|
الغضبة الشعبية ضد الفساد صادق البلادي مضت جمعة الغضبة الشعبية دون أن يتحقق ما أشاعه البعض من توقعات ، رفعوها الى مرتبة اليقين، إستنادا الى أربعين تقرير إستخباراتي ولم يتحقق ماخشي منه عديدون أستنادا الى ما أشيع فدعوا الى عدم المشاركة في يوم الغضبة الشعبية ، كما لم تتحقق مخاوف آخرين معتمدين على تجارب سابقة عاشوها، وكأنهم متأكدون أن التاريخ سيعيد نفسه .غير أن توقعات الشبيبة الداعية ليوم الغضبة الشعبية هي التي تحققت ، ولو جزئيا، و أن تحققها يزيد الثقة بالنفس ويدفع الى مواصلة العمل حتى يتحقق النصر على الفساد والفاسدين ، وأن يعي الفاسدون أن انتخاب مجلس النواب ، حتى لو لم يكن إختيار نوابه بالصدقة عليهم من رؤساء قوائمهم ، فالفائزون بأصوات الناخبين في هذا البرلمان لا يتجاوزعددهم 15 نائبا فقط ، أن يعوا أن ما نص عليه الدستور من أن الشعب مصدر السلطات وشرعيتها ( المادة 5 ) يبقى للشعب لن يتخلى عنه للنواب طيلة دورة إنتخابية و لن يتركهم يخيطون كما يشاؤون ويخربطون، بل يبقى يراقبهم بممارسة حرياته العامة والدفاع عنها، واللجوء الى التعبير عن رأيه بمختلف السبل التي كفلتها الشرعة الدولية لحقوق الأنسان، وما نص عليه الدستور العراقي، الذي جرت صياغته في تناسب القوى التي كانت موجودة في الجمعية الوطنية الانتقالية لقد إنقسم الرأي حول الدعوة الى يوم الغضب الشعبي، فالحكومة و الكتل السياسية المشاركة في الحكم إجتمعت كلها واتفقت على إحباط التظاهرة ، ولكن بطريقة التخويف والقى رئيس الوزراء ، المالكي رئيس حزب الدعوة خطابا ، بتخويل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب وقادة الكتل السياسية أخاف فيه الناس من التظاهرة " بحجة وجود جهات معروفة، يقصد البعثيين يريدون بناء على معلومات مؤكدة وأدلة دامغة القفز على المطالب المشروعة، ستجدونهم ربما اعلى صوتا منكم واكثر حماسا للمطالبة بكل ما من شانه اشاعة الفوضى والاخلال بالنظام العام وتعريض مؤسسات الدولة والممتلكات العامة والخاصة للخطر في محاولة للانقضاض على كل ما حققتموه من مكتسبات في حياة ديمقراطية وانتخابات حرة وتبادل سلمي للسلطة واطلاق للحريات.ودعا الى "ضرورة اجهاض مخططات اعداء الحرية والديمقراطية ، وعدم المشاركة بمظاهرة الغد لانها مريبة وفيها احياء لصوت الذين دمروا العراق واسقطوا سيادته ودمروا مؤسساته ،واشاعوا القتل والفساد". واستطاع أن يحصل من المرجعيات الدينية الدعم ضد التظاهرة بعد أن كانت قد أعلنت تأييدها للمظاهرات. وقد وصف بعض كبار حزب الدعوة مثل حيدر العبادي الضحايا الذين سقطوا خلال المظاهرات المطالبة بالخدمات بأنهم مشاغبون وليسو بشهداء، كما وصف النائب عدنان الشحماني الفائز عن دولة القانون "المتظاهرين المطالبين بحقوقهم المشروعة من توفير الخدمات من ماء وكهرباء والقضاء على البطالة في تصريح صحفي بالخوارج الذين يحاولون شق الصف الشيعي , وتوعد الشحماني بمقاضاة جميع المتظاهرين بالمحاكم". وإذا كانت محاولة الحكومة والكتل السياسية المشاركة في حكومة المحاصصة مفهومة لأن المظاهرة والغضبة موجهة اليها ، فأن الدعوة ضد ها من بعض الذين ليست لهم مصلحة من النظام القائم ليست مبررة. فهم كانوا ينطلقون أيضا، ولو لنوايا مختلفة، من أن البعثيين يريدون استرجاع السلطة، ولربما من باب القبول بأهون الشرين، وهم لم يدركوا أن هذه القاعدة ليس لها صفة الأطلاق، ، ورجوعهم الى هذه القاعدة ، وخاصة أن الكثير منهم هم من الشيوعيين سابقا، يثير الأستغراب فإن التجربة التي مرت بالكثيرين منا زمن الحرب الباردة تجربة السكوت والصمت عن الأخطاء وحتى الكبيرة منها بحجة أن لا يستفيد المعسكر الأمبريالي منها ، قد أسهمت في أنهيار المعسكر الأشتراكي، و قدمت عبرة أن السكوت عن الخطأ هو المميت. ولكن كثيرون أيدوا الدعوة الى المشاركة في المظاهرة الحق المشروع و المكفول دستوريا لحق التعبير عن الرأي. وفي أيام أفراح التغيير الثوري التي تعيشها شعوب البلدان العربية بعد أن إنتصر شعبا تونس ومصر، وأطاحا بنظامي زين العابدين وحسني مبارك ، وبعد تحرك شعوب اليمن والبحرين و ليبيا، ورغم الخشية مما قد يتسبب فيه المجنون القذافي من مآسي وكارثة للشعب الليبي ، ومع الإستعدادات ليوم الغضب الشعبي في 25 شباط كان الأمل أن يأخذ ساسة الفساد العبرة و الدرس من هذه التغيرات الجارية أمام الأعين فلا يحتاجون من يذكرهم بما ورد في القرآن " أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كانت عاقبة الذين من قبلهم ..." ، لكن من يجلس على الكرسي ينسى كل شئ سوى كيفية الحفاظ عليه. إن انهيار هؤلاء الطغاة وفبلهم صدام حسين نماذج حية وواقعية ينبغي أن تكون واضحة لحكام عراق اليوم فيدركوا حقا أن هذا هو مصير من ينتهك الحريات ويستبد بثروات الشعب ، ويدركوا ترابط الحرية مع الخبز وأن توفرهما يحقق السلام . هذا السلام الضروري للإسراع في إعادة إعمـار العراق. لقد حاولت فلول البعث وحزب العودة الأستفادة من هذا اليوم لإثبات وجودهم و تقوية معنوياتهم ، واصدروا التعليمات لأزلامهم لتخريب التظاهرات ، ولإثارة الفوضى لكنهم لم ينجحوا في تحقيق مآربهم. كما وأن عددا من فصائل ما يسمى بالمقاومة قد أصدرت بيانا نشرته السومرية قالت فيه أنها قررت تعليق كل أنواع العمل المسلح خلال التظاهرات التي ستنطلق يوم الجمعة . وأضاف البيان أن "قرار تعليق العمل المسلح جاء تأييدا منا ووقوفاً مع ثورة الشعب العراقي المظلوم في المطالبة بحقوقه المشروعة وانتفاضته على الاحتلال والظلم والاضطهاد والفساد والقمع ومصادرة الحريات"، بحسب البيان، وفشلهم في تحقيق مآربهم يعكس ضعفهم ، وحرص المتظاهرين على إفشال أي إندساس. وبسبب الحرص على سلمية المظاهرة رغم ما شابها من بعض الأقعال غير السليمة وسقوط قتلى، جعلت المالكي يصدر الجمعة بيانا اعترف فيه أن المتظاهرين كانوا "على قدر كبير من الشعور بالمسؤولية والتحضر وحب وطنهم وفوتو الفرصة على الإرهابيين وأنصارهم الذين يفكرون بالعودة إلى عهد الظلم والدكتاتورية". كذلك أصدر مكتب السيتاني ، السبت ، بيانا عبر فيه عن التقدير العالي لأداء المشاركين في المظاهرات بصورة سلمية وحضارية، داعيا الحكومة ومجلس النواب الى اتخاذ خطوات جادة وملموسة في سبيل تحسين الخدمات العامة ولاسيما الطاقة الكهربائية ومفردات البطاقة التموينية وتوفير فرص العمل للعاطلين ومكافحة الفساد المستشري في مختلف دوائر الدولة ، محذرا من مغبة الاستمرار على النهج الحالي في ادارة الدولة ومما يمكن ان ينجم عن عدم الاسراع في وقع حلول جذرية لمشاكل المواطنين التي صبروا عليها طويلا. لكن مع كل التأكيدات على حماية المتظاهرين سلميا فقد سقط عدد من القتلى في بغداد وعدة مدن أخرى ، منها السليمانية مما حدا بمنظمة العفو الدولية الى إصدار بيان دعت فيه حكومة المالكي وحكومة إقليم كردستان لضمان عدم استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين وكبح جماح قوات الأمن التابعة لها ، ودعت في بيان لاحق الى تقديم المسؤولين عن القتل والذين أصدروا الأوامر الى المحكمة. وعسى أن يفي المالكي بما وعد به السبت من أنه سيحقق في بعض الإختراقات والتجاوزات التي حدثت في أماكن محدودة لينال المقصرون والمتجاوزون عقفابهم ، و عسى أن يفي المالكي ويقدم مرتكبوا القتل الى القضاء لينالوا جزاءهم ، الأمر الذي قد يؤدي الى أحترام قوات الأمن الى حقوق الأنسان، خاصة حقه في الحياة ، ونتعود على النضالات السلمية دون خوف. ومع ما رافق اليوم من تجاوزات فإن رسالة الشعب للحكومة والرئاسات ومجلس النواب ليس فقط وصلت وينبغي أستيعابها وبسرعة، بل و حققت بعض مطالبها فقد استقالت عدة حكومات محلية في البصرة مثلا، واشتد الضغط على غيرها للإستقالة،مثل حكومة بغداد، حكومة كامل الزيدي، وهذا يتطلب من مجلس النواب الإسراع في إعادة النظر بقانون الحكومات المحلية، وإصدار قانون جديد لإنتخاب المحافظات ، كما لمجلس النواب ، ويتطلب من القوى الديمقراطية للإتحاد لخوض الأنتخابات بعد أن فشلت حكومات الأحزاب الإسلامية في تحقيق ديمقراطية حقيقية تحقق حقوق الشعب ومطالبه ، فيتأكد المواطنون من تحقيق مطلب : نفط الشعب للشعب مو للحرامية، ولا يبقى العراق الدولة الرابعة في قائمة الفساد الدولية، ويسير شعبه صفا واحدا مع الشعوب العربية لتحقيق الديمقراطية السياسية والأجتماعية ليزول الفقر والاستبداد ، ويشارك المواطن في رسم سياسة البلد وفق الدستور لا اعتمادا على المحاصصة ويتمتع المواطن بالحرية و الكرامة والرفاهية. ولقد سبق للعراق أن شهد يوم غضبة شعبية ضد الإرهاب في كانون أول 2003 ، وها هو يوم الغضبة الشعبية ضد الفساد يمر، ولسوف يأتي حتما يوم الغضبة الشعبية ضد الإحتلال ، فيتخلص العراق من ثالوث الدمار : الإحتلال و الإرهاب والفساد.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |