهاية الى تكوين صورة قريبة من الواقع ، وناقشت مشكلة العراق بإبعادها ولعل الجرأة تتضح حين نكشف للمواطن إن النفاق السياسي هو من كان ولا زال يقف سبباً في إيقاف عجلة الديمقراطية عن الدوران في هذا البلد الذي مزقته سنوات طويلة من الحروب أخرها الحرب الطائفية التي أكلت اخضر العراق ويابسه ولو لا حكمة العقلاء ووطنيتهم لاستمرت هذه الدوامة وأحرقت الجميع لان ثمة إرادة خارجية تضافرت مع إرادة داخلية للاستمرار في ذلك المشروع الخطير .وتبقى الدراما الجادة والملتزمة بهدف إنساني هي رسالة سامية تهدف الى التقويم لا هدم قيم المجتمع وترسيخ عادات وتصرفات غريبة عنه بحجة الحداثة.ما يحسب للعمل انه استطاع إن يبرز الشخصية العراقية المعتدلة الني ظهرت من خلال شخصية احمد الأستاذ الجامعي ذو الملامح العقلانية والتوجه الوطني الذي يدرك إن ما يدور لا يمت لهذا الوطن بصلة وانه صراع بالنيابة عن الآخرين أو لآجل مصالح فئوية ضيقة وان الخاسر الوحيد هو العراق ، فالمشهد الأخير كان رسالة لكل المشاهدين عندما كان يتلقى رصاصات المسلحين (الملثمين ) وهو يحمل الرضيع ، صرخ بأن ما يحدث هو الخطأ بعينه وان الإخوة العراقية ينبغي إن تسمو على الطوائف والقوميات ولا بد للعقل إن ينتصر على الرصاص ، ويدعو أولئك القتلة الى العدول عن جرائمهم ...انه صوت العقلاء وسط زحام البنادق الغادرة ..ولكن هل يعقلون .. !
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |