|
حكاية الأسود الدرداء والنمور المستأسدة والفهود المتنمرة
في وسط الأرض بلاد خصبة، عطاؤها كثير، والمنتفعون منه قليل، مخازن غلالها طافحة، وبطون أكثر أهلها فارغة، مياهها عذبة في أنهارها، لكن مذاقها مر في الأفواه، حتى أغانيها نواح وعويل. تقطن الأرض الخصبة فصائل شتى، أغلبها من الأسود وثلة من النمور وقليل من الفهود، كل الأسود ضارية إلا أسود تلك الأرض، هي أليفة ومسالمة، دجنها النمور، لم يستعينوا على ذلك بمروضين من سيرك، ولا بالتنويم المغناطيسي. للموضوع قصة، سردها قصير، فمنذ حين كانت هنالك امبراطورية للنمور، تسيطر على الأرض الخصبة، كان الأسود فيها قلة، وسط بحر من النمور، وثار الأسود مرات، لكن الغلبة للكثرة على الشجاعة، ودام حكم النمور قروناً، تعرض فيها الأسود للذل والهوان، حتى تأصلت في نفوسهم عقدة الدونية، ووهنت عزائمهم، وتضعضعت معنوياتهم. جاء غرباء واسقطوا امبراطورية النمور، وانفصلت عنها البلاد الخصبة، ولم يمض زمن طويل حتى ثار الأسود، لكنهم فشلوا، لضعف قدراتهم القتالية، وقوة الغرباء. تسلط النمور على الأرض الخصبة، على الرغم من قلتهم، مستغلين خنوع الأسود المتوارث، من زمن الامبراطوريات النمرية، جاروا على الأسود، وبطشوا بالفهود، وتعسفوا في الحكم، فرضوا على الأسود احكاماً جائرة، حرموا عليهم الزئير، وعلموهم المواء كالقطط، واجبروهم على حلق لبدهم، وقسروهم على الالتحاق بجيش النمور، واستعملوهم للخدمة في بيوتهم ومزارعهم، حتى نسي بعض الأسود هويتهم، وتناسوا منهجهم ، وتبرأ البعض منهم من فصيلتهم وأصلهم، ليكسب رضا أسياده، فصاروا اشبه بالقطط الأليفة. سيطر الغرور على نفوس النمور المتجبرين، وظنوا انهم قادرون على مد سيطرتهم، إلى ما وراء حدود الأرض الخصبة، جندوا الأسود، وشنوا الحروب، وكانت الحصيلة هزائم متوالية، لأنها حروب عدوانية، ولأن جنودهم مدجنون، مهانون ومعذبون. ثم حل زمن هيمنة الضباع الشقر، القاطنين وراء البحار، والذين استاؤوا من مغامرات النمور الحربية، وأشد ما كان يقلقلهم، ليس عدوان النمور على جيرانهم، ولكن احتمال سقوط حكمهم، وصحوة الأسود، واستعادتهم لطبائعهم الفطرية، والضباع يفضلون بقاء حكم النمور المتعسف على اعتلاء الأسود لسدة الحكم وتمردهم على هيمنة الضباع، إذ ليس من المعقول ان يقبل أسد واع لمكانته ومدرك لقوته بسيطرة ضبع جبان وضيع. غزا جيش الضباع الأرض الخصبة، لبسط هيمنتهم عليها، ولمنع الأسود من استلام الحكم فيها، وكما هو متوقع لاذ قادة النمور بالفرار، وانفرط عقد جيشهم، المكون من أسود مدجنين، واستتب الأمر للضباع الغزاة. بث الضباع الفرقة في البلاد، وحرضوا كل طائفة على الآخرى، وعمقوا الخلافات بينهم، ولمنع الأسود من حكم البلاد، فرضوا وصفة شيطانية، تقضي بتقاسم الحكم بين الأسود والنمور والفهود، بحيث يكون للبلاد ثلاثة رؤوس، وهو أمر مخالف للطبيعة وللعقل أيضاً. عندما تململت مجموعة كبيرة من الأسود، وقاومت سيطرة الضباع ومؤمراتهم الخبيثة، جاء رد الضباع السريع: على الأسود نزع أسلحتهم لكي يطمأن البقية، ولأن الأسود اكثرية فالمطلوب توازن في القوى،، يستأسد النمور ويتنمر الفهود، وعلى حساب الأسود بالطبع. شجع الضباع المحتلون النمور على الفتك العشوائي بالأسود، ذكوراً واناثاُ وصغاراً، وساعدوا الفهود على التنمر، لكي يبتزوا الأسود والنمور في نفس الوقت، أما الأسود فقد حكموا عليهم بخلع الأنياب وقلع المخالب، لزرع الثقة في نفوس الأقليتين من النمور والفهود، هكذا ادعى الضباع الأبالسة، ورضخ معظم قادة الأسود، مع أنه حكم مجحف، بل بادر البعض منهم لقلع مخالبه بأنيابه، ثم قلع أنيابه بيديه، فيما تبرع آخرون لتطبيقه على أبناء فصيلتهم الرافضين. تعسرت الحياة في البلاد الخصبة، المياه شحت، والهواء تلوث، والأرزاق قلت، والأيتام والأرامل كثرت، لأنها خالفت ناموس الطبيعة، فالنمور فيها مستأسدة، والفهود متنمرة، والأسود درداء مدجنة، والكل خاضع للضباع الغازية القذرة في البلاد الخصبة الكل خاسرون، لأنهم خسروا أنفسهم، وهي أعظم الخسائر، عندما اضاعوا الثقة بينهم، وخانوا الجيرة، وتعصبوا للعشيرة، وقتلوا على الطائفية والعنصرية، ومارسوا الأنانية، وقربوا الغريب، وأبعدوا القريب. لأنهم يرفضون الاعتراف بالمشكلة، ويعظمون القوة، ويكرهون الناصحين، لم يسألوا حكيماً، ولا استشاروا مجرباً، لذا هم تائهون، وعن بر الأمان بعيدون، مع أن الحل بسيط، وهو العودة إلى فطرة الطبيعة، والتمسك بدين الفطرة، فلا بد أن يطرد الأغراب اليوم لا الغداة، وأن يحكم الأسود، عاجلاً برضا كل الأطراف، أم آجلاً بقوة السلاح، وأسس الحكم ثلاثة: العدل والانصاف والمساواة بين جميع الأجناس.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |