|
الإفريقية التي زرعت السلام
السيدة (ونغاري ماتاي): زنبقة سوداء من الزنابق الكينية الباهرة الجمال, فاحت بعطرها وسحرها, ونثرت شذى أريجها العبق في ربوع حوض الكونغو, ونالت أعلى مراتب الشهرة والنجاح بكل المعايير الإنسانية الداعية للمحبة والتعايش السلمي بين الشعوب والأمم, وتسلقت سلم المجد في كفاحها الطويل, فاستحقت جائزة نوبل للسلام عام 2004, ومنحتها الحكومة الفرنسية أعلى أوسمة الشرف عام 2006, واختارها الاتحاد الأوربي مستشارة له, وعينتها أكثر من عشرة أقطار أفريقية سفيرة للنوايا الحسنة, فصارت نجمة كونية تتلألأ في سماء خط الاستواء. شنت (ونغاري) معاركها الميدانية المبكرة ضد انحسار الغابات الإفريقية, وأعدت العدة لخوض هذه المعارك البيئية الشاملة قبل أكثر من ربع قرن منطلقة من حديقتها المنزلية الصغيرة, وكانت نقطة البداية عام 1977 بزراعة تسع شجيرات حول منزلها, ثم انخرطت في العام التالي بأكبر حملات التشجير وأوسعها, وقادت أفواج حركة الحزام الأخضر في المدن الكينية. عملت السيدة (ونغاري) في الحقل العلمي, واشتغلت في المختبرات البيولوجية, فكانت أستاذة جامعية لامعة, ومربية فاضلة, وُصفت بأنها ذكية جدا, وقوية جدا, وعنيدة جدا. اكتشفت (ونغاري) أن التدهور البيئي والتعدي على حقوق الإنسان مترابطان ترابطا وثيقا لا فكاك منه, واكتشفت أيضا أن ندرة الموارد الطبيعية تتسبب دائما بنشوب العديد من النزاعات والخسائر, فجمعت في أهدافها بين المطالبة بإرساء قواعد العدل والإنسانية في المجتمعات الإفريقية, وبين المطالبة بحماية البيئة والحفاظ عليها, وكان كفاحها منصبا على أحقية الشعوب في استخدام ثرواتها المائية لإرواء أراضيها الخصبة, قالوا عنها أنها كالأشجار السامقة الشامخة, التي لا تُقهر ولا تُدحر, تبوأت مركز الصدارة في المنظمات الاجتماعية, ووقفت في طليعة علماء الأحياء, الذين ناضلوا لإنقاذ كوكب الأرض, وتلطيف أجواءه بزراعة 130 مليون هكتار بمائة وأربعين مليار شجرة, بمعدل 14 مليار شجرة كل عام, على مدى عشرة أعوام, فقامت على الفور, وبمساعدة النساء الكينيات بغرس أكثر من ثلاثين مليون شجرة في الضواحي والأحياء السكنية, متضمنة المدارس, والمساجد, والكنائس, والساحات والشوارع والأرصفة. حققت السيدة (ونغاري ماتاي) البالغة من العمر 64 عاما انتصارات كبيرة في معاركها البيئية والإنسانية, وواصلت برامجها الرامية إلى تشجيع التنوع البيئي, وتشجيع التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية, على الصعيدين الكيني والإفريقي. كانت تفكر على الصعيد العالمي, وتتحرك على الصعيد المحلي, وكانت من أشد المتحمسين لحقوق الإنسان, فتعرضت في سياق نشاطاتها السلمية لسلسلة من المضايقات والافتراءات, وزجت بها حكومة الرئيس (دانيال عرب موي) في السجن, واحتجزتها خلف القضبان, لكنها تمردت على القيود الظالمة, ومضت في طريقها نحو تحقيق العدالة الإنسانية الشاملة, حتى أصبحت فيما بعد وزيرة للبيئة في كينيا, وكانت ترى أن الموارد الطبيعية وجه مهم من وجوه السلام والاستقرار, وان تدمير البيئة يؤدي حتما إلى زعزعة الأمن المحلي والإقليمي والعالمي, فتركز كفاحها على زراعة بذور المحبة والسلام, والوقوف بحزم في مواجهة ظاهرة انحسار الغابات الطبيعية, التي تشكل أبشع عوامل الجفاف والجوع والفقر والتخلف. ترى ما الذي ستقوله السيدة (ونغاري ماتاي) عندما تتاح لها الفرصة لزيارة البصرة وتشاهد ما آلت إليه أحوال غابات النخيل, التي كانت تزين ضفاف شط العرب من القرنة إلى الفاو, وما الذي ستقوله حينما ترى جفاف أهوار العراق ؟, وما الذي ستقوله حينما تعلم كيف تسببت الحروب الكارثية في اجتثاث اكبر رئة من رئات الكون ؟, وكيف تسبب الإنسان في تدمير آخر ما تبقى من أغنى بساتين النخيل في العالم وأجودها إنتاجا ؟؟, أغلب الظن أنها ستعلن الحداد, وترتدي السواد, وقد تدفن نفسها في رماد جزيرة (أم الرصاص) التي قتلها الرصاص. .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |