|
دور حقوق الإنسان في بناء وتحصين ثقافة المجتمع محمود الربيعي
مقدمة: وجوه ومظاهر إنتهاكات حقوق الإنسان يُعَدُّ المجتمع الإنساني وحدة بشرية متكاملة ترتبط بروابط ومقومات إجتماعية وأسرية تترتب عليها مجموعة من الحقوق المدنية العامة التي تتمثل بالأمن والحياة الحرة الكريمة بما فيها حرية المعتقد وإختيار الطريق السياسي المناسب وإكتساب مختلف الحقوق الشخصية والمدنية العامة ومنها حرية إعتناق الدين والمذهب والطريقة التي تلائم القناعات الشخصية للإنسان. الحقوق السياسية وتتمثل بحق إختيار نوع العمل السياسي، وتشكيل الأحزاب ضمن نظام سليم يحقق الإيجابية.. ويختلف نوع العمل السياسي من بلد لآخر ففي الدول العظمى تمارس بعض الأحزاب وهي قليلة نمطاً من العمل السياسي وهي أشبه ماتكون بالنخبة التي يختارها المجتمع عبر التصويت لتكون نائبة عنه وممثلة له داخل اروقة العمل السياسي.. وتتنافس هذه الكتل الصغيرة وفق برامج سياسية معدة في مجال الخدمة والتعليم والدفاع والطاقة والإقتصاد وفي شؤون الإدارة وكل مايتعلق بالشؤون الداخلية والخارجية. وتُعِدُّ هذه الأحزاب برامج خاصة وتضع الطرق لحل الأزمات وغالباً ماتصعد النخب الحزبية الى الحكم وتستغل فيما بعد نفوذها في السلطة لتكسب المنافع المادية وكثير من الإمتيازات، وقد تتلاعب الأحزاب بقوت الشعب بفرض قوانين مجحفة بحج وذرائع مختلفة، وبذلك يمكن أن توصف هذه النخبة بأنها عصبة أو عصابة ذات مصالح حزبية يكون الشعب ضحية لها ويحصل ذلك حتى داخل الأنظمة الديمقراطية. الحقوق العقائدية صحيح أن القوانين التي وضعتها الدول ضمن لائحة حقوق الإنسان جميلة ومقبولة، ولكن هل تعمل المجموعة الدولية على تطبيق تلك القوانين على أرض الواقع؟ أم هي مجرد عبارات جوفاء! ومن ذا الذي يقرر الحق من الباطل؟ هل هي الدول الكبرى التي تسيطر على العالم من منطق القوة بحيث يصبح كل من يقف معها على الحق، ومن يعارضها على الباطل! فأين الحق المطلق؟ والباطل المطلق إذن؟ وماتلك الموازين التي يُعْتَمَدُ عليها في تشخيص الحق من الباطل؟ .. ونحن نتسائل هل أن الدول الكبرى محايدة! وهل أن الدول الضعيفة التي تقف معها محايدة! أسئة كثيرة نعتقد أن إجابتها حاضرة في ضمائر الأحرار من الناس. إن مسألة الحق والباطل مسألة إيمانية تتعلق بالحق المطلق، وان تشخيص الباطل المطلق من الحق المطلق يجب أن يتم وفق أسس إنسانية عادلة بعيدة عن المصالح، وبعيدة عن منطق القوة اوالإستبداد، وهل بعد كل مايحدث في العالم من إضطرابات وفوضى يمكن أن توصف القوى العظمى المتحكمة بمصائر الشعوب بأنها عادلة ومنصفة؟! إننا نشعر بإن الدول الكبرى تجتمع في منظومات دولية تحت مسميات مختلفة وتسعى هذه الدول من خلال هذه المنظومات من أجل تحقيق مصالحها الستراتيجية وعلى حساب حياة الشعوب. وعادة ماتتدخل هذه الدول في شؤون الدول الصغيرة، وتفرض عليها إرادتها وفق منطق من كان معي فهو صديقي والحق معه، ومن كان لايريد أن يكون معي فهو عدوي وهو على باطل، فالدول الكبرى تتصرف كأنها الرب وأنها النائبة عن بقية شعوب العالم، وعلى الشعوب أن تركع لها وتسبح بحمدها من دون الله. وبخصوص الحقوق العقائدية فإن الدول الكبرى في ظاهرها وكما تبدو تدعو الى إحترام الحقوق العقائدية للناس ولكنَّنا نرى ونسمع عن إنتهاكات علنية واضحة تصدر عن ألسنة كبار مسؤولي الدول الكبرى التي تنظّر لقوانين تحارب هي في حقيقتها الحريات والمعتقدات وتدعو الى إنتهاك الحقوق الإنسانية والعقائدية فتراها تمنع وتعاقب وتتدخل في نمط االحياة المدنية، وتحاسب على السلوك والمظهر وتعتبره أحياناً مخالفة يعاقب عليها القانون دون أن يرتبط ذلك السلوك والمظهر بأي نوع من الجرائم التي تعارفت عليها الإنسانية وفي الوقت نفسه تسمح لكثير من السلوكيات والمظاهر التي تتقاطع مع عقائد الآخرين.إن مايجري من إنتهاكات للحقوق العقائدية في السلوك والمظهر يتنافى حتى مع القيم والعادات الموروثة لتلك الشعوب والتي يعبر عنها أحياناً بالموروث التاريخي لها والمعبرة عن قِيَمَها الأصيلة التي كانت فيما سبق جزءاً مهماً من حياتها خصوصاً الإجتماعية وخصوصاً فيما يتعلق بسير الأنبياء وسِيَذذر الشعوب التي عاشت معهم.الحقوق المدنية والشخصيةوتعيش الإنسانية في هذا العصر أعظم قدراً من المشاكل الإجتماعية، وحالات الحرمان من حقوقها المدنية لماتعانيه من نقص في الأمن والغذاء والدواء والطاقة وماتفرضه البطالة والعزوبية من مخاطر ومعاناة وذلك بسبب الحروب والمشاكل الدولية التي أخذت تستفحل مؤخراً بحيث أصبح المجتمع العالمي يَئِنُّ الآن من حالات الأزمات، وقد يقتل الإنسان طفلاً قبل بلوغه، أو يعاني العوق طيلة حياته أو يقضي نصف عمره في البحث عن عمل أو وظيفة ويعجز عن تأمين مسكن.. وقد يموت دون أن تكون له زوجة وأولاد. إن المآسي التي تمر بها البشرية في هذا العصر تعكس صورة واضحة عن حالات الصراع السياسي والإقتصادي والعسكري والثقافي والفكري بحيث لم يعد للسلام فرصة، ولاللتعايش مكان، فقد إمتلئت الأرض بالحروب والنزاعات الدولية والداخلية ويشهد لنس فتناً ظلماء لا أول لها ولا آخر ولاحول ولاقوة إلاّ بالله. حقوق المشاركة في السلطة والحكم وفي عصرنا الحالي طغت موجة تشكيل الأحزاب السياسية من أجل الوصول الى الحكم وتربع على عرش السلطة، وأصبح هم هذه الأحزاب الحصول على المغانم المادية والمعنوية على حساب المواطنين.ولايقتصر هذا الحال على الدول الضعيفة بل وصلت حمّى هذه الأحزاب والتكتلات الى كل الدول ومنها الكبرى التي بدأت وكأن أحزابها تصطنع برامجاً وتضع خططاً ولكن في الحقيقته هي تعمل لأجل السلطة وتحقيق المآرب، وتصعد إحدى هذه الفئات في كل دورة لتفتح أرصدة لها في البنوك وتبني لنفسها القصور ويدفع المواطن الضرائب دئماً وفي نهاية كل مرحلة إنتخابية لابد أن تنتهي الحلوى في حَلْقِ الحاكم أو حنظلاً في فم المواطن العادي.إن مايجري بإسم الديمقراطية في أغلب البلدان هي حالة إقصاء للمواطنين والتربع على عرش السلطة والمصيبة أن كل يجري هو بإسم الشعب حيث يستغفل الناس الأبرياء وفي ذلك ممارسة للتضييق على الإرادات الشعبية وسرقة علنية لجهود الأكفاء وفي النهاية إعتداء على حقوق الناخب المسكين. حقوق العدل والمساواة بين الناس إن العصر الحديث يشهد حالة من النكوص والإنكفاء في مشروع تحقيق العدل والمساواة حيث تظهر الفوارق المادية بين إنسان وآخر بوضوح داخل كل بلد فيعيش إنسان في قصر بينما يعيش آخر في بيت من صفيح، ويأكل أحدهم أنواع اللحوم والفواكه بينما يبحث عنها آخر في المزابل. إن القهر السياسي الدولي وإمتصاص دماء الشعوب يجري في لاهذا العصر بشكل فني رفيع حيث يُزَوَّق الباطل فيبدو جميلاً، بينما يُصَوّر الحق مظلماً فيبدو كريهاً، وقد ابتليت الشعوب بشيطانين رِعْدِيدَِيْن أحدهما أصغر يتسلط عليها في الداخل، وأكبر يغزوها من بعيدن والويل لمن يثور على الشيطان! بعض مظاهر إنتهاكات حقوق الإنسان في الدول العربية والإسلامية أولاً: إنتهاكات حقوق الإنسان الدينية إن إنتهاك الحق الديني أصبح ظاهرة، فالحق الديني مضيع فلا الأول ولا الآخر من أهل الأديان له حقوق بعد أن مُنِعَ الناس من ممارسة الحق الديني الذي أحيط بكثير من الحدود فأصبح الدين والفكر الديني مطوقاً ومحجوراً عليه، وما المظاهر الدينية البسيطة الظاهرة إلا نوعاً من المجاملة والتهدئة لئلا يصيب الحاكم أية أضرار محتملة. ألف: إنتهاكات حقوق الإنسان داخل الحرمين الشريفين ومن مظاهر الحياة المعاصرة تعظيم الحياة المادية ومحاربة كل مايتعلق بالدين، ومن ملامح ذلك إنتهاك حرمة المساجد ومنها حرمة الحرمين الشريفين في الحجاز وغيرهما، وقد ظهر ذلك من خلال: 1 - عمليات قتل الحجاج الآمنين أثناء موسم الحج، وممارسة العنف ضدهم، والتدخل لمنع ممارسة حرياتهم الدينية والعقائدية والمذهبية. 2- زج عدد كبير من الحجاج في السجون والمعتقلات وتعرضهم لممارسات قمعية. 3 - التدخّل في تحديد شعارات الحجاج ومنطلقاتهم الإنسانية. 4 - التعامل مع الحجاج من موقع الإستعلاء. 5 - منع الحجاج من زيارة مراقد أئمتهم. 6 – منع الحجاج من إصطحاب كتب الأدعية والزيارات معهم وممارسة المضايقة عليهم بمختلف الطرق. 7 - عدم السماح بلمس الأضرحة المباركة الشريفة ومنها ضريح النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. 8 - تقييد زيارة مواقع الآثار الإسلامية التي ترتبط بحضارة الإسلام بل وسائر الشعائر الأخرى التي يعظمها أهل التوحيد. باء: الإستخفاف بسفك دماء الأبرياء إن سفك دماء الأبرياء يعتبر من أكبر الكبائر التي أنكرها الإسلام، وقد هدد الله سبحانه وتعالى مرتكبها في كتابه الكريم وتوعد عليها بالنار. إن ظاهرة القتل العمد للأبرياء أصبحت صفة العصر الذي تسوده الفوضى ويعمه الظلم والفساد قال تعالى: " وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ " سورة 2 البقرة الآية 30. ولابد لنا أن نشير الى التغير الحاصل في ممارسات الدول المستبدة الأكبر والأصغر على حد سواء والتي اتخذت عملية القتل الجماعي منهجاً يومياً لها، واسلوباً لقهر الشعوب والجماعات التي تخالفها باتت ترهب شعوباً بأكملها وتستهدف حياة أبرياء آمنين.
بعض مظاهر إنتهاكات حقوق الإنسان في الدول الأوروبية وقد ظهرت في العصر الحديث أنماطاً من الإنتهاكات لحقوق الإنسان العقائدية في اورووبا، ففي الدينمارك وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة حدثت مؤخراً إنتهاكات خطيرة منها الإساءة الى شخص النبي الأكرم مخمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحرمة القرآن الكريم سواء في الصحف والمجلات أوالقنوات الفضائية، وفي أجهزة الإعلام المرئية والصوتية، كما إندفعت بعض الدول الى تقييد بعض المظاهر الدينية للأشخاص خصوصاً فيما يتعلق بالحجاب على الرغم من أن الإسلام يحترم أنبياء أقوام تلك الدول وعقائدها، ويدعوهم الى التفاهم والحوار. فالإسلام لايدعو الى الحرب ولا الى العدوان، ويكتفي بالدفاع دون أن يبادر الى هجوم، والإسلام يدعو الى السلم والسلام.. وفي نظر الإسلام فإن القرآن يدعو الى إحترام أهل التوراة والإنجيل وأصحاب الكتاب، ويطلب التعايش معهم على أسس إنسانية عادلة وواضحة دون ن يكون هنك صلة بالعقيدة. وأما بخصوص الحجاب فإن أي إستقراء تاريخي لمناهج الأنبياء سيدلنا على إحترامهم جميعاً للحجاب وللطهارة والعفة.. وقد يناقض البعض نفسه من خلال الإنتماء الى تأريخ نبيه ومخلفته له! ولنا أن نشهد كيف يظهر السياسي الأوروبي المتعصب عدائه السافر لمنهج تأريخي يفتخر به وبالإنتماء إليه، فهذه مريم العذراء عليها السلام، وهذه آسية بنت مزاحم، وهذه أم موسى، وبلقيس، وغيرهن كثيرات كُنَّ يلبسن الحجاب، وقد حمل التأريخ أسمائهن كعفيفات طاهرات نظيفات. خاتمة إن تحقيق العدالة والسلام والسعادة أصبحت حاجة إنسانية ملحّة، وان حقوق الإنسان لابد منها، وعلى الحكام مراجعة وسائلهم، وإن عليهم أن يتركوا منطق القوة والإستبداد، وأن يلجئوا الى التفاهم والحوار والتعايش ومن الله التوفيق.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |