سليمان خادم الملوك .

 

هادي جلو مرعي
hadeejalu@yahoo.com

غريب أمر الذين يبرأون ساحة من قتلة العائلة الهاشمية يوم الرابع عشر من تموز 1958 .ولايفعلون ذلك مع حاكم الشام في حينه يزيد بن معاوية مع أن توصيف الحال لما جرى في عرصة كربلاء ولما تلاه في قصر الرحاب على شاطئ دجلة يشي بكثير من المشتركات .وربما إستطاع يزيد الاستمرار في إدعاء عدم صلته بالجريمة التي إرتكبها زعماء العسكر الذين كان غالبهم من أهل الكوفة لبعد المسافة بين كربلاء ودمشق ,في حين أن القاتل المبرأ كان على بعد خطوات من قصر الرحاب الذي تقطنه العائلة الهاشمية التي بدت للتو خطوات وضع العراق على الطريق الصحيح ,خاصة مع تشكيل مجلس الإعمار والمباشرة في بناء قدرات الدولة ومؤسساتها الخدمية والشروع في تأكيد الحضور الإقليمي للعراق.

خرجت العائلة الهاشمية الى حديقة القصر .كان الصغار والكبار يضعون المصاحف على رؤوسهم ..كان الحسين يحمل الصغير ويطلب له الماء من جيش بن زياد الذي قابله بسهم إخترق عنقه الرقيق .الصغار في حديقة قصر الرحاب أمطروا بوابل من الرصاص بأيد عراقية شريفة! ..كان الجنود الحمقى ومواطنون (حمقى ) كعادة العراقيين يهتفون في الخارج بينما الدماء كانت تسيل .بعض الجنود أخذ يبكي بحرقة حين أدرك إنه شريك في الجريمة البشعة .كان أهل الكوفة يبكون, وكان آخرون يهتفون بحياة يزيد ..المفارقة إن الناس تلعن قتلة الحسين وترقص فرحا وطربا لقتلة أبناء أسرته من ذرية أخيه الإمام الحسن بن علي.

كان العبد الفقير سليمان يقبع في مؤخرة القصر حين وقعت المجزرة ,ولو كان يعلم إنه سيعيش الذل في مقبرة باب المعظم بقية حياته لإنضم لقافلة الضحايا من بني هاشم ,لكنه القدر الأعمى الذي أنجاه من المجزرة

سليمان عاش بقية حياته في المقبرة المعروفة في منطقة باب المعظم المشهورة ببغداد وكان يحصل على طعامه من هبات الناس وأصحاب الأفران والدكاكين ,ويبيت ليله بين القبور الموحشة .يحكى أن دفن الاموات في المقبرة منع لأسباب حكومية ,وكان الناس يأتون خفية ليدفنوا أحبتهم المتوفين ويضعون سياراتهم عند الجدار البعيد خلف المقبرة ويدخلوا إليها من فتحة ضيقة ليلا، وصادف أن سليمان كان يخرج في بعض شؤونه حين عاد في واحدة من لياليه الكئيبة , وكان أناس جاؤا بجنازة وتركوا التابوت قريبا من الفتحة ليعودوا مسرعين وليخف الحمل عليهم. سليمان كان ضخم الجثة وكان متعبا ويشتهي النوم حتى لو في طامورة السندي,ولما وجد التابوت دخل فيه ووضع الغطاء عليه ,وغط في نوم عميق ,ولما عاد القوم بعد الدفن ليحملوا التابوت الخشبي الى السيارة لم يستطيعوا حمله وتملكهم الرعب.ترى مالذي جعله بهذا الثقل ! وهنا حدثت المفاجأة .صحا سليمان من أثر الجلبة مذعورا ,وأصيب الناس بالذعر وهربوا وهم يصيحون .طنطل طنطل في مقبرة باب المعظم.. حتى بان لهم ولغيرهم ممن نقلوا الحكاية ان الطنطل لم يكن سوى سليمان خادم الملوك.سليمان توفي فيما بعد غير مأسوف عليه من أحد ودفن في ذات المقبرة التي إستقر بها بعد ثورة تموز المجيدة وعمل طنطلا أيضا .
ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم.



  العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com