|
لماذا نحن ضعفاء في اللغات العالمية؟
أ.د. محمد الربيعي هل لان اللغة الاجنبية لا تعني شيئا لنا؟ هل لان الإلمام بالعربية فقط يكفى للإلمام بالمعرفة وبثقافات العالم؟ هل أن تعلم اللغات الاجنبية صعب علينا؟ او هل يعود ذلك الى نظام تعليم اللغات الفاشل؟ للإجابة على هذا السؤال لابد من التأكيد اولا، بأن أغلب المتعلمين في كل مراحل التعليم حتى المستوى الجامعي لا يجيدون اللغات الأجنبية وخصوصا الإنجليزية، وهي اللغة العالمية المشتركة من حيث كونها لغة التخاطب ولغة الانترنت ولغة العلم والتكنولوجيا ولغة المراجع العلمية، وهي كذلك لغة المؤتمرات العلمية. وإذا كنت تريد معلومات دقيقة وواسعة عن اي موضوع فما عليك الا البحث عنها باللغة الانكليزية، فهي توفر لك الفرصة للتعرف على ما يحصل في العالم وللتواصل مع سكان هذا العالم وللالمام بثقافات هذا العالم. اللغة الانكليزية اصبحت اليوم جزءا من تكوين الشخصية، وفوائد تعلمها يتجاوز كل ما يتعلمه الفرد بلغته الأصلية. والمثقف في عصرنا الراهن هو الذي يجيد التواصل بلغة أخرى بالاضافة الى لغته الأصلية. ومع ذلك تهمل حكوماتنا هذه الاهمية على الرغم من حقيقة ان التطور العلمي والتكنولوجي واتقان اللغة الانكليزية اصبحا صنوان لا يفترقان، وهذا ما تشهد عليه تجارب دول متطورة كالمانيا ودول في طريق التطور كماليزيا. كل هذا ونحن لازلنا لا نستطيع التواصل باللغات العالمية، ولا نستطيع التخاطب باهم لغة عالمية وهي اللغة الانكليزية، وضعفنا هذا لا يعود الى عدم رغبتنا في تعلمها بل يعود ذلك الى ضعف النظام التعليمي الاساسي والجامعي في تعليم اللغات. واذا كانت هناك دعوة للاستمرار في تدريس العلوم والطب والهندسة في جامعاتنا باللغة العربية بتقدير ان الطريق الى فهم المواد الدراسية يكون سهلا اذا درس الطالب مواده باللغة العربية، فأن ذلك لا يتعارض مع الدعوة الى تعلم اللغات الاجنبية. انا مقتنع بأن الصراع بين فريق التعريب وفريق التدريس باللغة الانكليزية سينتهي عندما يصبح المدرس والطالب العراقي ملمين باللغة الانكليزية، وسيساعد هذا الالمام على الاسراع بعملية التعريب. كما اني مقتنع أيضا بأن تخلفنا العلمي والتكنولوجي يعود بدرجة كبيرة الى تخلفنا في اللغات العالمية، لانها الوسيلة الأساسية في اقتباس المعلومات ونقل التكنولوجيا، وبها ايضا ننقل علومنا وابتكاراتنا واكتشافاتنا وكل ما يمكن ان نساهم به لتطوير الحضارة الانسانية الى العالم. قلت ان سبب هذا التخلف اللغوي يعود بالاساس الى ضعف نظام التعليم، فليس هناك اية أدلة على ضعف التركيب البيولوجي للفرد العراقي، او ضعف المحفزات الموضوعية والذاتية التي تدفع بالفرد لدراسة اللغات الاجنبية، فهذه الحوافز ترتبط جدليا في بعدها الاجتماعي بأهداف التحصيل المدرسي التي يعيها الطلبة ويتعلقون بها كتطلعات ممكنة تزيد من معارفهم ومنزلتهم الاجتماعية وامكانية حصولهم على وظيفة مربحة في سوق العمل. ان المشاكل البيداغوجية التي تعاني منها المدرسة والجامعة حاليا والتي تزداد استفحالا هي التي تعيق تطوير تدريس اللغة الانكليزية، ومعالجتها بصورة صحيحة تجعل المدرسة مؤهلة للاستجابة لمتطلبات المجتمع في مجال العلم والمعرفة والمهارات. واحد من اسباب ازدياد المشاكل يعود الى غياب تصور واضح لاستراتيجية تبنى كأستجابة لما يتطلبه المجتمع من حاجات والتي تحدد المنطلقات والغايات التي تبني الممارسة التربوية، وبحيث تستوعب هذه الستراتيجية الثورة العلمية ومتابعة الفكر التربوي الحديث وتعتمد التجربة وجعل المدرسة وغيرها من المؤسسات التربوية ميادين التجديد وتبني المستحدثات الحديثة من خلال الانفتاح على الحضارة المعاصرة والاستفادة من تجارب الشعوب. لذا ولغرض بناء شخصية متكاملة للشاب العراقي منفتحة على ثقافات وحضارات العالم وذات قابليات وامكانيات لغوية تخلق علاقة تفاعلية بين الاندماج الاقتصادي الذي تفرضه العولمة وواقع الارتباط العلمي والثقافي، يتطلب ذلك فلسفة تربوية لها اهداف كبرى منها تمكين طالب المرحلة الاعدادية من التحدث والمواصلة باللغة الانكليزية بطلاقة كما هو عليه طالب المرحلة الاعدادية في المانيا او السويد. هذا يتطلب تطوير منهج تدريس اللغات في المرحلتين التعليميتين الابتدائي والثانوي، والتركيز على المهارات الأساسية التي تمكننا من مواصلة التعليم والتعلم باللغات الأخرى التي تنقل منها العلوم والمعارف والمهارات. ويتم ذلك بالبدء فى تعليم اللغة الإنجليزية بدءًا من الصف الأول الابتدائى كايمان بأهمية تعلم اللغات منذ سن مبكرة، والتأكيد على تعليمها بصورة مكثفة في المرحلة المتوسطة والثانوية استنادا على ما اجمع عليه علماء اللغة بأن عملية اكتساب اللغة الاجنبية تكون قبل سن الرشد ثم بعد ذلك تأتي مرحلة التعلم، وهنا نشير الى نقطة جوهرية وهي الفرق الكبير بين اكتساب اللغة وتعلمها. كما ادعو الى الاستفادة من التجارب العالمية في تدريس اللغة الانكليزية كلغة اجنبية في المدارس الابتدائية، وتنمية قدرات الاطفال الذهنية في تعلم اللغات، وتفعيل مهارات القراءة والكتابة بشكل افضل وباستخدام التقنيات التعليمية الحديثة ووسائل الترغيب بما يتوافق مع اهتمامات الاطفال، ويتطلب ذلك ايضا تدريب المعلمين نظريا وعمليا وتطوير قابلياتهم اللغوية بالاستناد على سياسة ارسال المعلمين لفترات دراسية لا تقل عن ستة اشهر الى الدول الناطقة باللغة الانكليزية، واقامة دورات تدريبية بداخل الوطن بالتعاون مع المجلس البريطاني والمعاهد الاجنبية المتخصصة بتعليم اللغة الانكليزية، واستثمار خبرات المهاجرين العراقيين في بريطانيا وامريكا والدول الاخرى الناطقة بالانكليزية في تدريب الصغار على التحدث باللغة الاجنبية وفي علاج المشكلات وتعديل طرق التدريس بما يخدم تدريس اللغة الانكليزية، فاللغة لا تتطور الا بالتدريب والممارسة العملية ولا ينفع تدريس قواعد اللغة وحفظ النصوص من كتب شكسبير وغيرها من الكتب الادبية في اتقان اللغة اذا لم يرافق ذلك ممارسة عملية يومية تعتمد المخاطبة والحديث والنقاش المبني على اساس التفاعل مع الاحداث اليومية في البيت والشارع. اما الجامعة فدورها في تعليم الللغات يتركز في تأهيل مدرسي اللغات والمترجمين ومن يحتاجهم سوق العمل، ومن ناحية اخرى يشمل دور الجامعة تاهيل الطلبة الاخرين لاستخدام الانكليزية لاغراضهم الدراسية بشكل اساسي، وهذا يعتمد عما اذا كانت الانكليزية هي لغة التدريس والبحث العلمي. فمن ناحية تأهيل مدرسين للغات يتطلب ان يكون للخريجين قدرة عالية على التخاطب باللغة الاجنبية، وهي ميزة لا يتوفر حاليا عليها معظم طلبة وخريجي كليات التربية والاداب. وعلى الرغم من ضعف هؤلاء الخريجين يدفع بهم كمدرسين في مراحل التعليم الثانوي الأمر الذي زاد معظم المؤسسات التعليمية ضعفاً على حالها. وما يحتاجه طلبة اللغات في الجامعات من مهارات لا يمكن توفيرها حاليا في ظل البيئة الجامعية والدراسية والتي اعتقد انها غير مهيأة تماماً كي تساعد الطلاب في عملية الاستيعاب، بالاضافة الى ضعف امكانيات الاساتذة في توصيل المعلومات بشكل سليم، فكثير منهم لم يحصل على شهادة عليا من بلد اللغة التي يقوم بتدريسها ولم يحصل على تدريب في البلد الاصلي للغة ولا يخضع الى عملية تدريبية مستمرة، كما تفتقر الجامعات الى مختبرات لغوية والى اجهزة تدريب لغوي حديثة ومتطورة. ومن الامور الاخرى التي تؤدي الى ضعف خريج اللغات الاجنبية هي تدني مستويات المناهج وجودة العملية التعليمية والتربوية وانعدام الارشاد الاكاديمي للطالب. وتلعب سياسة القبول في الجامعات دورا في تدني تدريب اللغات لعدم اخذها بنظر الاعتبار رغبة الطالب وقابليته اللغوية. وما ادعو اليه في هذا المجال هو اصلاح متكامل لسياسة تعليم اللغات في الجامعات بحيث يشمل هذا الاصلاح تطوير مؤهلات التدريسين عبر دورات مستمرة في الخارج وتحسين المناهج ورفع جودة التدريس وتوفير مختبرات اللغة، هذا بالاضافة الى فصل اقسام اللغات عن كليات الاداب والتربية الحالية وضمها مجتمعة في كليات جديدة للغات (كلية اللغات) يكون هدف مناهجها هو تأهيل طلبة اللغات لاكتساب مهارات اللغة من مفردات وقراءة وكتابة وتحدث ومهارات ادبية واكاديمية عامة وتكون امتحاناتها مرتبطة باهداف المقررات وتقيس كل المهارات اللغوية المذكورة اعلاه. اما بشأن تدريس المناهج العلمية باللغة الانكليزية فهذا يتطلب من الجامعات مراجعة لطرق التدريس والمناهج ودراسة الحاجات الاكاديمية المتصلة باللغة الانكليزية وتأهيل الطلبة لاستخدام اللغة لاغراض اكتساب المعلومات والمعرفة العلمية والتواصل مع العالم العلمي والتكنولوجي والثقافي. فاذا كان هناك ضرورة لتدريس بعض او كل المناهج باللغة الانكليزية، وبأن التدريس باللغة الانكليزية يزيد من قابليات الطالب ومعارفه، فأنا مع التدريس بهذه اللغة. اما اذا كان ذلك يقلل من استيعاب الطالب العلمي للدروس ومن مهاراته في تخصصه فاني لا ارى الا جعل اللغة الانكليزية مادة منفصلة تدرس بصورة اساسية في كل المستويات. ان التأكيد على اهمية التدريس باللغة الانكليزية على اساس انها تساعد الطالب على التواصل مع العالم الخارجي وتضمن له مواصلة تحصيله العلمي في الجامعات الامريكية والبريطانية لهي مبررات غير كافية بالرغم من اهميتها، لان اولويات التعليم الجامعي تكمن في توفير المؤهلات المهنية والاكاديمية التي يحتاجها سوق العمل والمجتمع. باعتقادي، وبسبب ضعف الطالب العراقي باللغة الانكليزية، ولاهمية هذه اللغة، ان يعتمد المنهج المتطور على ملائمة بين احتياجات التفهم والتحصيل الدراسي واهمية اللغة الانكليزية للمواصلة والتتبع، لذا ينبغي ان يركز المنهج على الانكليزية للاغراض الخاصة بتدريس المواد عالية التقنية ويكون تدريس اللغة الانكليزية العامة كمادة اساسية من قبل اساتذة اللغة لتطوير المهارات والوظائف اللغوية والتراكيب اللغوية وبشكل تفاعلي مع مفردات المنهج، وبحيث يضمن للطالب تدريبا لغويا متكاملا يسمح له بالدراسة الذاتية والتتبع العلمي. خلاصة القول ان تدريس المناهج العلمية باللغة الانكليزية يجب ان يكون لغرض تحسين تأهيل الطالب مهنيا واكاديميا وبصورة متكاملة في موضوع اختصاصه وليس لغرض تأهيله لغويا.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |