صالح لا يصلح لليمن
كاظم فنجان الحمامي
في إسرائيل, تقدمت خادمة (بنيامين نتنياهو) بشكوى أمام القضاء ضد زوجته (سارة), التي كانت معاملتها للخادمة في غاية السوء والقسوة, فكان قرار المحكمة في صالح الخادمة المُضطهدة, وجاء في قرار الحكم: (أن نتنياهو لا يصلح أن يكون رئيسا للوزراء لأن آلية اتخاذ القرار عنده محكومة بما تمليه عليه زوجته سارة), وأوضحت المحكمة في قرارها: (أن حقيقة سماح نتنياهو لزوجته المشاكسة باتخاذ القرارات, وتعيين وطرد من تشاء, وإملاء رغبتها عليه, جعل منه غير صالح للحكم). اما عندنا فالأمر مختلف تماما فالطالح هو الصالح في نظر حكوماتنا المستبدة, والنساء قوامات على الرؤساء والوزراء والسفراء, وبات من حق ملكة قرطاج (الكوافيرة ليلى الطرابلسي) أن تدير دفة الحكم في تونس, وتملي رغباتها على الرئيس, وأصبح من حق (سوزان مبارك) أن تتولى إدارة شؤون البلاد من وراء ظهر زوجها الرئيس, وتكررت حكايات حريم السلطان, ودورهن في تهميش سلطة البلاط في معظم البلدان العربية, حتى تمادين في التطاول على ديوان الحكم, وتعمقن في تصريف الأمور بنسب متفاوتة من داخل مخادعهن في (الحرملك), بيد أن المراكز القيادية في اليمن (الكئيب) كانت في منأى إلى حد ما عن تدخل الحريم والنسوان, لكنها صارت حكرا على عائلة الرئيس (علي عبد الله صالح), الذي انفرد بالسلطة, ووزع المناصب القيادية على أولاده وحاشيته وأبناء عمومته, ومنح الطالح والصالح منهم ما لم يمنحه الفراعنة للكهنة في القرون الغابرة, وصارت الصلاحيات المطلقة في زمن صالح بيد أسرته وأفراد قبيلته, فقيادة الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بيد أبنه (أحمد), ورئاسة أركان الأمن المركزي بيد (يحيى أبن شقيقه محمد), وقيادة الحرس الخاص بيد
(طارق أبن شقيقه محمد), ووكالة جهاز الأمن القومي بيد (عمار أبن شقيقه محمد), وقيادة الفرقة الأولى بيد علي محسن صالح الأحمر (الأخ غير الشقيق للرئيس), وقيادة القوة الجوية, واللواء السادس طيران بيد علي صالح الأحمر, وقيادة المنطقة الشرقية بيد (محمد علي محسن الأحمر) ابن عم الرئيس, وإدارة شركات التبغ والكبريت بيد توفيق بن صالح عبد الله صالح, ورئاسة الخطوط الجوية اليمنية بيد عبد الخالق القاضي (أبن خال الرئيس), ووكالة وزارة التجارة بيد (محمد بن إسماعيل) أبن خال الرئيس, وقيادة لواء المجد بيد عبد الله القاضي (أبن خال الرئيس), ولم ينس أبناء قبيلته, فاستعان بهم صالح (لإصلاح) شأن الأمة اليمنية, فأسند قيادة اللواء الخامس والثلاثين المدرع إلى محمد بن عبد الله حيدر, وجعل قيادة المنطقة الشرقية بيد محمد بن علي محسن, وقيادة معسكر خالد بيد صالح الضنين, وقيادة المنطقة الجنوبية بيد مهدي مقولة,
وللنساء في اليمن حصص مخفية في كيان الدولة, يمكن الاستدلال عليها من المراكز القيادية الرفيعة, التي تبوئها ذويهن, وكانت حصة الأسد من نصيب (أحمد الكحلاني) الذي انتقل, في زمن الرئيس صالح, من أمين للعاصمة إلى محافظ إلى وزير, وهو أبو زوجته الرابعة, أما الحصة الأخرى فكانت من نصيب (عبد الرحمن الأكوع) شقيق الزوجة الثالثة للرئيس, الذي انتقل هو الآخر من أمين للعاصمة, إلى محافظ ثم إلى وزير, ومن نصيب (خالد الأكوع) الذي صار وكيلا لوزارة الخارجية, وفضل الأكوع وكيل وزارة التأمينات, وجعل زوج ابنته (خالد الأرحبي) مديرا للقصور الرئاسية, وشقيقه (عمر الأرحبي) مديرا لشركة النفط اليمنية, وابن عمه (عبد الكريم الأرحبي) مديرا للصندوق الاجتماعي, ثم وزيرا للتخطيط, فنائبا لرئيس الوزراء, أما شقيق زوجته الثانية (عبد الوهاب بن عبد الله الحجري) فصار سفيرا لليمن في واشنطن, بينما انيطت مسئولية شؤون القبائل بزوج ابنته الأخرى المدعو (علي أحمد دويد), وجعل شقيقه (نعمان أحمد دويد) محافظا لصنعاء. وشقيقه (يحيى أحمد دويد) رئيسا لمصلحة أراضي وعقارات الدولة, والقائمة طويلة وحافلة بمواقع ومفاصل الدولة, وقطاعاتها الاقتصادية والعسكرية التي وقعت في قبضة عائلة الرئيس وأبناء قبيلته وأصهاره, فلم يُقرب إليه احد من عامة الناس إلا من ضمن ولاءهم الشديد, فتغلغلت جذور الفساد في جسد المؤسسات اليمنية, حتى وصلت إلى نخاع بنيتها التحتية, وطفحت فوق سطوح بنيتها العلوية.
وهكذا انتهت صلاحية صالح, ولم يعد قادرا على إدخال أية إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية في حياة الشعب اليمني, الذي قال كلمة الحق بوجه رموز الطغمة الفاسدة, وصاح بأعلى صوته: لا للاستبداد والظلم, لا للتوريث والتمديد, لا لسياسة التجويع, لا لنهب الثروات, نعم للتغير نحو الأفضل, وأطلق صرخة الاحتجاج والرفض على حكومة (صالح), التي باتت غير صالحة للبقاء بعد أن فقدت صلاحيتها,
وهي الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة, ويبدو أنها على وشك الرحيل والزوال.
العودة الى الصفحة الرئيسية
في بنت الرافدينفي الويب