|
محمد ناجي دأبت منظمة العفو الدولية على متابعة وإصدار بيانات ومناشدات وتقارير عن حالة حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم ، ومنها عن العراق ، حيث أصدرت مؤخرا تقريرا من 60 صفحة ، معزز بالوقائع والصور ، بعنوان (نظام جديد والانتهاكات نفسها) . وقد أثار التقرير رد فعل سلبي واستياء المسؤولين العراقيين ، حيث أكد وكيل وزارة العدل بوشو إبراهيم في حديث لإذاعة العراق الحر :(( عدم صحة تقرير المنظمة ... )) ، كما صرحت وزيرة حقوق الإنسان لنفس الإذاعة : (( إن المعلومات التي وردت في تقرير منظمة العفو الأخير تنطوي على مبالغة في الأعداد والتوصيف ...)) ، أما المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء علي الموسوي فلم يكن متحفظا كزملائه ، الذين يعرفون تماما طبيعة عمل المنظمة ومدى مصداقية تقريرها ، فذهب بعيداً (( حيث شكك بالدوافع والغايات التي تقف وراء تقرير منظمة العفو الدولية ، مشددا على إن الأرقام التي تضمنها التقرير لا تقترب من الواقع ، بحسب رأيه )). إن المختصين والمتابعين لعمل المنظمة ، وحتى الحكومات التي تنتقد المنظمة ، تعرف بأنها تتعامل ، مع ما تحصل عليه من معلومات ووثائق ، بمهنية ومسؤولية وحيادية صارمة ، وهي ، دائما ، وكما في تقريرها الأخير ص 7 (( تستند إلى طيف عريض من الأبحاث ، بما في ذلك زيارة لتقصي الحقائق قام بها مندوبون عن منظمة العفو الدولية إلى إقليم كردستان العراق ما بين 30 مايو/أيار و 10 يونيو/حزيران 2010 حيث زاروا سجوناً تخضع لسيطرة "أسايش" - قوات الأمن الكردي- في أربيل ودهوك ، وتحدثوا إلى العديد من المعتقلين ، وكذلك إلى مدراء سجون وموظفين كبار في"أسايش . "وأجريت بعض المقابلات مع السجناء دون حضور موظفين ، بينما أجريت مقابلات أخرى بحضور الحراس. وتحدث مندوبو المنظمة كذلك إلى العديد من النازحين العراقيين الذي فروا من العنف ، وكذلك إلى ناشطين بشأن حقوق الإنسان ومنظمات نسائية وصحفيين وممثلين عن هيئات مختلفة للأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية ، كما أثاروا حالات فردية وبواعث قلق عامة أثناء اجتماعهم مع وزير الداخلية .)) وبعد ذلك فهي تقدم ملاحظاتها ، موثقة بالإسم والتاريخ، إلى المسؤولين وتنتظر إجاباتهم قبل النشر ، كما تشير في أكثر من مكان ومناسبة ومنها في ص 22 (( وقد أكدت وزارة الداخلية العراقية في كتاب خطي تلقته أسرة عبد الله العاني أنه ما زال معتقلاً إثر قبض قوات الولايات المتحدة عليه في 10 يوليو/تموز 2008 ، ولكن "قوات الولايات المتحدة – العراق" لم ترد بعد على طلب منظمة العفو الدولية توضيح أسباب نقله إلى حجز قوات الأمن التابعة للسلطات الكردية ووضعه القانوني الراهن ومكان وجوده .)) وكذلك في ص 37 (( وقد نشرت منظمة العفو الدولية عدة تقارير توثِّق استخدام التعذيب على نطاق واسع في العراق ، وأثارت بواعث قلقها في هذا الصدد في مراسلات مكتوبة مع السلطات العراقية )) والذي يقرأ التقرير يجد إن منظمة العفو إعتمدت في جزء كبير منه على معلومات موثقة وأرقام وإحصائيات صادرة من الجهات الرسمية العراقية نفسها ، وفي المقدمة منها تقارير وزارة حقوق الإنسان العراقية . وهي تذكر ذلك مثل ما ورد في ص 18(( لاحظ التقرير السنوي لوزارة حقوق الإنسان العراقية للعام 2009 أن العديد من المعتقلين محتجزون في مراكز اعتقال تخضع لسيطرة وزارتي الدفاع والداخلية ، حيث يجري استجوابهم من قبل ضباط التحقيق بصورة روتينية دون حضور محامين ، ما يزيد من احتمالات تعرضهم للتعذيب . ويشير التقرير إلى رسالة بعثت بها "نقابة المحامين " إلى وزارة حقوق الإنسان في7 يوليو/تموز 2009 تحث فيها الوزارة على التدخل لدى وزارتي الدفاع والداخلية كيما تزيلا العقبات التي يواجهها المحامون الذين يحاولون الاتصال بمعتقلين محتجزين في مرافق تخضع لسيطرة الوزارتين )). وأيضا ص 32 (( وقد وثَّقت وزارة حقوق الإنسان العراقية 574 من مزاعم التعذيب خلال 2009 ، منها 327 ضد موظفي وزارة الدفاع و 56 ضد "البيشماركة " ، ولكن هذا لا يمثل بالتأكيد سوى رأس جبل جليد ضخم . )) وكذلك ما ورد في ص 40 عن حادثة وفاة 7 معتقلين (( وفي 15 مايو/أيار ، نُقل عن وزيرة حقوق الإنسان قولها إنه يتعين تقديم المسؤولين عن وفاة هؤلاء إلى ساحة العدالة)) وأيضا في ص 36 (( وفي منتصف يونيو/حزيران 2009 ، ذكر عضو في البرلمان العراقي أن ما يربو على 21 معتقلاً من الذكور ، بمن فيهم 11 محتجزون في سجن الرصافة و 10 محتجزون في سجن الديوانية في جنوب العراق ، قد تعرضوا لاعتداءات جنسية عليهم من قبل منتسبين لقوات الأمن. واعترف موظف كبير في وزارة الداخلية بأنه قد ارتكبت " انتهاكات وتجاوزات ضد المعتقلين في سجون الوزارة" واتهمت هيئة لحقوق الإنسان تابعة لمحافظة الديوانية قوات الأمن العراقية بتعذيب المعتقلين أثناء استجوابهم لانتزاع اعترافات منهم . وتمكن محققون تابعون لوزارة الداخلية من تحديد وجود كدمات على أجسام 10 من 170 سجيناً في سجن الديوانية قالوا إنها يمكن أن تكون قد تسببت عن التعذيب أو غيره من صنوف سوء المعاملة .)) ... وغير هذا ورد في أكثر من صفحة في التقرير لا نريد هنا أن نستعرض التقرير الذي تضمن انتهاكات عديدة ومتنوعة لحقوق الإنسان ، ضمنها الدستور والقوانين العراقية والمواثيق الدولية التي وقعت عليها الحكومات العراقية ، وآخرها اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعت عليها حكومة المالكي عام 1988 ، بل نود الإشارة إلى أن المنظمة تتمتع باحترام ومصداقية عالية في المنظمات والمجتمع الدولي . وهي تدافع عن حقوق الإنسان ، بغض النظر عن لونه وعرقه وجنسه ودينه وانتمائه ورأيه أو نظامه السياسي . وسبق لها ودافعت عن حقوق الإنسان العراقي ، في أكثر من مناسبة ، وحيثما توفرت لها الوثائق ، وخاصة حين سمح لها النظام البائد بالزيارة اليتيمة للعراق عام 1983 ، حيث قدمت على إثرها تقريرا فضحت فيه ممارسات النظام القمعية وطالبته بحل مؤسساته غير القانونية ومحاكمه الاستثنائية ، مثل محكمة الثورة سيئة الصيت ، وكذلك "نضالها" لإدانة النظام البائد عن جريمة حلبجة في جلسات وأروقة الأمم المتحدة . وهي اليوم ، كعادتها ، تقدم تقريراً مهماً يتضمن انتهاكات جسيمة وصلت حد القتل ، لا يمكن معها التساهل وقبول "تطنيش" المسؤولين ، والسماح بتمريرها بحجة الحالة الاستثنائية والوضع الحرج للعراق . ولذا نرى من غير المناسب أن يكرر المسؤولون في النظام "الديمقراطي" الجديد ، الذي تتصدر دستوره الدائم الآية الكريمة ((ولقد كرمنا بني آدم)) نفس مزاعم وأساليب النظام الدكتاتوري البائد الذي كان همه الأول والأخير " أمن الحزب والثورة " فسحق الإنسان ودمر البلد ، وعليهم التعامل بجدية مع ما ورد من انتهاكات وتفنيد ما يعتقدون أنه غير دقيق بالوثائق والأرقام ، وبمهنية تتناسب ومستوى التقرير ، والحالة الحرجة والمزرية لحقوق الإنسان في العراق ، بعيداً عن التصريحات الصحفية الفضفاضة ، والتي لا يؤمن بها حتى أصحابها ، والتي تشير إلى فجوة واضحة ، وفاضحة ، بين الشعارات والإجراءات الشكلية البروتوكولية والواقع المر ! ولابد من الإشارة إلى مسؤولية أصحاب الأقلام والكلمة الحرة ودعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وضرورة أن يرفعوا أصواتهم في فضح هذه الانتهاكات ، التي ترتكز على ثقافة الاستبداد ، المتجذرة في الشارع العراقي ، والتي تعيق قيام نظام ديمقراطي حقيقي ، يحفظ حقوق وكرامة الإنسان وكما تؤكد المنظمة بحق فـ(( إن السجل الزاخر بضآلة الإجراءات أو بعدم اتخاذ أي منها للرد على انتهاكات حقوق الإنسان ما انفك يفاقم ثقافة الإفلات من العقاب التي ما برحت قوات الأمن العراقية تستظل بها لوقت طويل . ولا بد من اتخاذ خطوات عاجلة ذات مغزى لضمان إمكان تقدم العراق نحو حقبة جديدة من عدم التساهل بشأن انتهاكات الحقوق الأساسية للبشر . )) .... وكما هو معروف وملموس ، منذ عقود ، في العراق فإن الإفلات من العقاب يؤدي لتكرار الجريمة .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |