|
ا
احتراق عشرات السجانين الصهاينة في جحيم الكرمل
احتراق غابة امر عادي، يتكرر حدوثه كل عام، في كل القارات والدول، وقد تتمد نيرانه، لتلتهم المباني، وتقتل الأحياء، وتوقع الخسائر الفادحة، يقال أنه من سنن الطبيعة، طريقتها الخاصة، للتخلص من النفايات، من نبات ميت أو مريض، وبالحرق تجدد الغابة شبابها، أو تولد من جديد، كذلك اسطورة العنقاء، الطائر الخرافي، المقدس لدى القدماء، إذا هرم أوقد ناراً، وارتمي فيها، ليولد من الرماد مجدداً، هكذا كتب المؤرخ اليوناني هيرودت، ولو كانت هنالك عنقاء لاختارت موطناً لها في جنوب لبنان، هي البقعة الأطيب في بلاد فينيقيا، ولعلها ذلك الطائر الضخم الذي رأيته بأم عيني، قبل حوالي عامين، محلقاً على ارتفاع شاهق، يكاد يلامس سحب لبنان. حرق الموتى من طقوس الهندوس، هم أيضاً يؤمنون بتجدد الحياة، من خلال الاستنساخ، لو شاء الله أن يستنسخ السجانين الصهاينة المحترقين فماذا سيكون خلقهم الجديد؟ أخمن بأنهم سيعودوا للحياة صهاينة أيضاً، فليس هنالك على سلم الخلق كله أدنى منهم. لم تكن ميتة عادية، والحريق أيضاً لم يسبقه مثيل، في هذه المرة لم يكن الهاربون سجناء وأسرى، بل السجانين أنفسهم، تركوا السجن ولاذوا بالفرار، ناجين بأنفسهم، أو هكذا ظنوا، لكن النيران كانت لهم بالمرصاد، طاردت حافلتهم، حتى انقلبت، احاطت بهم من كل جانب، ولم تخلف منهم سوى الرماد. الحريق استثنائي، في كل المعايير، لا يعرفون مصدره، وقد أذهلتهم نيرانه المستعرة، التي ارتفع لهيبها، ليعلوا فوق هامات الأشجار السامقة، الطبيعة تحترق، لكن الصدفة لم تكن وحدها حاضرة، هنالك أيضاً ما وراء الطبيعة، وكأن للنيران عقل محرك، دفعها لتطارد حافلة السجانين، من منعطف لآخر، ومن أجمة لآخرى، حتى فقد سائقها السيطرة، انقلبت على الطريق المتعرج، اكتسحتها النيران، وانصهر كل ما فيها، المعدن واللحم يومها كان عيدهم، المعروف بعيد النور، لكن النيران أطفأت أنوار شمعداناتهم، وتحول العيد إلى مأتم، هم يؤمنون بأن القرابين غير مقبولة إن لم تأكلها النيران، وهاهي القرابين، وقد اكلتها النيران، يبقى أن نعرف لأي آله، أجزم بأنها ذهبت تقدمة للعجل الذهبي ذي الخوار. من ارسل فرق الاطفاء؟ المصريون والأردنيون والأتراك والسلطة الفلسطينية، لو لم يصلوا متأخرين، لربما انقذوا السجانين الصهاينة، لينكلوا بآخرين. يقال أن الانسان على فراش الموت، أو في حافلة محترقة، يتذكر مسيرة حياته، مثل شريط سينمائي، كانت اشرطة ذاكراتهم مكتظة، بصور السجناء والأسرى المعذبين، عبد الكريم عبيد ومصطفى الديراني وسمير القنطار وخضر زيدان وماهر كوراني ومحمد سرور وحسين سليمان وعشرات الآلاف غيرهم، وجوه مخضبة بالدماء، واجساد مشوهة بالسياط، واصوات شكوى ولعنات، طاردتهم تلك اللعنات حتى اللحظات الأخيرة عندما اقتحمت النيران الحافلة. (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة: 71-73]
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |