|
عن اية جاهلية يتحدث الجهلة؟!
رزاق عبود كثيرا ما يردد الاسلاميون، وبتزمت يفضح زيفهم عبارات مثل: "العودة الى الجاهلية"، او "اخلاق جاهلية"، او "عادات جاهلية"، او "قيم الجاهلية"، وغيرها، في حالة رفضهم، او معارضتهم لشئ، لا يتفق مع اسلامهم الطالباني، او مع مخططاتهم، وافكارهم الرجعية المظلمة. كما ورد الكثير في قران النبي محمد، وفي الحديث، والتاريخ الاسلامي، وصف العرب قبل الاسلام بالجهل، والجاهلية! ولا افهم كيف يمكن لهؤلاء "الجهلة" ان يحتلوا نصف العالم المعروف انذاك، ويستعمروا الدنيا، ويفرضوا دينهم على الامم الاخرى، اذا كانوا قد خرجوا توا من جاهليتهم. ان تحامل النبي محمد، واصحابه على العرب قبل الاسلام هو بالاساس، ومن بين امور اخرى، نابع من احترام عرب "الجاهلية" للمراة، وتعاملهم معها الند للند. فكانت الشاعرة، والسيدة، والتاجرة، والطبيبة، والفارسة ....الخ! ويحمل الكثير من الصحابة، والشعراء الكبار اسماء امهاتهم، لعل اشهرهم زهير بن ابي سلمى، وعمرو بن كلثوم. وسميت مناطق جغرافية مهمة، والهة، وحتى قبائل كبيرة باسم امراة. في حين اباح الاسلام، وشجع زواج القاصرات، وحصر ميراث المراة بنصف حق الرجل. لقد حاول النبي محمد، وتبعته من بعده تشويه التاريخ العربي قبل الاسلام ليبيضوا صفحة دينهم الجديد. فالعرب، قبل الاسلام، لم يتواجدوا في الجزيرة العربية فقط، ولا في مكة فقط، ولا تمثل قريش كل العرب، ولا بني هاشم كل قريش. لقد كان لعرب العراق، والشام ممالك، وحضارات، ودول، وجيوش قارعوا بها الفرس، والرومان. ونافسوا الفينيقيون في تجارتهم، والاغريق في علمهم، وطبهم، وفلسفتهم. ولكن يبدو ان محمد اراد ان يطمر كل هذا، لان اغلب العرب قبل رسالته كانت لديهم دياناتهم كاليهودية، والمسيحية، والتوحيدية، والحنفية، ناهيك عن الوثنية. كان هناك صابئة في العراق، والشام. ثم ان الكتب "السماوية" كلها تحدثت عن حضارة اليمن، وملكتها بلقيس. ولازال العرب حتى اليوم يتفاخرون بمنجزات اهل اليمن الزراعية، والعمرانية، والعلمية، ولازالت اثار حضارتهم قائمة لحد الان. لقد وصلت التقنية اللغوية عندهم الى امكانية قراءة، وكتابة العربية في اليمن (الحميرية) من اليسار الى اليمين، وبالعكس. الخليج العربي كان مزدحما بالممالك، والامارات العربية، وظهرهناك حكماء، وادباء، وفلاسفة، وقادة، وشعراء لعل اشهرهم امرؤ القيس. ام نسي محمد وجماعته عرب فلسطين، والاردن الذين شيدوا المدن، والممالك في عمق الصحراء، والجبال. ام تناسوا الملكة زنوبيا، ومقاومتها الغزو الروماني، وسقوط تدمر الشهير بسبب خيانة على طريقة خيانة العلقمي. واذا كان محمد، وجماعته يجهلون، او يتجاهلون عرب العراق، وعرب الشام رغم مراسلته لهم، ودعوتهم الى الاسلام، ورسائله الشهيرة الى الملك اليماني سيف بن ذي يزن. فان من قرا تاريخ العرب قبل الاسلام، او تاريخ الحضارات يعرف، ان معظم التاريخ المدون في العهد القديم تدور اخباره، وحوادثه في المنطقة التي ذكرناها، وتسمى اراضي الكتاب المقدس، و لا ضرورة لتكراره، وانما نذكر به فقط. السؤال كيف يمكن لامة "جاهلية" ان يكون لها لغة وابجدية، متطورة، يكتب بها الشعر الراقي، ويقدر الشعر لدرجة كتابته بماء الذهب، وتعليقه على جدران الكعبة. أي امة "جاهلة" فعلت ذلك؟ هل الجهلة من يقيمون مهرجانات ادبية سميت بالاسواق اشهرهاعكاظ؟! يتبارى بها الناس بشعرهم، ويجلس النقاد، والحكام قبل اكثر من الفين سنة من "اميركان ايدول"، او مغازل "الشعر النبطي"، ليحكموا على جودة القصيدة. فلربما تكون من المعلقات. واذ لم تزد المعلقات عن سبعة، فكم كان مقياس التقييم عاليا ياترى؟ لقد عرفنا العرب امة شاعرة، وليس امة جاهلة! لقد تطورت التجارة على يد العرب، وعرف العرب بتجارتهم مع جيرانهم. وما ذكره قرآن محمد عن رحلتا الصيف، والشتاء، الا اعترافا بدور العرب التجاري! والتجارة لا تنشط، الا عند الامم المتحضرة، التي نالت اعتراف واحترام الامم الاخرى، التي تتعامل معها. والمعروف، ان الصك، والكثير من المعاملات، والوثائق، والعقود التجارية، والصيرفة، والنقود تعامل بها اهل الجزيرة العربية قبل الاسلام. قد يكون لليهود دور في ذلك لكنهم كانوا عربا، وقبائلهم عربية، واسمائهم عربية، الى ان جاء محمد واستعداهم. عرب الجزيرة عرفوا الموسيقى، والفن، والتعامل مع المعادن، وصياغة الذهب، واشهرالسيوف هي السيوف العربية مثلما هي خيلهم، التي برعوا في تنشأتها، وتربيتها، وتحسين انواعها. كما برعوا في صناعة الملابس، والنسيج، والخمور، والنبيذ، وزراعة الكروم، وشق الترع، وتنظيم المزارع. وهم اول من اخترع المظلة البدائية على شكل عباءة صوفية يفردها المرأ، اذا اراد التخفيف من سرعة حصانه، او ناقته. العرب قبل الاسلام من الامم القليلة التي ابتدعت ليس فقط ابجديتها الخاصة، بل ابتدعت الارقام. فلحد الان لايعرف العالم غير الارقام اللاتينية، والهندية، والعربية. وفي وقت ترك العالم كله الارقام اللاتينية، لعدم عمليتها، وتبنوا الارقام العربية، ترك العرب المسلمون ارقامهم وتبنوا الارقام الهندية. مثلما تخلوا عن تاريخهم العريق، ونعتوه ب"عهد الجاهلية"، بتحريض من بدو الجزيرة العربية. ثم كيف يمكن لجاهلية ان يكون لها قصور، وممالك، وثقافات، وحضارات، ومعاملات، ومجالس، ومدن؟! هل كان النعمان بن المنذر، في العراق، والغساسنة في الشام، ومن بنى قصورهم، وقصور من بعدهم، وقبلهم جهلة؟ اما خرافة وئد البنات فلم تكن تمارسها الا قبيلة واحد في وسط الصحراء ولاسباب اقتصادية، وليس لاغراض ما يسمى بالشرف، او العار، وهذا التقليد مارسته شعوب عديدة. ولازال يمارس في الهند لاسباب اقتصادية لان التقاليد تفرض تكاليف الزواج على اهل البنت مثلا. وكثيرا ما تؤد البنات في الصين الان بسبب تحديد النسل بطفل واحد لكل عائلة، اذا كان الوالدين يفضلان الذكر على الانثى. وحتى بدايات القرن العشرين كان اليابانيون يتخلصون من عجائزهم، وشيوخهم بارسالهم الى الجبال ليموتوا جوعا وبردا بسبب القحط الشديد، ليفسحوا المجال امام الشباب للحياة. كما ان الوئد قبل الاسلام شمل الاولاد، وليس البنات فقط! ان قوما سمحوا بتعدد الازواج، مثل تعدد الزوجات، وسمحوا للمراة بالتجارة، والوراثة، والشعر، والفروسية، وحق الطلاق امور تدل على تحضرهم لا جهلهم. خديجة، زوجة محمد، كانت تاجرة، واستخدم محمد اموالها، واموال صديقه ابي بكر ليشتري بها موالين جدد، ولينصرف ل"عبادته". ثم ان اصول الحرب، والضيافة التي عرف بها العرب، وتنظيم الحياة الاجتماعية، لا يمكن ان تكون لقوم جاهلية. فمن هو الجاهل ياترى من حرر المراة، واعطاها كل حقوقها، ام من حجبها، ومنعها من الاختلاط، وجعلها تابعا للرجل، ومتاعا له. من احترم الشعر، والشعراء، ام من قال: "والشعراء يتبعهم الغاوون" هناك الكثير مما يمكن ان يذكر، وبالتاكيد فان المهتمين بتاريخ الادب العربي قبل الاسلام، وتاريخ العرب قبل الاسلام يعرفون المزيد، ولكننا نقول فقط ان اثار الجاهلية من كعبة، وحج، وصوم، وسدود اليمن، وقصور العراق، والشام، واثار تدمر لا زالت قائمة في حين لم يترك اثر لبيت من سماهم بالجهلة، ونعتهم بالجاهلية. فمن هم الجهلة ياترى؟؟!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |