سوق الصاغة في الحلة وحكاية شيخ الصاغة (الياهو)

 

 

 

محمد هادي

 

هذه السياحة الجميلة عن صاغة الحلة ومقاهيهم واهم المحلات التي كانت في هذا السوق التأريخي الذي يمثل اقدم الاسواق في الحلة الفيحاء وعن ابرز هذه المقاهي والمحلات واصحابها مع اهم المفارقات التي كانت تحدث في هذا السوق الصغير في مساحته الكبيرمن خلال حركته الدائمة والتنوع الجميل الذي يحتويه والذي لم تستطع السنون تغيير ملامحه الا القليل القليل منها أول لقاءاتنا كانت مع الصائغ الحاج ماجد عباس ويس خضيرالمطيري والذي يمتلك ارشيفا وتوثيقا متكاملا مع ذاكرة خصبة عن المقاهي محلات السوق القديمة والتي مازال الكثير منها في نفس اماكنها الاصلية فيقول :

يمكن اعتبار مقهى المرحوم عباس باقر (ابو سعد ) من اقدم المقاهي ومكان المقهى في سوق ( اللبن) كما يسمونه اهل الحلة القدماء وهو السوق المجاور لسوق الصاغة الرئيسي والقديم في الحلة كان المقهى عبارة عن دكانين مفتوحين على بعضهما لكن ببابين أي ان لكل دكان باب خاص به ومن يدخل المقهى يشاهد ( التسكاه ) وقد وضعت على الجانب الايمن وكذلك ( الوجاغ ) وعليه ( منقلة)  كبيرة من الفحم وبالقرب منها ( سماور ) كبير تغلي المياه فيه نتيجة  النيران الصادرة من البريمز النفطي الموضوع تحته والذي اصبح لونه اسود من كثرة الدخان ( والسكمان ) المنبعث منه ويقوم المرحوم ابو سعد بغسل الاستكانات ولعدة مرات بالماء الحار في كل مرة يستخدمها ويلاحظ الداخل للمقهى الرف الخشبي الطويل الممتد على جانب المقهى وقد رصت علية وبنسق جميل ( قواري الفرفوري ) الجديدة وكأنها موجودة للعرض وليس للاستخدام فيما توجد على التسكاه ستة قواري من الفرفوري والتي تم وضع شرائط من الصفيح وهي من فضلات علب الزيوت عليها لأجل حمايتها من التصدع وتستخدم هذه القواري في تحضير الشاي وتدويره واعداده وقد تساءلت كثيرا مع نفسي لماذا يستعمل المرحوم ابو سعد وغيره من اصحاب المقاهي هذه القواري القديمة والمتهالكة هل هي اجمل ام سهلة التحضير أم انهم يخشون على القواري الجديدة من الكسر وتوجد في المقهى ايضا ثلاجة عبارة عن صندوق من الخشب اخضر من الرطوبة والماء يوضع بداخلها ربع قالب من الثلج ملفوف بكونية من الجنفاص تؤخذ منه قطعة صغيرة يتم وضعها في ( الحب)  او كوز الفخار الموضوع فيه الماء من اجل تبريدها ولااعلم لحد الان هل ان الماء الذي في الحب كان فعلا يبرد من هذه القطعة الصغيرة من الثلج ام لا لكنني كنت اشاهد الناس الذين يمتازون بالقناعة والبساطة والرضا يرضون بالقليل المتيسر اضافة الى ان الحياة آنذاك كانت سهلة وبدون تعقيد بحيث أن ( طاسة واحدة من المعدن الاصفر المنقوش ) موضوعة على ذلك الكوز تستخدم من جميع رواد المقهى ويشرب فيها الكل  كانت المقهى مرتفعة عن ارضية السوق بنصف متر تقريبا لذلك وضع المرحوم ابو سعد   ( سرندر ماكنة سيارة قديمة ) بدلا من الدرجات او البايات وكثيرا ماكان الزبائن يتعثرون بها واتذكر ان في المقهى ثمانية ( قنفات ) من الخشب صغيرة الحجم ومفروشة بالحصران المصنوعة من الخوص وقد وضعت احدى هذه القنفات خارج المقهى بأتجاه السوق ويكون ظهر الجالسين عليها بأتجاه المقهى لقد عمل المرحوم عباس باقر في هذه المقهى منذ اربعينيات القرن المنصرم مع شريكه المرحوم حميد كنبر وقد علمت من بعض الاخوان الذين هم اكبر مني سنا ان الشراكة قد فضت وانفرط عقدها في الخمسينيات وقد عمل مع المرحوم ابو سعد الكثير من العمال أي ( الصناع ) منهم ( علي كركه ) ومدلول الصانع وآخرهم جبار ابو احمد والاخير لديه اليوم مقهى في سوق اسطه جابر مجاور مطعم الكسبه وهي ( مقهى جبار ابو احمد ) ومن الطريف ذكره ان عباس باقر كان يحمل بيده اليسرى ستة استكانات شاي وهذا الامر يعد مفخرة للجايجية حيث يقوم بتوزيعها على المحلات المجاورة والتي يقوم اصحابها بطلب الشاي بواسطة جرس موضوع في المقهى يقوم الصائغ بنقره وحسب عدد النقرات وكثيرا ماتحدث مشادات نتيجة لعدم معرفة عدد الشايات المطلوبة بهذه الطريقة التي كانت مبتكرة في ذلك الوقت يمكن اعتبار الشاي الذي يقوم ابو سعد بأعداده شاي تازه وممتاز وجديد على الدوام والسبب انه بالاضافة الى طيبته وصبره وحسن خلقه فأنه لم يكن يتعامل بالثنوه ( أي لايقوم بأعادة الشاي المستعمل والذي يضيف عليه البعض قليلا من الشاي الجديد ) مع الماء الحار ويقومون بأعادة تقديمه للزبائن

رواد مقهاه قلة قليلة من عابري السبيل وبعض محلات سوق اللبن اضافة الى الصياغ والعطارين الذي لايتردد عن تلبية طلباتهم متنقلا بدشداشته التي يرتدي فوقها حزام من الجلد واضعا على رأسه ( العرقجين) كما كان يشارك زبائنه من الصاغة مناسباتهم فيغلق المقهى في ذكرى وفيات الائمة عليهم السلام ومن اهم زبائن المرحوم عباس باقر من الصاغة الصائغ عبد الآله موسى خوجه نعمه والمرحوم نعمه الحاج حميد خوجه نعمه ( ابو رعد ) والمرحوم الحاج هادي عباس  المرزوك والمرحوم سيد هادي سيد ناصر ( ابو ماجد ) والمرحوم عبد الحسين العنتاوي والمرحوم علي عبود المختار والمرحوم مهدي العبود والمرحوم الحاج طالب غويلي وسيد نعمه بهيه والحاج صالح محمد الحاج عيسى ومحمود المؤمن والمرحوم جبار خضير كربل ووالدي المرحوم الحاج عباس ويس خضيرالخاجي المطيري والمرحوم رحومي ابو الملح وكان يبيع البذورات والحاج عباس عليوي ( ابو الزبلان الذي كان يبيع جميع الاشياء التي تصنع من الخوص ) وله خان مشهور بالسوق تم بناء سوق بطابقين فوقه يشغله الصاغة ومنهم نجله فاضل عباس عليوي ( ابو نور ) والمرحوم علوان عبد الله خوجه نعمه والمرحوم الشاب سعد عباس ويس المطيري الحاج ماجد عباس ويس الخاجي المطيري اما الجهة المقابلة في سوق الصاغة وهم شاكرسعدي ابو زره والمرحوم صلاح كربل وحسن علاوي وحمزه جواد كاظم ابو وسام والمرحوم الحاج محمد الحاج عبس والحاج لطيف جابر حسين والحاج سرحان كاظم الراضي وأولاده حامد وعادل والمرحوم شاكر امين عوض واولاده جابر وظافر وعلي ومكي وامير والمرحوم الشهيد فارس عوض والمرحوم سودان عوض والمرحوم الحاج اموري جودي خوجه نعمه

 وآخر محل هو للصائغ صاحب السمعة والذكر الطيب الحسن ( الياهو ) ولابد هنا من وقفة صادقة بحق هذا الرجل الرائع العراقي العربي اليهودي الذي ترك اجمل الاثر

لقد كان الياهو من ابرع  وامهر المبدعين في فنون الصياغة ولم يعرف الغش ابدا واعماله مشهود لها بالجودة وكان يصوغ الذهب عيار 21 حبه أو اكثر ولايعمل بالذهب الواطيء ابدا حتى وان طلب منه الزبون ذلك كما ان وزنه دقيقا ويتعامل مع الميزان بالحق ولأمانته كان مصدر ثقة للكثير من العوائل الحلية الكريمة حتى اصبح الكثير من اهل الحلة يتفاخرون بهذا الرجل العراقي اليهودي والذي كان له موقفا رائعا حين رفض السفر الى فلسطين حين تم ترحيل يهود الحلة في العام 1948 ولم يغادر الياهو العراق حتى ستينيات القرن الماضي حيث سافر الى لندن وقد التقى به بعض صاغة الحلة الذين سافروا للعلاج في سبعينيات القرن الماضي وحملهم التحايا المقرونة بالمحبة للحلة واهلها

ومن الطريف ان هذا الرجل رحمه الله كان يراعي عطف الناس حيث انه يقوم بأغلاق محله أسوة بالصاغة واصحاب المحلات وخاصة في المناسبات الدينية بل انه كان يتبرع لمواكب العزاء الحسيني ويساهم بأكثر مما يسهم به اقرانه من الصاغة اما سوق اللبن فكان مقابل المقهى تماما محل المرحوم الحاج محمد عبد الرضا الشمعوني والد ناظم الحاج محمد والمرحوم حسين عليوي صاحب محل بيع الزبلان المرحوم سيد جواد الحسيني محل قيمر والبان المرحوم جواد كاظم السمين نهاية السوق الركن محل طرشي شراره لصاحبه المرحوم الحاج عبد الزهره والد الحاج بدر شراره اما جهة المقهى من البداية فمحل المرحوم هادي الخلف والمرحوم الخياط طاهر محمد الجسارالمطيري وكان محل لخياطة البدلات (القوط ) والصائغ الحاج عبيد عوض وحميد موسى خوجه نعمه والمرحوم فاضل عبيس ابو باسم وسيد رحيم محمد حسن العميدي ومحل علي شرارة الملقب علي باجه وهو مطعم للباجة والمرحوم ناجي العيدان صاحب فرن كعك وكان عمله ممتاز جدا ومطعم كباب المرحوم عبود الجحش وتوجد مقهى اخرى في نفس السوق هي مقهى المرحوم سعيد زناد ابو كريم وهي مقهى صغير عبارة عن دكان واحد وعنده صانع واحد يعمل معه هو المرحوم عريبي وكان كبير السن وينادونه ابو كريم ايضا واتذكر وجه ذلك الرجل الذي ترك مرض الجدري آثاره على وجهه المتعب كما انه كان بصره ضعيف ولايرى الاشياء بوضوح وهو انسان ذا خلق كريم وطيب لقد كانت الكثير من المشادات تحدث بين المرحوم عباس باقر والمرحوم سعيد زناد صاحب المقهى المجاور بسبب الخلط بين الاستكانات وامور اخرى الا ان المحبة والمودة هي التي كانت العامل الذي يجمع الاثنين اما سوق العطارين المؤدي الى ( عكد اليهود ) فهم ايضا من زبائن المرحوم عباس ويتألف السوق من بعض الصاغة وهم الحاج حميد الخوجه نعمه والمرحوم سيد حسن النجفي والحاج مجيد حميد ال ياسين والحاج سعدون عبد الله الخوجه نعمه وحمزه مطرود وحميد الدليمي ابو عباس وصاحب منجي المؤمن والذي كان يلقب ( صانع الياهو ) حيث عمل عند الياهو لسنوات وسار على خطاه وطريقته في العمل وله ولدان هما الدكتور عامر صاحب المؤمن المدير السابق لمستشفى مرجان والاستاذ الدكتور حيدر صاحب المؤمن ومن الصاغة ايضا المرحوم هادي السعدون ابو صلاح والمرحوم جواد كاظم الراضي وخليل ابراهيم غويلي وصباح المؤمن وخليل جاسم الرجب وسيد صاحب عباس العميدي لاعب الكرة السابق ورئيس فريق ناشئة المهدي والملقب بالكلوي وعارف مجيد خوجه نعمه وحبيب عبد الائمه واكرم ابراهيم غويلي اما من غير الصاغة فمنهم المرحوم الحاج عبد الرضا وناس ( صاحب محل صناعة وتصليح السويجات والمفاتيح ) والمرحوم حسن عبود ابو زره العطار والحاج حسن حليم الشيخ جواد صاحب محل تحفيات وقد استمر المرحوم عباس الكهوجي بالعمل حتى سبعينيات القرن الماضي حيث غير مكانه الى مكان آخر قرب الدهديوه مع تقديري انا الحاج ماجد عباس ويس خضيرالخاجي المطيري لكل جهد يوثق تأريخ مدينتنا العزيزة الحلة الفيحاء وفق الله اهلها للخير والصلاح وأعز وطننا الحبيب العراق وشعبه انه هو السميع المجيب الدعاء.

 

 

 العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com