|
من مقامات آخر الزمان المقامة البابلية
كاظم فنجان الحمامي
قال صابر بن حيران : استهواني السهر. على شاطئ النهر. فسمعت شاعرا يقرأ مقام المنصوري. بصوت جهوري. ويقف على أطلال آشور بانيبال. وينشد من غير انتحال : هذا العراق الذي بالأمس نعرفه قال صابر بن حيران : وبعد أن أكمل الرجل أبياته. وعقل مناغاته. تنفس تنفس الصعداء. وبكى حتى أبكى البعداء. فدنوت منه بكبد حرى. أقدم رجلا وأؤخر أخرى. فامتدحته على عذوبة صوته. واعتذرت من التطفل عليه في غير وقته. وقلت : جئت لأزيح عنك همّك. فربّ أخ لك لم تلده امك. فقال : والذي فطر السماء. وعلم آدم الأسماء. وأنزل المطر من الغمام. وأخرج التمر من الأكمام. لقد فسد الزمان. وعم العدوان. وفقد المعوان. والله المستعان. ها أنت تراني في شيب لائح. ووهن فادح. وداء واضح. والباطن فاضح. ولقد كنا والله ممن ملك ومال. وولى وآل. ورقد وأنال. ووصل وصال. حتى حوينا كنوز السّراة. ومعادن الخيرات. فارضنا رحيبة الباع. خصيبة الرباع. ومشاهدنا مشهودة. ومساجدنا مقصودة. وحياضنا مورودة. وآثارنا محمودة. ومبانينا وثيقة. وحقولنا أنيقة. يجتنى من رياضها أزاهير الكلام. ويسمع في أرجائها صرير الأقلام. ومصاهرنا أطهر الأحرار مولدا. وأسرهم سؤددا. وأحلاهم موردا. وأصحهم موعدا. إنهم بدور المحافل. وبحور النوافل. والعراق بوابة البلد الحرام. وفيه بيت آرام. وشجرة آدم والمقام. وأقوّم البلدان قبلة. وأوسعها دجلة. وأقدمها تفصيلا وجملة. وما منا إلا العلم المعروف. ومن له المعرفة والمعروف. حملنا تراث جدودنا. وسقينا بالماء الطاهر عودنا. فخصائصنا أثيرة. ومزايانا كثيرة. وكان فضل الله علينا عظيما. وإحسانه لدينا عميما, فلم تزل الجوائح تسحت. والنوائب تنحت. حتى تكالب علينا الأمريكان. والإنجليز والطليان. والنرويج والأسبان. واجتاحتنا أسراب الغربان. وجيوش الطغيان. وانتشرت الدبابات والسرايا. في كل الاتجاهات والزوايا. قال صابر بن حيران: ثم دارت الأهلة دورها. وتقلبت كورها وحورها. وما نجز من وعودهم وعد. ولا سحّ لها رعد. وأقسم بمرسل الرياح. وفالق الصباح. إنّ أمريكا أكذب من سجاح. وأكثر إجراما من دراكولا السفّاح. فهي الداء العياء. والداهية الدهياء. ثم إنّ الدهر قلب لنا ظهر المجن. فتفجرت علينا براكين المحن. وسحقتنا عجلات المؤامرة. وكنا في أمس الحاجة إلى المؤازرة. فخذلتنا العرب العاربة. والعرب المستعربة. وكانوا إن أقدمنا أحجموا. وإذا أعربنا أعجموا. وإن أذكينا أخمدوا. ومتى شوينا رمّدوا. وتسابقت دول الجوار في إثارة الفتن. ما ظهر منها وما بطن. واغلقوا بوجوهنا أبواب الحدود. وسمحوا بتسلل الإرهاب الممدود. وتصاعدت قيمة التسعيرة. في بيع الفيزا والتأشيرة. باسلوب يبعث على الدهشة والحيرة. ولم يحترموا قواعد الجوار والجيرة. ولا روابط العمومة والعشيرة. فلجأت في منافذها الحدودية إلى سوء المعاملة. والتنكيل والذلة. والامعان في الإساءة والبهذلة. نقف في المنافذ والمطارات ببال كاسف. وقلب راجف. فطال حصارنا. وغاب أنصارنا. وحالنا حال الأسير في كربته. والغريق في لجته. والمحترق في بحرته. وجار علينا الزمان. ففارقنا الولدان. وتنائينا في البلدان. وتخلقنا بخلق من ابتلى فصبر. وتجلت له العبر فاعتبر. ثم تأوّه الرجل تأوّه الأسيف. ولملم جسده الضعيف. ورفع عقيرته بصوت أسمع الصم. وكاد يزعزع الجبال الشمّ. وأنشد : يا دجلة الخير: قد هانت مطامحُنا قال صابر بن حيران : فتحرّقت حينئذ وحولقت. وأفقت ولكن حين فات الوقت . فقلت : أوصني أيها الرجل الناصح. فقال : اجعل العراق نصب عينك. وهذا فراق بيني وبينك. فودعته وعبراتي يتحدّرن من المآقي. وزفراتي يتصعّدن من التراقي. وكانت هذه خاتمة التلاقي. .
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |