|
في أيام الحصار والبؤس في منتصف تسعينيات القرن الماضي، كان ستة من أفراد إحدى العوائل الفقيرة والقريبة لي، من المدخنين الشرهين، ولكون إن جميع أفراد الآسرة من العمالة ودخلهم محدود، فقد لاحظت ربة البيت إن ما يتم إنفاقه على التتن (اي التبغ) و دفاتر (اللف) يرهق ميزانية العائلة.. واجتمعت بزوجها وأبلغته بضرورة تقليل عدد المدخنين دعما للاقتصاد الأسري.. واجتمع الأب بأولاده، وتم اتخاذ قرار استراتيجي بترك ثلاثة من أبناءه لعادة التدخين.. وبعد مرور شهر واحد على تنفيذ القرار بحذافيره، اكتشفت ربة البيت إن الذين تركوا التدخين يلتهمون من الخبز والطبيخ ما لا تتحمله ميزانية الأسرة، (لان الذي يترك التدخين تنفتح شهيته للطعام بشكل كبير).. فطلبت عقد اجتماع طارئ بزوجها، وأبلغته فيه إن الوضع ازداد سوءا، وان النفقات ازدادت عن السابق، لان تاركي التدخين الثلاثة يلتهمون كل شيء، وينبغي بهم أن يعودوا للتدخين.. فاجتمع الأب بأولاده ورمى لكل منهم حفنة تتن ودفتر لف، واصدر أوامره: عودوا للتدخين، وهذا أمر غير قابل للنقاش.. هذه القصة حقيقية ومعروفة في منطقتنا.. لقد نسي الطاقم الحكومي والطاقم البرلماني، إنهم هُم نصف المشكلة، وان القرارات تصدر منهم، وان تنفيذها أو عدم تنفيذها يعود لهم وحدهم.. بينما نحن عموم الشعب، الذين تحدينا الإرهاب والمفخخات وانتخبناهم، لسنا سوى متفرجين، وننتظر الفرج أو غودو العراقي ليطل براسه علينا ذات يوم.. وكلنا نتذكر وعود النواب في انتخابات آذار 2010 وكلهم كانوا يتباكون علينا وعلى مآسينا وأمراضنا وعللنا التي لا تحصى، وكان كل منهم يدّعي انه يمتلك عصا سحرية ليقلب أمورنا رأس على عقب (أو على جنب على الأقل) وينقلوننا من جحيم البؤس إلى نعيم الرفاهية، وسيحاربوا الفساد بضراوة قل نظيرها.. ولكن، وبعد مرور عام على انتخابهم، ظهر إن (عصاهم السحرية) عاطلة عن العمل وغير فعالة مثل أجهزة كشف المتفجرات، وان ملفات الفساد السابقة تم وضعها في أعلى الرفوف، أو حرقها في مسرحيات نارية سخيفة وتافهة، يقودها مخرجون وممثلون فاشلون.. ولان أداء وتمثيل بعضهم كان ضعيفا وفاشلا، مثل أداء حارقي ملفات العقود والحسابات المليونية والمليارية تماما، فأنني أتبرع بكيلوغرام من البصل البعشيقي الأصيل (منطقتي الحبيبة) لكل فرد من الطاقم الحكومي ومن السادة النواب، كي يقشروها ويثرمونها أثناء اجتماعاتهم العلنية (بس مو براسنا)، كي يزداد أداؤهم إقناعا بفعل الدموع البصلية..! وهذه المكرمة البصلية، قد تساهم في استنزال دموع من كان يبكي علينا، قبل أن يتربع على كرسي المنصب وينشغل بعدّ دولاراته، عوضا على أن يفكر في كيفية تخفيف الآم الفقراء، كما فعل أثناء الحملة الانتخابية.. وأقول لساستنا ونوابنا الأفاضل، ليس كل من ينتقدكم وينتقد أداؤكم يقف في خندق أعداء العراق الجديد، بل نحن ننتقدكم ونحدد أخطاؤكم التي نستشعرها، كي تستمر مسيرة العراق الديمقراطي الجديد نحو الأمام.. وأجدد القول، عودوا يا سادة يا كرام لشعاراتكم الانتخابية وتمعنوا بها قليلا، مثلما عاد (الجماعة أعلاه) إلى التدخين، علّ وعسى تنصلح الأمور..!! * البصل البعشيقي مشهور بجودته التي اكتسبها بفعل رائحته النفاذة وطعمه الحاد جدا..
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |