(( الانسان كما هو لاكما ينبغي ان يكون عليه ... ردّ لقارئ !.))

 

 

 

 حميد الشاكر

         alshakerr@yahoo.com

عقّب احد القرّاء الاعزاء واسمه جورج محمد على مقالي (فلسفة الاعلام الغربية المردوخية في صناعة الحقيقة) في احد المواقع العربية بالقول :(( لفت انتباهي طريقة كتابة الاستاذ حميد الشاكر ... وأتمنى ان اعرف كيف يوفق بين تلبسه بالتشيّع وتحقيره للطوائف الاخرى وتراثها الديني ..وبين تقديمه نفسه بطريقة معاصرة من خلال مقالات منها هذه المقالة التي يدين فيها الاعلام الغربي على طريقة صناعة الحقيقة ؟ولا اعرف كيف يمكن ان يوفق بين ان يكون طائفيا حتى النخاع وبين ان يكون تجديديا حتى التنظير )) ؟

فكان جوابي المختصر للاخ جورج محمد الاتي : ((حميد الشاكركاتب يعيش بين الناس ولايمكنه ان يبتعد في كتابته عن معالجة ما يمارسه الناس ويعتقدونه ويسبب لهم المشاكل او السعادةولهذا عندما يكتب حميد الشاكرعن الطائفية فهويكتب حولها كظاهرة وليس كانتماء له أما عند كتابة حميد الشاكرحول العصرنة فبسبب ان له مشروعايؤمن به ان المستقبل لايمكن بناءه الا من خلال نقد الحاضر واصلاح الماضي بكل افكاره ومعتقداته وتاريخه !!.

ومن هنا فهناك من يرى ان الطائفية توبيا لاينبغي الكتابة حولها اوفيها ، بينما الشاكر يرى ان الكتابة في الطائفية الخطوة الاولى للاصلاح الواقعي لاذابة جليدها المتحجر ، ونقلها من الحيز السلبي ، الى كونها امرا عادية يجب قبوله والعيش معه بتوافق حالها حال اي افكار اخرى تنبع من داخل الانسان !.
ارجوان اكون اجبت عن حميد الشاكر صاحب الفكر ، من خلال حميد الشاكرصاحب المنهج المختلف عن الاخرين ، الذي يرجوا ان يتقبلوه على ماهو عليه وليس كما يريدونه هم من انسان!!)) . انتهى .والحقيقة ان كلا المنحيين في السؤال والجواب اشعر انهما بحاجةالى تعميق في مفاهيم (المنهج والرؤية)الذي طالما وقع الاشكال بينهما بين مَن يرى ضرورة ان يكون الانسان صاحب رؤية فكرية موحدةلاينبغي ان يكون لهامنهج مختلف وبين مَن يرى ضرورة ان يكون هناك فرق واختلاف وتنوع ، بين رؤية الكاتب والمثقف وفكره ، وبين منهجيته التي ربما تتكامل مع الرؤية ولاتناقضها بالضرورة !؟.

بمعنى ان اسألة الاخ المحترم جورج محمد التي جاءت على اعقاب مقالي المذكور آنفا ، استبطنت اشكالية عميقة الجذر في العقل العربي وحتى الاسلامي في عالمنا المعاش اليوم ، بل لا اغالي ان قلت ، ان هذه الاشكالية التي فجرتها اسألة القارئ جورج محمد المحترم هي احد الاسباب ، او الجذور التي تقبع خلف الكثير من ظواهر التشدد والاقصاء ،والتطرف وربما الارهاب في داخل الفكر العربي والاسلامي الذي ينعكس كظاهرة سلوك وممارسة في واقعنا السياسي والاجتماعي ايضا ، ومن هنا توجب بحث الموضوع بشكل دقيق لنخرج بنتيجة مفيدة !!.

نعم الاستاذ جورج محمد من المنتمين الى فكرة ضرورة ان تكون الرؤية ومنهجها داخل اي فكر انساني موحدة المسار ، وعلى هذا الاساس لايمكن تصور كاتبا او مفكرا او مثقفا هو يتوجه بفكره للانفتاح الانساني او ينّظر للمعاصرة ويتحدث عن شؤونها ويعالج ايجابياتها وسلبياتها ، وفي نفس الوقت يفاجئنا بمنهجية كتابة مغايرة لرؤيته هذه ليطرح من جانب اخر ويتناول الطائفية ويعالج او ينتقد اشكالياتها ويعمق او يطرح مداخلها ومخارجها الخاصة والضيقة !!.

ومن هذا كان نقد الاستاذ جورج محمد لما نكتبه متوجها الى :

اولا : لفت النظر لكتابة تجمع بين رؤية ومنهج يختلف كل واحد منهما عن الاخر .

ثانيا : الاستغراب من امكانية الجمع هذه بين رؤية منفتحة الى حد العصرنة والمستقبل ومنهج منغلق الى حد الطائفية والتمذهب.

ثالثا : نقد وقوع الكاتب ((الذي هو حميد الشاكر)) وانغماسه الى حد النخاع بالطائفية مع احتقاره للطوائف الاخرى والاعتداء على تراثها الديني بكل عنف واستبدادية من جانب اخر ؟!.

وفي الحقيقة لتناول هذه الظاهرة للقارئ العربي بصورة عامة وكيفية قراءته للمنتج الفكري المطروح امامه لايسعناهنا الا الاشارة الى ان هذه الاشكالية التي تذهب الى ضرورة توحد (( الرؤية والمنهج )) داخل الفكر والثقافة العربية او الاسلامية هي لاريب احد ممونات الانغلاق الفكرية ، والداعمة بنفس الوقت لطرد الانفتاح والمرونة وتقبل الاخر كما هو عليه وليس كما نريد صياغته نحن من فكر وانسان ؟!.

فلا شك ان فكرا يوحد بين الرؤية ومناهج البحث ، هو فكرا بغض النظر انه فكرا مؤدلجا ويؤمن باستحالة التفكيك بين منهج الفكر ورؤيته ، فهو كذالك فكر يتمكن من خلق روح الطرد للاخر ، مضافا لتمكنه ببناء اسوار الانغلاق في الرؤية ، كما في مناهج البحث الفكرية والعلمية ، واذا اردنا بالفعل تحليل ظاهرة الارهاب والتطرف الفكرية لجماعات الارهاب الدينية بصورة عامة والايدلوجية العلمانية بصورة خاصة ، سنجد ان احد ممونات هذا التطرف والارهاب والانغلاق الايدلوجي عن الاخر وفكره هو هذه الفكرة التي تؤمن بضرورة الدمج الكامل والانسجام المطلق بين رؤية الانسان ومنهجه في تشكيل الثقافة لديه !!.

فالمتطرفون الدينيون رفضوا الاخر وانغلقواعلى منتجهم الفكري بسبب انهم نظروا للعالم وللحقيقة على اساس ان لهارؤية واحدة ومنهجا واحدا موصلا اليها لاغير ، ومهما تنوعت الاطروحات الفكرية الاخرى التي تصل اليها البشرية من خلال اليات ومنهجيات مختلفة في البحث فان فكر التطرف والارهاب يرفضها تماما باعتبارانها مناهج اولاهي لاتتصل بماعنده من رؤى وتصورات وثانيا لالتزام هذا الفكر الارهابي بما تنتجه مناهج بحثه هو لافحسب وايمانه بضرورة وحدة الرؤية والمنهج في التفكير السليم !!.

كذالك مدارس التطرف الايدلوجية العلمانية كالماركسية مثلا عندما آمنت بحتمية دمج الرؤية ومناهج بحثها بصيغة انصهار كاملة وغير قابلة للتفكيك فانها بذالك الزمت نفسها بلا ريب برؤية منتجة قطعا من اليات ومناهج مادية فحسب وعليه فلايمكن لماركسي كائن من كان ان يفصل في اساليب تناوله للافكار والاشياء وتحليل ظواهرها حتى الوصول للنتائج بين رؤيته المادية من جانب ومناهج بحثه الفكرية من جانب اخر ، ولهذا كانت الماركسية ولم تزل مدرسة تطرف وانغلاق وعدم الاحترام لكل فكر لايتبع مناهج المدرسة الفكرية او يصل الى رؤيتها كما تدعي العلمية المادية !!

بينما في المدارس الاخرى التي ترى ضرورة عكس المعادلة والفصل بين رؤية الفكر ومناهجه البحثية تكون النتائج مختلفة تماما عن ما توصلت اليه مدارس الانغلاق والتطرف والطردالايدلوجية فعلى اساس هذه المدرسة ليس من الغريب (مثلا) ان نرى متدينا ينظّر ويكتب بنفس الوقت للمعاصرة والمستقبل من جهة وينتقد ويؤسس للماضي والتمذهب والطائفية من جانب اخر !.

فاذا كانت رؤيته وما ينتمي اليه مختلفا عن منهجيته بالبحث والطرح ، وليس هناك رباط حديدي متحجر يفرض عليه الالتزام بين الرؤية والمنهج ، عندئذ لااشكال بوجود او صناعة انسان مفكر مرن وقابل للانفتاح على مناهج الاخرين والاستفادة القصوى من مناهجهم البحثية وعلى اختلاف وتنوع هذه المناهج سواء كانت علمية او فلسفية او دينية او غير ذالك !!.

صحيح قارئنا المحترم الاستاذ جورج محمد لفت نظره منهج جديد في الكتابة ، رأى فيه الجانب المظلم في كتابة حميد الشاكر التي تطرح رؤية في الطائفية والتمذهب الى حد النخاع من جهة ، وتنظرّ للعصرنة والمستقبل ، برؤية تبدوا ان ليس لها علاقة بكل ما كتب في السابق من جانب اخر ثم وباعتبار ان الاستاذ جورج يبدو انه احادي الرؤية والمنهج انتقد كتابات حميد شاكر التي تدعوا من جانب للعصرنة ومن جانب لتحقير الطوائف الاخرى وتراثاتهم الدينية !!.

لكن لو حاول قارئنا المحترم ان يعيد ترتيب منظومته المنهجية وفصلها عن الرؤية الفكرية لتمكن من ادراك الفصل اولا بين النقد وبين التحقير باعتبار ان اصحاب المنهج والرؤية الموحدة من متطرفين ومتأدلجين يرون في كل نقد قادم من خارج دائرة المدرسة ماهو الا تحقير لفكرهم ومعتقداتهم الدينية ما يدفعهم للتشدد مع اي رؤية نقدية واعتبارها هجوم مقصود للتحقير او تدمير الفكرة التي ينتمي لها المتشددون ، وثانيا لادرك ان هناك بون شاسع بين بين منهجية البحث الفكرية ، وبين مقررات الرؤية العقدية والفكرية هنا وهناك !!.نعم اشكاليتنا العربية والاسلامية اليوم هي في هذا النوع من انماط التفكير ومناهجه البحثية والثقافية ،اكثر من كونها اشكالية مع التراث والاخر ، واذا لم يتم اعادة صياغة اليات التفكير المنهجية داخل العقل العربي والاسلامي ، فلايمكن لنا الوصول الى القبول بالتنوع واحتضان الفكر والفكر الاخروالتعامل مع الاخرالانساني على ماهوعليه وليس على ما تنظر له منهجيتنا ورؤيتنا الخاصة بنا والملتصقة بمدرستنا الفكرية !!.

ان كتاباتي والقارئ جورج محمد ربما تصلح لتكون ظاهرة او انعكاس لظاهرة فكرية عربية عامة يجب الالتفات اليها بقوّة وبحث جذورها الاجتماعية والفكرية والسياسية بصورة شفافة للوصول الى نتيجة مفادها : هل من الافضل والانفع والاجدى انسانيا دعم ورفد ظاهرة الكاتب او المفكراوالمثقف اوالعالم او القارئ الذي يرى ضرورة الفصل بين مناهج البحث الفكرية والرؤى والتطلعات المستقبلية ، لنضمن انفتاحنا وقبولنا بالاخر ومناهج تفكيره المختلفة عن ما نؤمن به نحن بخاصة ، ومهما كانت صغيرة ومنغلقة طائفيا او انسانيا ؟.

أم انه يجب علينا رفد ودعم الاطروحة التي تذهب الى ضرورة دمج الرؤية بالمنهج لنصنع انسانامحنطا فكرياوذا قالب موحد لاغير ثقافيا ليكون اما ماركسيا لاغير او ليبراليا راسماليا جشعا فقط او اسلاميا شرعيا فحسب ؟!.طبعافي الموضوع الكثيرمماكان ينبغي طرحه من قبيل ان المثقف لايسمى اصلامثقفا اذاماتناول قلمه مايعيش بين الناس من افكار ومهما تنوعت هذه الافكار سواء كانت طائفية او مذهبية او اسلامية او دينية او انسانية او مادية او غير ذالك ،لمعالجتها او نقدها اذا كانت سلبية ودعمها ورفدها انسانيا اذاكانت ايجابيةولكن لابتغاء عدم الاطالة ذكرناجانب المنهج والرؤية في الموضوع لافادته العالية القيمة والعامة بنفس الوقت !!.

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com