الحكومة العراقية الجديدة والمهام المركبة!

 



سلام كبة

kubba_s_i@yahoo.com

لا يختلف اثنان ان الحكومة الجديدة في بلادنا تنتظرها مهام جسام ترتقي الى مصاف المهام المصيرية حقا!وقد عبرت كلمات رئيس الجمهورية والنواب في الجلسات الاخيرة للبرلمان العراقي عن طبيعة هذه المهام الموضوعية،والتي تستلزم اولا استحضار الوعي السياسي والديمقراطي،والاقرار بواقع الاخفاقات الحكومية السابقة والردة الحضارية وانهيار الخدمات العامة والتضخم الاقتصادي والبطالة،والجهل باوليات القضية النفطية العراقية،كون النفط هو جوهر قضية التحرر الوطني والاجتمااقتصادي في العراق.
ان نموذج التطوير الذي جري الترويج له في العراق،والذي تكلل بتوقيع الحكومة العراقية السابقة عدة عقود في آن واحد مع شركات كبرى لاستثمار حقول نفط منتجة اصلا او جاهزة للانتاج،اعتمد على عقود الخدمة برسوم ثابتة،وهي في حقيقة الامر"عقود مشاركة الانتاج"،التي تعني اصلا التنازل عن مصدر سيادة العراق"الدولة تسيطر نظريا على النفط بينما تبقى مقيدة بصورة صارمة بشروط في العقود ولا يمكن تغييرها طيلة عقود مقبلة ".
على الحكومة الجديدة ادراك ان الامن الاقتصادي لا يعني بمحاربة المكاتب والشركات الوهمية التي تعتبر واحدة من القنوات التي تمول الارهاب وتسويق البضائع الفاسدة التي تستهدف الشعب والمطروحة في الاسواق بمئات الأطنان وملاحقة تجار الموت فقط ،بل محاصرة كافة النشاطات التي تضر بالاقتصاد الوطني،ومنها عقود الخدمة النفطية الجديدة - الادلة الدامغة على الاهداف غير المعلنة لنزع ملكية الشعب العراقي لثرواته النفطية والغازية على مراحل،كانت الحرب والاحتلال وتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليان وسيلتها.
الانفراجات المؤقتة لأزمات الوقود لا تعني حل المشكلة بل تجميدها،لأن الاقتصاد العراقي بشكل عام يغرق في ما يطلق عليه الركود التضخمي،في وقت ما زال قطاع النفط يعاني تدهورا في مستويات الانتاج.ويتسم الاقتصاد الوطني اليوم بتغييب المنهج والتخطيط والثقافة الاقتصادية وبالعمليات الاقتصادية التي تدور في الخفاء بعيدا عن انظار الدولة وسجلاتها الرسمية،كعمليات غسيل الاموال وتهريب العملة والآثار والوقود والمخدرات والاسلحة وغيرها،بالاضافة الى الاموال المستخدمة في دعم الحركات والاحزاب السياسية،وهو اقتصاد غير خاضع لاجراءات السياسات النقدية والاقتصادية للدولة،بل تكون اطرافه بالضرورة احد اهم عوامل هدم الاقتصاد العراقي.
امنيا،لازال الكثير من مسؤولي الدولة العراقية يتخبطون في طمس الحقائق ومحاولات تشويه وعي الناس،وظهر جليا للعيان خطل الاجراءات التي اعتمدتها الحكومة السابقة كتشكيل غرف العمليات ومنع التجول،وتشكيل لجان تحقيق لا تكشف عن نتائج اعمالها،وتعيين المخصصات لأعالة عوائل ضحايا التفجيرات.واقع الحال يؤكد استمرار الاغتيالات بالجملة والمفخخات والعبوات الناسفة واللاصقة وكواتم الصوت والسيطرات الوهمية والاختطاف الجماعي والفساد والاهمال والعمل على تردي الخدمات العامة مع سبق الاصرار.والانكى من ذلك كله ان مسؤولي الحكومة السابقة لا يخجلون ويتأسفون ويعترفون بأخطائهم في وقت يئن العراقيين فيه من اعمال الارهاب!
عملت الحكومة السابقة على تحويل الدولة الى مزرعة خصوصية لأصحاب السلطة والنفوذ من زعماء الطوائف والعشائر والجماعات القومية المسيطرة،تتغذى من ارادة منع الطرف المسيطر من الاستئثار بالثروة،او الاستئثار بها بدله..دولة الفوضى السياسية الدائمة والمصالحة الوطنية الملثمة واللغو الفارغ والخطابات الانشائية ونهوض الخطابات السلفية والغيبية في مواجهة العلمانية والعقلانية...دولة الدعوة والمجاهرة الشكلية بالوحدة الوطنية والمشاركة الفعالة بقتلها فعليا ويوميا،دولة الحديث عن حل المليشيات المسلحة والعمل الدؤوب لتقوية عودها،دولة قتل الناس والنواح عليهم والسير وراء نعوشهم واتهام الآخرين بقتلهم.
كما عملت الحكومة السابقة على اشاعة ثقافة الرعاع والقطيع بتدخلاتها الفظة في شؤون النقابات والمنظمات غير الحكومية،والعمل على"طرد الدولة"من ميدان الاقتصاد،والتدمير التدريجي للطاقات الانتاجية المحلية،وتضخيم مواقع الرأسمال الكبير في ميادين التجارة الخارجية والداخلية واستفحال المظاهر الطفيلية المصاحبة لها،وانتشار الارهاب الابيض طاعونا،وتوسيع التفاوتات الاجتماعية والتهميش الاجتماعي بشكل خطير بحيث بات كل ذلك ينذر بتوترات اجتماعية قد يصعب السيطرة عليها.
في جميع الاحوال تعتمد سياسات الاحتلال والشركات الغربية على التخاريف الاجتماعية من مشايخ اقطاعية ومدينية واصوليات دينية وطائفية من اصحاب العمائم واللحى والبيوتات الكبيرة والتجار الكومبرادور والشرائح الطفيلية،والبورجوازيات البيروقراطية في المؤسسات الحكومية على اساس ايجاد وحدة في المصالح بين هذه الطبقات والمحتل،وتسخير الحثالات الطبقية الرثة لخدمتها وفرض ديمقراطيتها بقوة التضليل والنفوذ والسلطة والسلاح والارهاب والقمع!
هنا وجب التأكيد ان الحكومة الجديدة تنتظرها مهام مركبة،في مقدمتها العمل على ترجيح العقل والتعامل الواقعي،بما يعزز وحدة العراق وسعادة شعبه وترسيخ العلاقات التي تعزز الشراكة الوطنية والعمل على كل ما يحفظ المصالح العليا للبلاد ويثبت الأمن والاستقرار ويوسع رقعة الديمقراطية،ويطلق حرية وسائل الاعلام كسلطة رابعة في كشف الفساد الذي لا يعرف الجيل الجديد من ابناء الشعب العراقي الكثير عنه،واتخاذ الاجراءات الادارية والمالية للخلاص من مفهوم السلطات – الدولة – المزرعة..ان العقلية المؤسساتية العصرية عقلانية الطابع تحكم العقل في التفكير والسلوك وتنبذ الفردية في اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتقوم على صرحها العلمانية،اي التفكير الاجتماعي القائم على فصل الدين عن الدولة،والحماية الحقة لحرية الدين والعقيدة والفكر والابداع،وبالتالي المجتمع المدني!

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 


 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com