متظاهرو 25 شباط... بعثيون ام وطنيون؟
 


عدنان الصالحي/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

ما جرى في العراق ليوم 25 شباط كان واضح المعالم بانه تحرك شعبي عفوي عموما رغم وجود بعض الاخطاء غير المقبولة هنا او هناك لكن الجو العام والمرتب للتظاهرات لم يكن سوى تذمر شعبي من حالة التردي المستمر في جميع الجوانب وحالة المحاباة والتقسيمات السياسية للحكومة على اساس الحزب والطائفة والشخصنة، هذا الرأي يتفق عليه الاغلب رغم ان البعض يصر على انها مخططات خارجية.

في كل ما جرى من احداث يمكن القول بانه حالة متفق عليها كونها تمثل حقوق للمتظاهرين مع اجماع الاغلب على رفض اي مظهر للعنف سواء كانت تجاه ممتلكات الدولة او استخدام الشعارات المطالبة بتغيير النظام الى بعض التصرفات الشخصية غير اللائقة، لكن المهم هو ان ما يمكن ام نستخلصه مما جرى في هذه الاحداث في عموم العراق ويتمثل ذلك في:

1- تشنج واضح وكبير وطريقة مربكة لإدارة الحالة من قبل الدولة وخطأ قاتل بوصف المتظاهرين ب(البعثية) واستعادة للأسطوانة السابقة بوصف اي معارض بالخارجي او الغوغائي او العميل.

2- خوف غير مبرر للحكومة عموما مما جرى وهي من المفترض حالة طبيعية متوقعة في عراقنا الجديد، والتعامل معها ليس صعبا ولا غريبا فالدستور العراقي منح الجميع حق التظاهر وابداء الرأي وفق القانون وبطريقة سليمة حرة، اضافة الى ان الحكومة شرعية ووليدة صناديق الاقتراع وبشكل لا غبار عليه.

3- تصوير الحالة وكأنها اشبه بحالة انقلاب على العلمية السياسية سبقها خطاب للسيد رئيس الحكومة يحذر فيه من مغبة الاشتراك ويشير الى وجود مخططات لإيقاع الفتنة رغم ان المتظاهرين يحملون شعارا اجتماعيا موحدا ( تحسين الخدمات ومحاربة الفساد)، لذلك فأن مسؤولية الحكومة هي حمايتهم وتوفير الاجواء اللازمة لممارسة الحق الدستوري.

4- تصوير التظاهرات وكأنها تستهدف الحكومة بالخصوص والسيد المالكي شخصيا وهو توصيف غير صحيح فالتظاهرات حملت الجميع المسؤولية (برلمانيين، حكومة، مجالس محلية، قضاء، ومؤسسات).

5- فشل الاعلام الحكومي في ان يكون منصفا او مهنيا بمحاولته نقل صور غير حقيقية عما يجري على الارض مما سيقلل من مصداقيته مستقبلا.

6- اخطاء قاتلة لقيادات الفرق والمسؤولين الامنيين بتجاوزهم الشخصي على المتظاهرين او الاعلامين كما حدث لمراسل قناة الحرة مع قائدة الفرقة السابعة، وبعض الصحفيين ممن تم الاعتداء عليهم واعتقالهم وحتى التنكيل بهم، وهي اول تجربة غير طيبة لاختبار القيادات الامنية في عراقنا الجديد.

7- عدم وجود خطط امنية مدروسة لحماية مجالس المحافظات والدوائر الحكومة مما ادى الى حرق البعض منها نتيجة الشغب وعدم انضباط بعض المتظاهرين.

8- التصريحات غير المدروسة لبعض السياسيين بوصف التظاهرات (مضيعة للوقت واعاقة للحياة) وهل ان الذين خرجوا كانوا يتجولون في نزهة او استرخاء ام ان اغلبهم جاءت بهم الحاجة والعوز والفقر وهذا ما شهد به حتى رئيس الوزراء بوصف المطالب بالصحيحة والاستحقاقية.

9- غياب تام وواضح للبرلمانين عن الساحة في محافظاتهم وترك الحكومة تواجه الوضع لوحدها وكأنهم ينتظرون الفرصة لجعلها بمفردها، عدا البعض.

10- الاحتكاك غير المبرر من قبل بعض المتظاهرين واستخدامهم اساليب العنف ضد رجال الشرطة والجيش والذين اثبت اغلبهم مهنيته وانسانيته في التعامل مع الاحداث، رغم قلة الخبرة وقصر المدة للتدريب على هذا النوع من الحياة الديمقراطية.

11- عدم وضوح قيادات المتظاهرين وانسياقهم وراء بعض التصرفات اللامسؤولة بالتجاوز على اموال وممتلكات الدولة بالحرق والتهشيم، ومحاولة جر التظاهرات الى اهداف جانبية شخصية.

ما يمكن فعله:

يبدو ان الجميع يتفق على ان الكثير من مطالب المتظاهرين بغض النظر عن الاتفاق كونهم مسيسين ام غير ذلك بانها مطالب واقعية ولا مناص من الاستجابة لها والسيد رئيس الحكومة اول من اشار الى وجود الخلل في جميع ما يجري وخصوص تشكيل الحكومة وعدم رضاه عنها من خلال كلمة القاها في البرلمان العراقي اثناء تقديم حكومته للتصويت ومن ذلك يمكننا تقديم بعض الاقتراحات اتلي ينبغي اجراءها مستقبلا:
1- من ظاهر الحال فان اغلب التظاهرات هي ناتجة من سوء ادارة اغلب مجالس المحافظات والمحافظين وليست موجهة الى الحكومة المركزية حاليا

على اقل تقدير، لذا فان الدعوة الى اجراء انتخابات مبكرة لمجالس المحافظات والمجالس المحلية امر يبدو في غاية الاهمية.

2- البدء الفعلي في معالجة الفساد من اعلى المستويات ونزولا الى ادناها وبشكل لا مجاملة فيه ولا غبن وبطريقة علنية تكون بمثابة الحرب على

الارهاب فالفساد قد يكون فعلا هو مغذ اساسي للكثير من العصابات الإرهابية.

3- تعهد الوزراء شخصيا وبشكل علني بفترة محددة لتحسين واقع الخدمات والارتقاء بها وخلاف ذلك فعليهم الاستقالة او التنحي واعطاء الفرصة لغيرهم، وعدم رمي الثقل بمجمله على كاهل رئيس الحكومة.

4- تعهد الاحزاب على عدم حماية المفسدين ايا كان لونهم وانتمائهم بغية النهوض بالوضع العراقي الجديد بشكل يليق والشعار المرفوع في محاربة الفساد وبناء دولة عصرية.

5- السماح لرئيس الحكومة باستبدال الوزراء غير المقتنع بأدائهم منذ البدء استثمار للوقت والجهد.

6- المباشرة بتطبيق استراتيجية (كل شيء من اجل الكهرباء) فهي الشريان الذي سيحيي البلد صناعيا وزراعيا واقتصاديا وامنيا واجتماعيا، وسيساهم بتقليل الضغط على الحكومة من حيث البطالة والترهل الوظيفي.

كم تمنينا ان يكون يوم ال25 من شباط/فبراير كرنفالا عراقيا يغيض اعداء العملية السياسية والعراق الجديد وكم كان عظيما لو ان الحكومة والبرلمان جسدا حالة الواقع باندكاكهم مع المتظاهرين شخصيا والالتحام معهم في طريقة كانت ستلقم المتفوهين حجرا، لكن وللأسف ارتبك الجميع في وقت كان من المفترض ان تكون الشجاعة في اعلى قممها وسادت حالة من الارباك.

اما وصف المتظاهرين ب(البعثية) فهو خطئ غير مقبول لان البعث تاريخ اسود لفظه الشارع العراقي قبل ان يطرده الامريكان من السلطة، فلماذا نعطيهم حجما اكبر من حجمهم ولماذا ندفع بأبنائنا الى مساحات غير مساحاتنا فنحن احق بسماع اصواتهم والاستجابة لمطالبهم وامانيهم.

وفي نهاية ذلك فلا يغيب عن اذهاننا بان حكومتنا حكومة دستورية جاءت بها اصابعنا البنفسجية وعلينا ان نحميها من الخطأ كما وقفنا معها في ولادتها، واننا اذ نضع هذا الرأي بين من يريد ان يقرأه بعقله اولا مستحضرين المثل القائل (صديقك من نصحك وليس من صدّقك)، واذا ما نجحنا بتقديم الحقوق والخدمات لمواطنينا فأننا سنسد الثغرات امام المتصيدين في الماء العكر وسنجد ابنائنا وكما كان ديدنهم دائما اول المتصدين للحالمين بالعودة الى المربع الاول وزمن الديكتاتورية والقمع البغيض.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

 

العودة الى الصفحة الرئيسية

Google

 في بنت الرافدينفي الويب



© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين
Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved.
 info@bentalrafedain.com