الكون ذلك المجهول؟

 

جواد بشارة
jawadbashara@yahoo.fr

يقول المثل:" إذا كان الطفل يخاف من الظلام فإن الإنسان يخاف من العدم"، فما هو العدم، وهل هو موجود حقاً؟ وهل هذا الأخير حقاً هو أصل الكون الذي انبثق منه؟ وماذا بوسع البشر أن يتخيلوا إزاء لغز الكون؟ إنه العجز التام بلا شك أمام هذه الأسئلة الميتافيزيقية والتي من المؤكد أنها ستصبح فيزياء الغد. فالإنسان يمتلك الذكاء والعقل وملكة التفكير والوعي بما يدور حوله، ويمكنه أن يدرك ويفهم ويستوعب ولو بحدود في الوقت الحاضر، وهنا تكمن قوته وضعفه في آن واحد. وكلما تراجعت حدود المجهول أمامه، بفضل العلم والتقدم العلمي والتكنولوجي المذهل والسريع، كلما ظهر أمامه مجهول آخر جديد، أعمق وأعقد وأشد غرابة ولغزاً. البعض قرر أن يعتبر هذا المجهول هو " الله"، أو أطلق عليه هذه التسمية، والبعض الآخر أسماه الطبيعة وقرنها بالصدفة أو أعتبره هو قوانين الطبيعة الفيزيائية والكيميائية والبيولوجيةـ التي ندركها ونلمسها وندرسها ونتأثر بها لكننا لا نعرف سرها فهي المجهول بعينه. ثم أعلن هذا الفريق اعتقاده بالعلم وتصديقه له وحده، ولكن أي علم؟ وما هي حدود العلوم الحالية مجتمعة في سبر وكشف أغوار الحقيقة المطلقة، وهل هناك حقيقة مطلقة؟

من نيوتن إلى آينشتين وما بعدهما، إلى يوم الناس هذا، يتوسع الأفق وينفتح على "المالا نهاية "، خاصة في ميادين الروبوتيزم robotisme الذكاء الصناعي intelligence artificielle والباراسيكولوجيا parapsychologie والبارا نرومال paranormale، أي مجالات التصنيع للإلات والإنسان الآلي التي ستحل تدريجياً محل البشر في تأدية الوظائف والخدمات، وظواهر ما وراء علم النفس وما يتجاوز الواقع المألوف، فظلاً عن الاكتشافات العلمية في مجالات الفلك والفضاء والهندسة الوراثية وعلم الجينات والاستنساخ الخ.. ومع ذلك يبقى اللغز ماثلاً إلى الأبد. آخر الإنجازات العلمية للإنسان الحديث، وليس أخيرها بالطبع، الصور المذهلة التي ستحدث ثورة في عالم المعرفة الكونية والتي أرسلها القمر الصناعي والتلسكوب الفضائي الأوروبي المتطور جداً بلانك satellite Planck والذي أطلق خارج مدار الأرض على بعد 1.5 مليون كلم في آيار مايو سنة 2009 بمهمة عظيمة وهي دراسة معمقة لعمر ومحتوى الكون وتوسعه أو تمدده. وفي الخامس من تموز 2010أرسل تلسكوب بلانك صورة واضحة و على درجة عالية من الدقة haut définition لطفولة الكون حيث كانت تلك الصور عند وصولها إلى الأرض منبع سعادة لا توصف للمتصدين لموضوعة ولادة الكون وهم لفيف من العلماء كانوا ينتظرونها في جميع أنحاء الأرض بتلهف. وتعود الصورة إلى تاريخ 380000 سنة بعد ولادة الكون إثر حدوث الإنفجار العظيم البيغ بانغ Big Bang في وقت لم تظهر فيه بعد لا المجرات ولا النجوم ولا الكواكب التي نعرفها في كوننا المرئي univers visible، حيث أظهرت الصورة، بعد التحليل العلمي الدقيق، تفاصيل لمناطق ذات الحرارة المرتفعة جداً جداً والتي أدت فيما بعد إلى انبثاق ركام المادة والتي تطورت بدورها إلى سدم ومجرات وغازات أغبرة كونية والتي صرنا نرصدها اليوم بما فيها مجرتنا درب التبانة la voie lactée. ويستمر تلسكوب بلانك الفضائي في رصد أعماق الكون إلى حدود 13.7 مليار سنة ضوئية حيث سيسجل آلاف الصور والتي بفضله ستمكن الأوساط العلمية الفلكية والفيزيائية والمتخصصة بعلم الكونيات والفيزياء النظرية، من رسم خارطة طفولة الكون في لحظاته الأولى، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الصور الأخيرة جاءت أدق وأوضح ألف مرة أكثر من آخر صور أرسلها القمر الصناعي والتلسكوب الفضائي الأمريكي كوب Cobe الذي أطلق سنة 1992، وكذلك أدق وأوضح 32 مرة من الصور التي أرسلها القمر الصناعي والتلسكوب الفضائي دبليو مابW map الذي أطلق سنة 2002، وكانت تلك الأقمار قد كشفت عن وجود الإشعاع المتحجر rayonnement fossile الذي يملأ أرجاء الكون المرئي ويمثل الأثر الباقي لعملية ولادة الكون، وإن دراسته ستتيح لنا معرفة سر النظام الكوني، وهو النظام الذي جعل الثوابت الفيزيائية les constantes physiques قائمة منذ أصغر جزء من الثانية الأولى للانفجار العظيم كسرعة الضوء والثقالة أو الجاذبية، وتكون ثابتة لا تتغير منذ فجر الوجود الكوني الظاهر، وما هي إلا محاولة لمقاربة العلة الأولى cause première التي حبذ البعض تسميتها بـ " الله"،وهو ما اعترض عليه العالم البريطاني الفذ ستيفن هوكينغ stephen Hawking الذي أكد في كتابه الأخير " التصميم العظيم The Grand Design " الذي صدر في التاسع من أيلول سبتمبر 2010، والذي ذكر فيه أن الكون المرئي لم يكن بحاجة إلى " الله" ليخلق أو ينبثق وهي فرضية تستند إلى أن عملية نشوء الكون جاءت نتيجة لقوانين فيزيائية طبيعية وليس من جراء تدخل إلهي، وأن تلك القوانين، لا سيما الجاذبية أو الثقالة، هي التي قادت إلى حدوث الانفجار العظيم، والحال أن ستيفن هوكينغ قد يكون محقاً ولكن بصورة نسبية لأنه لم يردم الهوة أو الثغرة التي توسم نظريته فيما يتعلق بأصل ومنشأ تلك القوانين الفيزيائية وسرها، والتي وجدت مع بداية الكون المرئي، بل وربما سبقته، حيث يقول علماء آخرون أنه لا يمكن للكون أو يوجد بالصدفة أو ينبثق وحده من العدم بل حدث تبعاً لقوانين منظمة وصارمة ودقيقة أوجدت لتسير الكون المرئي، وهي ذات القوانين التي اكتشفها الإنسان من اللامتناهي في الصغر infiniment petit إلى اللامتناهي في الكبر infiniment grand،ومن بين هؤلاء العلماء الذين يقولون بهذا الرأي، العالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل سنة 1978، روبرت ويلسون Robert Wilson الذي تحدث عن " ضرورة وجود شيء ما". أما العالم ماكس بلانك Max Planck أحد مؤسسي ميكانيك الكم أو الكوانتا mécanique quantique فتحدث عن ضرورة وجود " نفس أو ماهية واعية وذكية تقف وراء عملية تكون الكون" وهو الأمر الذي سيكشف النقاب عنه قريباً تلسكوب بلانك الفضائي ويسمح لنا ربما بفك شيفرة code الكون السابقة لوجوده المادي وقبل تشكله كما يعتقد العالمان الفرنسيان التوأمان غريشكا وإيغور بوغدانوف Grichka et Igor Bogdanoff

كانت بوادر الفيزياء الجديدة قد ظهرت في بدايات القرن المنصرم مع ظهور نظرية النسبية ونظرية الكم أو الكوانتا. وفي سنوات الخمسينات من القرن العشرين أعلن عالم الفيزياء الأمريكي جون ويلر john wheeler الأستاذ في جامعة تكساس أمام الجمعية الفيزيائية الأمريكية، قائلاً:" ينبغي عدم اعتبار الجسيمات الكمية أو الكوانتية particules quantique ذات ملامح مسبقة التصميم بل احتمالية السلوك حسب المراقب، وبالتالي فإن حساسية وسلوك الفوتون خاضعين لاختيار المراقب وجهاز المراقبة والرصد مما يقدم لنا دليلاً على أن الكون في المستوى الكوانتي أو الكمي niveau quantique يكون في حالة تشوش وعدم وضوح". بعبارة أدق وأوضح، لم يعد ممكناً لنا أن نعتبر الكون مكون من مواد فحسب، وإنه موجود خارج إدراكنا بل علينا أن نعتبره مكون من برنامج حاسوبي عاقل وذكي logiciel intelligent موجود في مكان ما أي بإمكاننا اعتبار الكون غير مكون من مادة وطاقة بل من معلومة بحتة information pure ولو كان ويلر wheeler محقاً في فرضيته، التي تبناها بعده بسبعة عقود الأخوة بوغدانوف Bogdanoff، لتعين علينا أن نتوصل إلى هذا الاستنتاج منذ زمن بعيد، منذ أن تقبل العلم والوسط العلمي نظرية النسبية الخاصة والعامة لآينشتين La relativité d’Einstein، وقد تحدث علماء الفيزياء، بعد ذلك، عن الجاذبية أو الثقالة، باعتبارها مجرد انعكاف أو التواء، أو مجرد خاصية هندسية propriété géométrique للزمكان espace-temps وهذا يعني بشكل ضمني أنها غير مكونة من جوهر مادي وطاقوي بل هي نوع آخر من التشفيرcodification والتقنين للمعلومة information على يد الطبيعة، بالرغم من تفضيل علماء الفيزياء ربط الجاذبية أو الثقالة بنظيرها أو قرينها على مستوى الكوانتا والمعروف باسم الغرافيتونات gravitons الافتراضية. وإذا كانت الغرافيتونات موجودة بالفعل يبقى السؤال التالي قائماً مم تتكون الكموم أو الكوانتات Les quantas ؟ الجواب الافتراضي هو أن الكوانتات أو الكموم، على غرار الواقع الأساسي للكون، إن هي إلا سلسلة من الحقول أو المجالات série de champs، والحال يمكن طرح نفس التساؤل، مم تتكون تلك الحقول أو المجالات؟ هذا هو السؤال العصي على الإجابة بالنسبة للعلماء لحد الآن. لقد بدأ عدد من الفيزيائيين بالاعتقاد بأن الفراغ، أو ما نعتبره نحن فراغاً، يمتلك في الواقع جوهر أو ماهية معقدة وغامضة جداً. وحسب تجارب العالم الفيزيائي ويلر wheeler في سنوات الخمسينات من القرن المنصرم والاكتشافات الحديثة، اعتبر العلماء، في مستوى اللامتناهي في الصغر niveau de l’infiniment petit، بأن المكان الفارغ l’espace vide هو مقر لنشاطات أكثر اضطراباً وتشوشاً turbulents ويرى العلماء في تلك العواصف العنيف للفراغ نشاطاً يخلق باستمرار جسيمات أخرى جديدة سرعان ما تفنى، ولأغلبها فترة حياة من القصر بمكان حتى يمكننا اعتبارها افتراضياً غير موجودة لذلك سميت بالجسيمات الافتراضية particules virtuelles إلا أنها أكثر وأهم من التجريدات abstractions التي تظهر في معادلاتها الرياضية. إذ مهما كانت شبحية fantomatiques و وقتية عابرة أو سريعة الزوال éphémères إلا أنها تتدافع حول الذرات في عالمنا عندما تظهر ويمكن حساب تأثيراتها فيزيائياً، مما جعل عدداً من علماء الفيزياء يفكر بأن ما نعتبره واقعاً في كوننا المرئي قد يكون منبثقاً من هذه الفراغ أو الخواء الفائر أو الهائج، وإن الواقع réalité هو ما سيكونه الفراغ عندما يصاب بالسأم.

وإذا كانت الكموم أو الكوانتات les quantas تأتي من الفراغ، أو بعبارة أدق، من بنى أو بنيات معينة في العدم، فماذا يكون العدم المنظم néant structuré إلا تعبيراً آخر أو تنويعاً للتعبير عن المعلومة المشار إليها أعلاه؟ وكأننا بذلك كلنا مسجلون على الريح كما يقول المثل، وإن الشيء الوحيد الموجود فعلاً هو العدم بصيغته المعلوماتية الحاسوبية informatique وكلما أوغلنا في الأسرار الجوهرية للمادة سنصل مرة أخرى لشبح مهيمن، وإن شبح المعلومة هذا spectre de l’information أو هذا العدم يدعونا لمنحه وقتاً إضافياً للتأمل والتقصي والبحث. وسنظل نسبح في بحر الظلمات ونتقدم من سر إلى سر أعمق وأكثر غرابة وغموضاً في كوننا المرئي الذي نتساءل دوماً هل هو مغلق أم مفتوح؟

من هنا يحق لنا أن نفترض أن الحدود القصوى للجوهر التكويني الأولي للكون المرئي هو معلومة حاسوبية information informatique، والسؤال هو إذا كانت هذه المعلومة مجردة أو خالية من أية ماهية أو جوهر مادي substance ومن أية طاقة énergie فكيف تمكنت من جذب الأشياء وتماسكها أو نقلها من مكان لآخر؟ الحقيقة لا يمكن الإجابة على هذا السؤال الآن بمستوانا العلمي والتقني الطفولي أو البدائي رغم مظاهره المدهشة اليوم. ولكن يمكن البحث عن مؤشر لجواب أولي تسعفنا به ميكانيك الكم أو الكوانتا بخصوص التفاعل الظاهر apparente interaction بين الراصد والمرصود l’observateur et l’observé. فالتبادل الحاسم والأساسي الناجم بين أفكار المراقب أو الراصد وواقع الفوتون لا يبدو أمام أعيننا كصيرورة سببيةprocessus causal أو طاقوية énergitique معروفة، فلا يوجد هناك أي تيار للطاقة أو جسيمات تنطلق من نفس أو روح المراقب أو الراصد لتقود الفوتون لإحدى الجهتين المحددتين له كما بينت التجارب المختبرية في هذا المجال، بل أننا هنا إزاء صيرورة غير معروفة أو غير مسبوقة تتمثل بعلاقة السبب والنتيجة أو العلة والمعلول لكنها غريبة عن الصلة أو العلاقة القائمة بين المادة والطاقة التي ندرسها ونعرفها، إنما هي علاقة موجودة فقط في مجال المعلومة Domaine de l’information. وبهذا الصدد يتحدث العالم جون ويلرJohn wheeler عن مشاركة المراقب أو الراصد وينوه إلى أن هذه هي إحدى الوسائل التي يؤثر فيها "عدم" المعلومة le néant de l’information، أو يمارس من خلالها تأثيره على عالمنا أو كوننا المرئي الفيزيائي والمادي. وقد كان العالم ويلر مقتنعاً منذ منتصف القرن الماضي أن علم الفيزياء كان على أعتاب ثورة علمية جديدة من شأنها أن تقلب الموازين كما فعلت نظرية النسبية لاينشتين وسماها " فيزياء المعرفة والاستكشاف la physique de la reconnaissance أو فيزياء الدلالة physique de signification واعتقد أنها ستسلط الضوء وتوضح جوهر وسر القوانين الفيزيائية. وذهب غيره من العلماء إلى ابعد من ذلك عندما اعتبر " الوعي conscience " بمثابة المعلومة البحتة l’information pure وبالتالي فإن مشاركة أو مساهمة المراقب أو الراصد يمكن أن تكون مسؤولة عن فعل الإدراك في الدماغ cerveau. وفي هذا المجال اكتشف العالمان الفيزيائيان المتخصصان بالليزر، وهما هارولد بتهوف Harold puthoff و روسل تارغ Russell Targ من معهد ستانفورد للأبحاث في كاليفورنيا، Sanford Research Institut SRI، طريقة غير مألوفة للنفس البشرية للتأثير في التفاعلات الجارية على صعيد الكم أو الكونتا niveau quantique وأعلنا أن بوسع المرء أن يرى عن بعد رغم طول المسافات الفاصل بين الشخص والحدث، وإن لدى البشر القدرة على وصف الأشياء والأماكن بدقة بالرغم من وجودهم في أماكن بعيدة جداً وفي عزلة تامة حيث تقطع عنهم كافة وسائل الاتصال والتواصل كما لو أنهم يستخدمون مستوى المعلومة الكونية information de l’Univers كوسيط بينهم وبين تلك الأماكن البعيدة عنهم. وقد أثبت العالمان هذه الفرضية العلمية عبر تجارب علمية ومختبرية جادة للتأكد من صحتها ولكن المجال لا يسمح هنا لعرض تفاصيل تلك التجارب الممتعة. وهي تؤكد نظرية ويلر عن " الكون الدال". وقد قدمت التجارب والتقنيات الحديثة دلائل صارخة على أن الجوهر التكويني النهائي للكون المرئي substance ultime du cosmos، قبل خروجه للعالم أو الوجود الفيزيائي المادي القابل للرصد والمراقبة والحساب والدراسة والقياس والتحليل، كان مجرد معلومة حاسوبية وليس مادة وطاقة. فالطاقة والمادة ظهرتا بعد نشأة الكوني المرئي بزمن يصعب علينا إدراكه أو حسابه بدقة. وكما كان الفلاسفة يقولون :" لم تعد المادة والطاقة هما العملة المتداولة في مملكة الكون بل المعلومة الحاسوبية هي العملة المتداولة في المستقبل ولكن على مستوى آخر من الواقع أو على صعيد آخر للوجود. وهذا ينطبق كذلك على القوانين الفيزيائية التي تقود وتسير العالم الموضوعي monde objectif كما تؤطر مبدأ الأسباب والنتائج أو العلة والمعلول، وحيث تتلاشى حواف أو حدود وتخوم الزمن les bornes du temps. فعلى صعيد اللوحة المعلوماتية الكونية tableau informatique cosmique يعتقد أن هناك قوانين خاصة غير مرئية أو ملموسة ومجهولة من قبلنا هي التي تتحكم وتسير المستوى المعلوماتي السابق للكون المادي والتي لا تزال موجودة ولكن في أبعاد أخرى وأكوان أخرى غير مرئية وغير قابلة للرصد والمراقبة في الوقت الحاضر.

العالم الفيزيائي الأمريكي فريدكن Fredkin مقتنع بأن المعلومة الكونية ليست من اختلاق النفس البشرية بل هي موجودة منذ الأزل وتنتظر التكنولوجيا المتطورة جداً والملائمة التي سوف تتيح لنا إمكانية دراستها تجريبياً empiriquement وسيتم الكشف في الوقت المناسب عن الخصائص والميزات الشمولية للمعلومة الكونية حيث يوجد قانون لحفظ المعلومة على مستوى اللوحة الكمية أو الكوانتية مثلما يوجد قانون للحفاظ على المادة والطاقة في مستوانا الوجودي الفيزيائي والمادي. الأمر الأكيد هو وجود قواعد غير مكتشفة بعد تتيح للحاسوب أو الكومبيوتر الكوني ordinateur cosmique أن يعمل، وللتجليات البيانية أو البيانات المرسومة التي يخلقها الحاسوب الكوني أن تظهر وندركها نحن على مستوانا الوجودي كالالكترونات والبروتونات والجسيمات ما دون الذرية في حركتها الدؤوبة، والتي على ما يبدو تخضع لتلك القوانين الشمولية lois universelles، كما لو أن الكون المرئي يدار من قبل كومبيوتر كوني عملاق ordinateur universel مثل الذي أشير إليه في التحفة الفنية السينمائية ماتريكس Matrix. وقد علق العالم الفيزيائي الحائز على جائزة نوبل للفيزياء ريشارد فينمان Richard Feynman قائلاً:" إن أهمية أي قانون فيزيائي لا تكمن في العبقرية البشرية التي اكتشفته بل في قدرة الطبيعة على صياغته ووضعه موضع التطبيق والعمل ليقوم بوظيفته ومهمته". أما فريدكن Fredkin فيقول أن الكون مخترق بنوع من الذكاء أو مجبول بعقل مفكر وعاقل وإن القول بأن الكون مدار من قبل كومبيوتر لا يقل خطلاً عن قول الفيزيائيين التقليديين بأن الكون محكوم بجملة من المعادلات التفاضلية". وإذا كان فريدكن محقاً، وإن تفعيل القوانين الخفية أو المجهولة هي التي تسمح للكومبيوتر الحاسوب الكوني بالعمل على المستوى المعلوماتي niveau informatique، فإن ذلك سيجعلنا نفهم، ليس فقط كيف، وإنما لماذا، تعمل القوانين الفيزيائية أي الطريقة والسبب الذي يجعلها تقوم بعملها، حيث سيأتي دور الفيزياء الدالة La physique significative التي أطلقها ويلر wheeler والتي تعتبر بمثابة الثورة العلمية الثالثة أو العصر العلمي الثالث بعد عصر غاليله وكبلر وهو الأول، حيث تم التعرف على الحركة في الكون دون شرح أو تفسير علمي لها، والعصر العلمي الثاني هو عصر نيوتن وآينشتين ونظرية الكوانتا أو الكم حيث عرضت قوانين التغيير، والعصر العلمي الثالث الذي هو عصر فك شيفرة القوانين الفيزيائية ذاتها ومعرفة سرها وأصلها Le déchiffrage des lois physiques علماً إن إعادة النظر، وإعادة نقويم مفاهيم المادة والطاقة لصالح المعلومة الحاسوبية الكونية لن يتم بسهولة ويسر وبدون مقاومة. فليس من السهل التخلي عن الأداة أو المادة الفيزيائية التي يتأسس عليها وجودنا واستبدالها ببرنامج دلالي logiciel de signification أما سبر أغوار هذا الحاسوب الكوني ومعرفة أسرار الكون الدال ومستوى اللوحة المعلوماتية فسوف يكون في مناطق تقع ما دون الكوانتات أو الكموم بكثير عندما تسمح لنا التكنولوجيا المستقبلية بالولوج إلى مستويات لوجود أصغر بكثير مما توصلنا إليه اليوم في مجال اللامتناهي في الصغر. كان آينشتين مضطرباً حتى آخر أيام حياته ومسكوناً بفكرة أن يكون للنفس البشرية L’esprit humain صلة بالواقع الأقصى والنهائي لعالمنا أو لوجودنا، وكان مبعث حرجه وتضايقه يتضاعف ويزداد عندما يدفع هذه الفكرة إلى استنتاجها أو خاتمتها المنطقية حيث لاحظ إنه إذا كان الراصد أو المراقب البشري يمكن أن يشوه أو يحرف حدثاً كوانتياً أو كمياً événement quantique بواسطة فعل المراقبة والرصد فحسب، فلا يكون هناك مانع أو سبب يستبعد إمكانية وجود راصد أو مراقب آلي أو غير بشري يقوم بنفس الفعل ويقوم بنفس التأثير، وقال ساخراً بهذا الخصوص:" لا أستطيع أن أقتنع بأن مراقبة فأر للعالم، ولو بدرجة معينة أو محدودة من الوعي، يمكن أن تغير العالم" في حين أن ميكانيك الكم أو الكوانتا يؤكد ذلك. وللخروج من هذا المأزق قال ويلر بأنه قد لا يوجد شيء في عالم الكم أو الكون الكوانتي L’univers quantique إلا بعد أن يتم رصده ومراقبته من قبل كيان أو جهة مراقبة ما سواء أكان من قبل مراقبين أذكياء وعاقلين أو بيولوجيين أو ميكانيكيين وقد يكون الكائن الراصد أو المراقب يتمتع بذكاء صناعي أو إنسان آلي ذكي يفكر ويشعر وقد يمتلك هذا الكائن الآلي نوعاً من الوعي conscience الذي نجهله أو لا نعرفه الآن إلا أن العلماء يخافون من فكرة وجود غير مادي. الجدير ذكره هو أن ميكانيك الكم أو الكوانتا هي التي أوجدت فرضية تعدد العوالم أو الأكوان المتعددة mondes multiples التي تقول أنه إذا وجدت بالفعل كل الأكوان الممكنة الوجود فعلينا أن نتقبل حقيقة أن القوانين الفيزيائية التي تشكلها وتسيرها ليست متشابهة وليست هي نفسها التي قادت وأشرفت على عملية نشوء وتطور الحياة التي نعرفها. ففي بعضها قد يكون هناك تغير طفيف أو كبير وجوهري أو بما فيه الكفاية في إحدى القوى الجوهرية كالثقالة أو الجاذبية يؤدي إلى انهيار النجوم على نفسها في لحظة حرجة في باكورة حياتها وبداية تطورها مغرقة تلك الأكوان بإشعاعات إكس X المميتة، وأخرى ظلت ميتة منذ لحظة ولادتها ولم يحدث فيها شيء مهم. فقط بعض الأكوان النادرة ومنها كوننا المرئي كانت محظوظة بامتلاكها قوانين فيزيائية منسقة ومنتظمة بدقة ومتجانسة بالصورة المطلوبة لكي تصبح واعية conscients. المناصرين لمبدأ الأنثروبي anthropique لا يكتفون بهذا التفسير ومنهم عالم الفيزياء روبرت ديك Robert Dicke من جامعة برينستون الذي علق قائلاً :" إذا كانت تلك الأكوان المتعددة تبقى عصية علينا وغامضة ومجهولة فما فائدة الحديث عنها ودراستها؟" أما ويلر صاحب فرضية تعدد الأكوان فقد رد قائلاً أنه لا يتقبل مفهوم التعدد اللانهائي للأكوان لأن ذلك سيرمي نظريته في سلة الميتافيزيقياmétaphysique وصرح أنه مستعد للحديث عن كون لا محدود ومتعدد الأبعاد وأن وجود مراقبين وأجهزة مراقبة ورصد هي التي تؤدي إلى ضرورة اللجوء إلى فرضية تعدد الأكوان لتفادي المفارقات والتناقضات والانسدادات التي تظهر في المعادلات الرياضية المتعلقة بها. وبعد هذا كله نصل إلى بديهية أن الكون الذي نبحث فيه وعنه يبقى لغزاً مجهولاً على البشر إلى أمد طويل قد يستغرق ملايين السنين


  العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com