|
ليس من الحكمة ، والأمانة الادعاء أن الشعب العراقي كان له القرار والقدرة على الاختيار في قبول الاحتلال الأمريكي من عدمه ، خاصة وانه كان يعيش تحت ضغط داخلي وأزمات لم يكن له دخل في إيجادها ، بل كان أسير مؤامرات ودوائر استخباراتية تعمل ليلها موصولا بنهارها في خلق أجواء من شأنها تسهيل مهمة القوات التي ستأتي حتما لدخول العراق . حتما وفق ما خطط له وبعناية فاقت كل التصورات إلى الدرجة التي كان المتابع فيها يجهل الخطوة القادمة التي ستأتي بعد ساعة وعلى مستوى خبراء وحكماء افنوا أعمارهم في دراسة السياسة وقوانينها تراهم وقفوا عاجزين أمام تحليل ألازمة التي تفنن الأمريكي في إدارتها . حالما من يدعي علمه بما كانت ستقرره قيادات الحرب التي اجتمعت في الجزيرة الأسبانية النائية ، هذا الاجتماع الذي عُقد قبل إعلان الحرب والذي أوقف العالم بأسره على ساق واحدة . منا من كان يقول وبمنتهى الثقة أن الحرب لن تقوم والمعارضة العالمية لشنها ستؤخذ بنظر الاعتبار وسيقرر قادة الحرب بالاستمرار في سياسة الاحتواء التي كان يقودها العالم تجاه الحكم في بغداد . وهناك من رسم مستقبل علاقته بالنظام وفق هذه الرؤية ووقف معارضا لإسقاط صدام بالتدخل العسكري ورفع شعار " لا لأمريكا ... لا لصدام " ومنهم على سبيل المثال حزب الدعوة الإسلامية الذي قاد التظاهرات في لندن وبعض العواصم الأوربية معربا عن معارضته إسقاط صدام حسين بالتدخل الخارجي جنبا إلى جنب مع التظاهرات المليونية في روما ولندن والقاهرة وعمان وتظاهرات البعثيين في بغداد واليمن وغيرها من الدول التي كنا نصنفها بالداعمة للنظام في بغداد .وهناك من كان واثقا من دخول القوات الأمريكية إلى العراق ولكنه ليس واثقا من إسقاط النظام مبررا رأيه هذا بمعارك الجنرال شوارتسكوف الذي وصل فيها على مشارف بغداد في حرب الخليج الأولى وقرر الانسحاب بأمر جاءه من القيادات العليا في البنتاغون حيث كان على بعد خطوات من سقوط النظام وهزيمته إلى الأبد , من دون أن يدخل الشعب العراقي في أزمة الحصار الاقتصادي الذي اهلك الحرث والنسل .وهذا بالذات الرأي الذي كان شائعا في العراق ما يفسر الهدوء الذي تميّز به الشارع العراقي في الأيام الأولى للحرب , خوفا من إعادة التجربة المريرة في عام 1991 عندما أشعل العراقيون انتفاضتهم الشعبانية التي خلفت ربع مليون شهيد في مقابر العراق الجماعية إضافة إلى مئات الآلاف من المعتقلين .هذا الاختلاف في تحليل السياسة الأمريكية تجاه النظام في بغداد يؤكد وبضرس قاطع أن المصالح هي ألوجهه الحقيقية للبوصلة الأمريكية في تعاملها مع قضايا الشعوب وليس معاناتهم وما يكابدونه من استبداد وظلم واضطهاد فكل هذا كان حاضرا لدى ابعد متابع لحياة الشعب العراقي تحت نير الاحتلال ألبعثي إلا أن أمريكا لم تحرك ساكنا لدفع المظلمة الكبرى التي كان يعيشها العراق . المحزن حقا هو هذا الهوّس بالكاوبوي الأمريكي الذي يسميه البعض مُخلّصا متناسيا أو يريد أن ينسينا دور " مخلصه الكاوبو- يوي " الذي يدعيه في المذبحة الكبرى التي وقع فيها الشعب العراق عندما استجابة للدعوات الأمريكية بالثورة والعصيان ، هذه الدعوة التي وزعتها الطائرات الأمريكية في أجواء العراق يوم 25/2/1991 بصورة منشورات ورقية كتبت عن لسان جورج بوش الرئيس الأمريكي آنذاك . هنا لا بد أن نقول أن ليس من حق احد التلاعب بتأريخ بلدنا ...... فأمريكا خذلت العراقيين بدعمها اللامحدود لنظام صدام في حربه اللعينة التي شنها على الجارة إيران ، وخذلت العراقيين في نصيحتها التي قدمتها لصدام في نزاعه مع الكويت مما جرأهُ على احتلالها ، وخذلت أمريكا العراقيين عندما دعتهم للثورة وتنكرت لهم ليحصدهم صدام كالحقول اليانعة التي آن حصادها واستفرد بنا البعثيون وجيوش أمريكا وأربعين دولة متحالفة معها لا تبعد عنا إلا بضع عشرات من الأمتار لا غير , وفي كل خذلان أمريكي للعراقيين يكلفهم مئات الآلاف من القتلى الأبرياء .ظهر في الساحة العراقية في الآونة الأخيرة من ينظر لنا ببطولات المخلص الأمريكي ، وقد توزعت هذه الأقلام بعناية في جبهات مفترضة في المجتمع العراقي كلهم يسوّق ( لطائفته ) ( الأمريكي البطل ) الذي لابد من صداقته وعدم ازعاجه وألا فمصير الطائفة لقمة سائغة في فم أعداءها من الطوائف الأخرى ووفق هذا البرنامج المقصود ظهرت مقالات تحدثنا عن قوة مفترضة للشيعة تسبب بهزيمتها الإمام الخميني بوقوفه ألتأريخي في وجه ثقافة الغاب ألأمريكية مما افقد الطائفة الحليف القوي القادر على حمايتها . نقول لهذه الأقلام : إننا لا نتحدث عن خلافة أو سلطة عندما نتحدث عن المذهب الأمامي ، إننا نفترض في مذهبنا مذهب حق وإنصاف ويدعوا إلى العدل والسلام وهذه الصفات حضارية لا تجد لها موضعا في سجل ثقافة الغاب الأمريكية ، فالذي يسعى للحصول على الدعم الأمريكي لابد أن يتنكر لوصايا نبيه ونصائح أئمته ويتنكر لثقافة : "وَ لَا تُطِيعُوا الْأَدْعِيَاءَ ، الَّذِينَ شَرِبْتُمْ بِصَفْوِكُمْ كَدَرَهُمْ ، وَ خَلَطْتُمْ بِصِحَّتِكُمْ مَرَضَهُمْ ، وَ أَدْخَلْتُمْ فِي حَقِّكُمْ بَاطِلَهُمْ " نهج البلاغة فليس من الإنصاف بعد هذا الخطاب الصادر من الإمام علي (ع) أن نطالب قائدا كالخميني اكتفى من الدنيا بزهيد الطعام ليعيش به أن يؤمّن حقوقا مفترضة للشيعة على حساب العدل والإنصاف التي يدوسها الكاوبوي الأمريكي كل يوم وفي كل بقعة من بقاع العالم فهل من الإنصاف أن نساوي إيران الخميني بتلك ( الايران ) التي كان يقودها الشاه الذليل ؟! وهل من العبقرية والحنكة أن تبقى إيران حديقة خلفية للبيت الأبيض الأمريكي وفيها هذه العقول وتملك الثروات والإرث الحضاري الضارب في عمق التأريخ ؟!
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |