قضية ألحسين (ع) بين جفاء الشيعة و ظلم السنة
سلام على روحك الطاهرة يا أمّاه ..و أنا أعيد ذكراك في عاشوراء الحسين (ع).. فما زالت همساتك الحزينة تراودني, و دموعك تتلئلأ أمام ناظري .. يا من علمتيني حبّ الحسين ذلك الحب الحزين .. ألذي سكن قلبي ليكبر معي, إنه قدري ألذي إحتواني بلا إختيار حتى أسال مدامعي, فلعنت الظالمين الذين فصلوا ذلك الرأس الشريف المقدس عن جسده الطاهر أيام عاشوراء من كل سنة, و تصوّرت طويلاً أن تلك المأساة وقعت مرةً واحدة لتخلد أبداً مع التأريخ في موسم شهر محرم الحرام من كل سنة, و هكذا تعاملنا مع تلك القضية الكبيرة بل السّر الذي كان سبباً لحفظ الأسلام على الأقل في الأطار الفكري, و كثيراً ما سألت أصحاب المنابر الذين كانوا يأتوننا من النجف الأشرف أنذاك لأحياء ليالي عاشوراء بالطرق التقليدية التي إعتاد عليها الجميع لتتحول أكبر قضية في التأريخ مع مرور الزمن إلى مجرد مراسم روتينية تتحكم فيها الطغاة الحاكمين لمآربهم كل سنة, و كان بيتنا القديم يتحول إلى مأتم و عزاء لأكثر من عشرة أيام ليكون ملتقىً لجميع أهل بلدتنا نوزع خلالها الدارجين والشاي و الطعام و السكائر, ثم تعود الحياة لمجاريها بمجرد إنتهاء عشاء الليلة الثالثة عشر من شهر محرم الحرام, و التي سميت بعشاء غرباء كربلاء - كفصل أخير تيمناً بفاجعة كربلاء, و قد يتذكر الكثير من الأخوة كيف إن رجال الأمن كانوا يجبرون القائمين على تلك الحسينيات من تمجيد الطاغية, و كذلك منع الشباب دون سن الثامنة عشر من الدخول للمشاركة في العزاء بحجة الحفاظ على هدوء و نظم المكان.
و هكذا تعاطينا مع أكبر قضية في الأسلام بحدود ذلك الأطار, حتى بلغنا سن السادسة عشرة على تلك الوتيرة العادية سنوياً, و لم أكن أعي حقيقة مظلومية الحسين(ع) و ابعاد تلك النهضة الفاصلة بين خط الكفر و خط الايمان.. بين الحق والباطل .. بين الحرية والعبودية - بكل معانيها التي ما تزال غامضة رغم مرور القرون عليها في أوساطنا, .. ليستمر الطواغيت بإستغلال الدين لأستحمار الناس و تخديرهم بينما يفترض بالنظام الأسلامي - كونه شاملاً و كاملاً لجميع مناحي الحياة - أن يتقدم على بقية الأنظمة الوضعية التي كرّست الفساد والظلم والأستغلال في أوساطنا, إنها قضية حياة و موت, أي أن نكون مع الحسين أو لانكون, و والله حين وعيت موقف الحسين (ع) رأيته و كأنه يعيش معنا حياً, و لا يتحسسه إلا الأنسان المؤمن الصدوق, حيث تتكرر تفاصيل عاشوراء كلّ يوم في أوساطنا و مواقفنا .. بل في كل ساعة و موقف, و لست مبالغاً إنْ قلت كل لحظة من لحظات حياتنا و في تفاصيل تعاملنا و معيشتنا و صدقنا مع الآخرين.فالثبات على الصدق مع الذات في زمن الدجل و الكذب رغم ما يكلفنا .. مو قفٌ حسيني بإمتياز..و تحمل أذي الآخرين خصوصاً العائلة و المقربين لتنشئة جيل صالح موقف بطولي و شجاع ..
و مداراة الناس و السعي لخدمتهم خصوصاً ألمحتاجين و المرضى منهم هو موقف بطولي متقدم .. و حفظ صلة الرحم, و الدفاع عن المظلومين حيثما كانوا .. ثم السعي لتغيّر المنكر و إبداله بالمعروف و الحكم بما أنزل الله تعالى بين العباد هو إيثارٌ لا يرقى لمستواهُ شئ, فهي الشهادة نفسها
ولا تقلّ عن موقف أصحاب الحسين (ع) , بل و موقف الحسين نفسه مع فارق العصمة و درجة الأيثار.
يا شيعة الحسين .. إن إمامنا المظلوم لم يستشهد لمآرب آنية أو بسبب مواقف عسكرية أو سياسية بحتة كانت وليدة وقتها, و لا طمعاً بالخلافة .. إلا لإقامة العدل بين الناس, و لا للتظاهر بالعصمة و السيادة و الأمامة إلا كونها حقٌ إلهيّ لا دخل للبشر فيها من ناخبين و وجهاء و شيوخ و أحزاب و غيرها .. و إنّ شهادته (ع) كانت علامةً و إنذارٌ لمسألتين؛ هما:
وعي فلسفة أحكام الأسلام و تطبيقاتها في واقعنا المعاش على المستوى الشخصي و الأجتماعي أولاً .. و ثانياً رفض الظالمين و آلمتسلطين بالمحاصصة و الأكثرية و الأقلية والديمقراطية و التكنوقراطية والليبرالية و المصالحة و الوطنية و المهادنة , فجميعها ليس فقط لا تعبر عن حقييقة العدالة و روح الأسلام .. إنما يتوضح من معالمها و وقائعها ألوان الأنتهازية و التكبر و التسلط و التلاعب بحقوق و أموال الناس عموماً و الفقراء خصوصاً لصالح طبقة الأثرياء و آلأرستقراطيين و الليبراليين و اصحاب الجاه, كما لا يمكن أن يكون أمثال هؤلاء الحاكمين إنسانيين و منصفين في تعاملهم مع حقوق الأكثرية المستضعفة من الناس بسبب تناقض مواقفهم .
كل هذا لأنّ مفهوم السياسة و الحكم في فكر الأحزاب السياسية و الوضعية و حتى الدينية التي لا ترتبط بولاية الفقيه في دولنا هو؛ أنْ تهدم وطنك و تسرق الناس لكي تبني وضعك و بيتك و حزبك, و كلنا شاهدين اليوم على أمثلة واقعية واضحة في إثنان و عشرون دولة عربية مسلمة.
الأمام الحسين (ع) أراد الحرية و العدل و الرفاه للناس كونهم كأسنان المشط متساوين في الخلق والأنسانية و لا فرق بين عالم و أمي و عامل و فلاح و تاجر و كاسب, لذلك لم يوالي الظالمين الذين تعاملوا بالطبقية والحزبية رغم إنّ شعارهم و دين دولهم كان الأسلام في الظاهر - كما هو حال عراقنا اليوم و جميع الدّول العربية - لكمّ الأفواه و إسكات صوت دعاة الحق ألذين يريدون تطبيق أحكام الاسلام تحت عباءة المرجعية الصالحة ألممتدة من ولاية ائمة الحق من أهل بيت الرسول (ص), و هكذا فُعِلَ بعد السقوط مع أهل العراق ألذين كان أكثرهم يتلّهف - خصوصاً ألدعاة الواعيين - لتطبيق هدف و سرّ ثورة الأمام الحسين(ع) - كي يكون الأسلام دين الدولة بحق . . أحكاماً و تطبيقات و ليس بالشكل فقط , بل من خلال تفاصيل البنود والنقاط التي وردت في مواد الدستور, خصوصاً مسالة الحاكم و القيادة ألشرعية و الفصل بين السلطات الثلاث أو آلأربع (القضاء, ألأجراء, ألتشريع, ألأعلام) و موقع الأنتخابات و مواصفات المُنْتَخَبين بالأضافة إلى القائد العام للنظام الجمهوري العراقي الجديد, و التي من المُفترض حسب مفهوم آلأمام ألحسين أن تكون للمعصوم في زمن الحضور و لولي الفقيه ألذي يمثل ألأمام المعصوم في زمن الغيبة لكن لم يحصل حتى أقلّ من هذا في عراق الحسين, و الغريب إن المرجعية نفسها مع إحترامنا لها رجعت إلى عادتها القديمة, بعد أن اصدرت في بداية السقوط مجموعة من الفتاوى الإنشائية ألتي إنحصرت مضامينها في (ضبط النفس و الصبر و التأنّي في المواقف التي تتخذ) و لم تتعرض في موقفها المتذبذب إلى تفاصيل القوانين و الأحكام المصيرية و المواقف الشرعية من آلأحداث والمحن و من أهمّ بنود القانون الأساسي كأمور القضاء و الولاية والفدرالية و حقوق و كرامة الناس و التي هي الأهمّ, بل بقتْ الكتل السياسية في الحكومة نفسها تتأرجح و تراوح مكانها في تشكيل الحكومة على مدى ثمانية أشهر لأنتخاب المتصدين فيها بين المحاصصة و الاغلبية و التكنوقراط, مما سبب ضياع المليارات من أموال الشعب لتذهب في جيوب أعضاء البرلمان والحكومة التي لم تقدم ما كان مأمولاً في مقابل تلك الأموال الحرام, كما إنّ المرجعية التي تدّعي إمتثالها لخط الحسين (ع) لم تتخذ موقفاً إلى الآن و لم تتدخل و لم تنطق بحرف مقابل ما يتعرض له كرامة البلاد و العباد في بلد الحسين بسبب التدخلات الأجنيبة و عوامل الضغط الخارجي و الدولي و الاقليمي.
لقد إتخذ الصالحون أمثال ألأمام الخميني (رض) و الشهيد ألمظلوم الفيلسوف محمد باقر الصدر (قدس) و معهم الآلاف من المؤمنين الرساليين و المفكرين الذين إستشهدوا -إتخذوا الولاية سبيلاً و نهجاً في الحياة بإعتبارها الأهم و آلأولى من كلّ العبادات التقليدية الأخرى حسب الرواية المشهورة عن الأمام الصادق (ع) : {بُني الأسلام على خمس ؛ على الصوم والصلاة والحج والخمس والولاية و ما نودي بشئ مثلما الولاية} يعني في حالة عدم تَحَكّم الولاية في حياتنا الأجتماعية بكل تفصيل فلا أهمية و لا معنى و لا إعتبار للصوم و الصلاة و الحج و الخمس و العبادات الشخصية , كما أن حديث زرارة(رض) و حديث أبي خديحة(رض) ألمشهورتان و المقبولتان لدى جميع العلماء - هما ألحكمُ الفصل بين خطابنا و بين خطاب الآخرين من الذين إتخذوا الأسلم شكلاً بلا مضمون, ليكون غطاءاً لمآربهم و شهواتهم و أنانيتهم و تحزّبهم للأسف, كي يُحصروا مبادئ الدين الأسلامي ألف سنة أُخر بين جدران المساجد و بيوت الحوزة التقليدية التي أكل عليها الدهر و شرب, بالطبع هذا الخطاب التقليدي قد أفرح بالضمن إخواننا الدعاة عموماً و العلمانيين خصوصاً كي تتفرغ الساحة لهم تماماً ليفعلوا الحلال و الحرام كيفما شاؤوا من دون وجود رقيب قانوني شرعي أو عالم تقيّ مقتدر شجاع فوق رؤوسهم يحكم بينهم بشرع الله كوليّ للفقيه يحاكم من تُسول له نفسه, و أنه لَمِنَ المُؤسف جدّاً جدّاً أنْ يُسنّ دستوراً لعراق الحسين عليه السلام مكوناً من أكثر من مائة و خمسين بنداً لتحديد مصير الأمة المنكوبة فيه و هو لا يحتوي على بندٍ إسلاميّ واحد .. و المصيبة الكبرى و التناقض الفاضح هو التصويت على أنّ الدّين الرّسمي للدولة هو الأسلام كما فعل الشاه المقبور و صدام المجرم من قبل!!
إن ما ورد في مقالنا هو إمتثالٌ لقول الأمام الحسين (ع) و موقفه .. و الذي لا يلتزم و لا يحفط علماء المسلمين التقليديون من أحاديثهم جهلاً أو تجاهلاً سوى ما يُوافق مصالحهم و فتاواهم في إطار العبادات و المعاملات الشخصية في حدودها الضيّقة ليبقى العراق مذبوحاً مقطعاً ضعيفاً و جاهزاً لكل الأحتمالات و المحن من تسلط المتكبرين و المجرمين و آلأنتهازيين عليه في كل وقت, و لهذا ستستمر قضية الأمام الحسين (ع) بين جفاء الشيعة و ظلم السنة , و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي ا لعظيم.
العودة الى الصفحة الرئيسية