|
ألا يرى الناس هذا الانحراف الكبير الذي طرأ على بوصلة الصراع العربي الإسرائيلي ؟؟, وكيف انقلبت أحوال الدول العربية والإسلامية رأسا على عقب؟؟, وكيف سقطت بالضربة القاضية ؟, وحشرت نفسها من حيث تدري أو لا تدري في نفق الصراعات المحلية, فتحول الصراع إلى (سني – شيعي), ثم تشعب الصراع في الشرق الأوسط فصار صراعا (سنيا – سنيا), و(شيعيا – شيعيا), هذا (شيعي علوي), وذاك (شيعي صفوي) و(شيعي زيدي), وتحول الصراع في مصر إلى فتنة (إسلامية – قبطية), وخناقات (مسيحية – مسيحية), وقلاقل في الجزائر (عربية – أمازيغية), وخلافات عقيمة في السودان على حافة براكين التنافر (الإسلامي – النصراني) بين الجنوب والشمال. حتى وصلنا في زمن التردي إلى المرحلة التكفيرية, وظهر علينا فقهاء تخصصوا بصناعة الموت وتكنولوجيا المجازر, فصنفونا إلى مجاميع كافرة وأخرىمؤمنة, وأجازوا سفك دمائنا بأساليب مبتذلة, وبرعوا بفلسفة التفجير والتفخيخ والترويع والترهيب والنسف والعصف والخطف والذبح, حتى أشاعوا القتل على الهوية في العراق, وأباحوا زراعة الأفيون في أفغانستان, وأجازوا المتاجرة بالهيروين في قندهار, واستنشاق دخان (الترياق) في إيران, ومضغ أوراق (القات) وتخزينها في اليمن, ووصل بنا الحال إلى اليوم الذي سمعنا فيه أغرب الفتاوى وأكثرها تطرفا وانحيازا إلى صفوف الفلول الصهيونية, التي اجتاحت جنوب لبنان, فتاوى جاءت متزامنة مع القصف الجوي الإسرائيلي, وقضت بعدم جواز نصرة اللبنانيين, وحرّمت الوقوف معهم في تصديهم للدبابات الإسرائيلية الغازية, وحرضت الناس على التخلي عنهم وعدم مؤازرتهم, وفتاوى كانت تدعو إلى خذلان غزة وأهلها وتضييق الخناق عليهم, وفتاوى أخرى تدعو لإعلان البيعة المطلقة للبنتاغون. وتوسعت دائرة التنافر والتباعد بيننا حتى وصل بنا الابتذال إلى تحويل خصوماتنا إلى ملاعب كرة القدم, فتشنجت العلاقات الأخوية بين مصر والجزائر, وشهدت صدامات دامية, وتصدعات مؤلمة, وتفاقمت شدة التوتر الكروي بين دول مجلس التعاون, هذا يشجع (الغرافة القطري), وذاك ينحاز إلى (الهلال السعودي), وهذا (زملكاوي), وذاك (أهلاوي), وأحيانا نجد أنفسنا منقسمين إلى فرق وطوائف, يقف بعضها مع (ريال مدريد), ويقف البعض الآخر مع (برشلونة), وصارت هذه المدينة (برازيلية) الهوى, وتلك (أرجنتينية) المزاج, واصطف الناس في تلك المدينة لنصرة مرشحهم (الصبي المتهتك) المشارك في برنامج (ستار أكاديمي) والدعاء له بالفوز (العظيم), مشاهد وصور ومواقف مقززة تعكس حالة الضياع والانهيار والانحراف الذي تمر به الأقطار العربية والإسلامية. فمن ذا الذي يشجع التهتك والتمزق والتفكك ؟, ومن ذا الذي يمسك بخيوط الطائفية ويتلاعب بها على هواه؟, ومن ذا الذي يدعم الحركات الدينية المتطرفة المتعصبة ؟, ومن هو المستفيد الأول من كل هذا الدمار والتخريب الذي أطاح ببنيتنا التحتية, ونسف بنيتنا الفوقية ؟, حتى لم يعد وراءنا وراء, في الوقت الذي تواصل إسرائيل خططها التنموية الجبارة, وتنعم فيه (تل أبيب) بالأمن والاستقرار وراحة البال, ولم يعد لديها ما يشغلها, ويسبب لها هواجس القلق والانزعاج ودوخة الرأس, خصوصا بعد أن توصلت إلى فك الغاز الكيانات العربية, ونجحت في تحليل شفرتها, فاستطاعت بقليل من المال أن تخترقها وتبعثرها, عن طريق شراء ذمم القادة, وتوجيه وعاظ السلاطين لبث الفتن وإثارة النعرات, وتنفيذ الاغتيالات وقتل العلماء, ووأد الكفاءات, وقطعت شوطا كبيرا في توظيف وسائل الإعلام لنشر الفساد, وترويج الأفكار المسمومة المتنكرة بزي الديمقراطية, واستنفرت عملائها ومؤسساتها الاستخبارية وخلاياها السرية في تنفيذ الدسائس والمؤامرات, واقتطعت حصة من خزينتها لتمويل الفضائيات العربية المتخصصة بتكريس العداوات الطائفية, وتعميق الخلافات المذهبية, ودفعت باتجاه المغالاة في الدين, وتأجيج الأحقاد العرقية, وإذكاء نيران التناحر, وافتعال الأزمات, وشق الصفوف, وإطلاق الشتائم, وتلفيق الافتراءات, وتحريك الرغبات الفوضوية الكامنة في نفوس الطبقات المسحوقة, وتوجيهها نحو التمرد على القوانين والأنظمة, وتحريضها على الخروج عن جادة الصواب واستمر الحال على ما هو عليه, وكأن الناس لا يعلمون أن للوحشية والهمجية عدة وجوه أقبحها الطائفية والعرقية, وأن للتباعد والتقسيم والتجزئة والتشرذم خناجر صدئة, لكنها خناجر خبيثة قادرة على تقطيع جسد الأمة الواحدة المتجانسة, وتمزيقها وبعثرتها, خناجر بشعة صنعتها الحركات العرقية, وصقلتها الأوكار المذهبية المتطرفة, وأطلقتها حاضنات الفتنة الطائفية, وكأن الناس لا يعلمون أن للنزاعات المحلية والدولية مخالبها الشرسة, وبراكينها المدمرة, وأن أكثر المخالب دمارا, وأشدها فتكا وشراسة, هي تلك التي ولدت من رحم التحريض الطائفي, وارتوت من مياهه الآسنة, وتغذت من منابع الحقد والكراهية. أن أي باحث في أوضاع الدول العربية والإسلامية في السنوات التي أعقبت حرب 1973 يكتشف أن الخصومات والنزاعات والخلافات المفتعلة والمدبرة, كانت هي القاسم المشترك الأعظم للعوامل التي أدت إلى تردي الأوضاع العربية والإسلامية, وأن تلك الأوضاع البائسة ازدادت سوءا وقسوة بعد غزو العراق, حتى صارت معظم الدول العربية تسير على الدرب الذي رسمه الصهاينة في المنطقة, وصاروا ينسقون مواقفهم الأمنية مع الصهاينة, ويتخندقون معهم في وأد المقاومة المسلحة, فامتنعوا عن دعمها بدافع الخوف والمصالح, بل أنهم آمنوا إيمانا راسخا بفكرة إعادة رسم الحدود الجغرافية الشرق أوسطية, وإعادة تقسيم المنطقة على الطريقة الأمريكية, وأعلنوا البيعة للبيت الأبيض قائدا وحيدا للعالم. في الوقت الذي تواصل فيه الفضائيات الطائفية المتعصبة بث برامجها التحريضية الداعية للتقاتل والتناحر والتمزق والتشرذم والفرقة والتأزم, وتواصل الدول العربية والإسلامية إصرارها على الوقوف في مقدمة الأقطار الأكثر فسادا في كوكب الأرض, ويواصل سفهاؤنا ممارسة أقصى درجات البطر والتبذير والإسراف الفاحش والبذخ الأسطوري, تمشيا مع أهداف المؤامرة الكبرى الداعية إلى إضاعة البلاد وإفقار العباد ونشر الفساد, ففقدنا مناعتنا وتضامننا, واستجلبت مواقفنا المتخبطة مزيدا من التدخلات الخارجية في شؤوننا, وتورط قادتنا في أحلاف عسكرية للهيمنة على المنطقة في ظل تنامي المخزون النفطي, فتوترت العلاقات مع بعضنا البعض, وصار المشهد العراقي المفزع أنموذجا قياسيا للضياع والانهيار في ظل التوترات المذهبية والطائفية والعرقية والقومية والعشائرية والحزبية, وهذه هي الحقيقة العربية المرة التي خططت لها القوى الظلامية ومؤسساتها التآمرية الخبيثة. .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |