|
هل ينطبق وصف الثورة الشبابية على كل التحركات الشعبية التي تلت الثورتين التونسية والمصرية من اليمن والبحرين إلى ليبيا؟ أليس غريبا أنه في ظل المد الثوري الشعبي يعود التدخل الأجنبي مجددا تحت عنوان حماية الثوار؟!.لم يعد دقيقا القول بأن ما تشهده الدول العربية شأن داخلي يُدرج في إطار الثورات الشعبية الديمقراطية التحررية وخصوصا بعد صدور قرار من مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا والموقف الأمريكي والأوروبي الداعم لتدخل أجنبي في ليبيا وتحريك الجيوش لمساندة الثوار،ومباركة الثوار لهذا التدخل ،أيضا بعد دخول جيوش خليجية إلى البحرين وردة فعل إيران التي تشير لمنزلق خطير تسير إليه الأحداث في البحرين. تساؤلات كبيرة تفرض نفسها ليس من باب التشكيك بل من باب التمحيص والتدقيق لفهم أعمق لما يجري في العالم العربي ولإنقاذ الثورات العربية مما يحاك لها،ذلك أن التدخل الغربي من خلال مجلس الأمن أو بدونه لن يخدم الثورة العربية لا في ليبيا ولا خارجها بل قد يطيل من عمر نظام القذافي وبقية الأنظمة مع إبقائهما تحت الحصار وابتزازها سياسيا واقتصاديا. الحالة الثورية العربية بدأت بمشهد تراجيدي لشاب تونسي يحرق نفسه ثم خروج الشباب في مظاهرات غضب عارمة تحولت لثورة شاركت فيها كل قطاعات الشعب التونسي تطالب بإسقاط النظام ، تلتها بعد أيام ثورة شبابية في ميدان التحرير في القاهرة تحولت بدورها لثورة عمت كل المدن المصرية وكل قطاعات الشعب.في الحالتين يمكن وصف ما جرى بالثورة بالرغم من نتائجها الإصلاحية حتى الآن،ويمكن وصفها بالثورة الشبابية لأن الشباب كانوا الطليعة بالرغم من مشاركة كل قطاعات الشعب في الثورة. عند اندلاع الثورتين التونسية والمصرية كتبنا دراسة بعنوان (الثورتان التونسية والمصرية من منظور سسيولوجيا الثورة ) وقلنا فيه بان الثورة فعل مركب ولا يجوز توقع صيرورة الأحداث الثورية في العالم العربي لنفس ما صارت إليه الأحداث في تونس ومصر ،فالجغرافيا السياسية والتركيبة السكانية والنخب الحاكمة والثروة الطبيعية للبلد أمور تلعب دورا في مجريات الثورة ومآلها.ليس هذا تقليلا من فعل الثورة وقيمته ولا تشكيكا بالثورات العربية أينما اندلعت فالحالة العربية متردية بحيث تستدعي كل دولة عربية ثورة جذرية،ولكن حذرا من انزلاق الثورات لحالات من الفوضى والحرب الأهلية والإقليمية تعطي الفرصة للقوى الأجنبية للتدخل بذرائع حماية المدنيين أو لحفظ الاستقرار ،وفي هذه الحالة سيفقد الثوار مصداقيتهم وسيفقد البلد استقلاله. مع تـأييدنا التام للثورة على نظام معمر القذافي الذي حول ليبيا لحقل تجارب لفكره القاصر، مهدرا ثرواتها ومجهلا شعبها ،ومتلاعبا بقضايا الأمةالعربية المصيرية منصبا نفسه وصيا عليها ،وعندما لم تنصاع الأمة لهلوسته توجه إلى إفريقيا لينصبب نفسه ملكا على ملوكها في الوقت الذي لم يعد فيه ملوك بإفريقيا إلا من هم على شاكلته...إلا أن هذا التأييد يجب أن لا يعمينا عن المخططات التي تُحاك لليبيا وللمغرب العربي خصوصا الجزائر والمغرب،مخططات تحاول ركوب موجة المد الثوري العربي وتوظيف رغبة الليبيين بتغيير نظام حكمهم لتحقيق أهداف متعارضة مع روح وفلسفة الثورة العربية،وهنا تقع مسؤولية كبيرة على الثوار الليبيين لتجنب مؤامرة تحويل ثورتهم لحرب الأهلية وربما لتقسيم البلاد وهي مخططات تتقاطع فيها مصالح القذافي فاقد الشرعية مع مصالح الغرب المتطلع للهيمنة. قرار مجلس الأمن بفرض حظر جوي على ليبيا بعد مطالبة جامعة الدول العربية بذلك يثير كثيرا من القلق من سوء نية الغرب عند تطبيق هذا القرار لأن تنفيذ القرار يحتاج لتحرك الجيوش على الأرض وفي الجو ،كما ان الحظر الجوي لا يؤدي أكله سريعا وبالتالي قد يستمر لسنين،وهنا نذكر بالحضر الجوي على العراق عام 1991 والذي كان الأساس لاحقا لتقسم العراق واحتلاله عام 2003.ومن المفارقات أن موقف جامعة الدول العربية والموقف العربي بشكل عام كان رافضا للحظر الجوي ولأي تدخل غربي في القضايا العربية واليوم باتت جامعة الدول العربية في ظل حالة المد الثوري العربي تشجع هكذا تدخل !. أما بالنسبة للبحرين فملامح الفتنة الطائفية تطغى على ملامح الثورة الشعبية والشبابية والديمقراطية،لا شك أن البحرين وكل دول الخليج تحتاج لثورة لإصلاح النظام السياسي والاجتماعي أكثر من أي بلد آخر ،ولا شك بوجود تهميش للمواطنين السُّنة في البحرين،ولكن سيرورة الهبة الشعبية أو الثورة في البحرين ليست خاضعة لمحددات وطنية داخلية فقط ،أو لا يُراد لها أن تبقى ضمن الإطار الوطني، فكون غالبية المتظاهرين من الشيعة ،وهذا لا يقلل من قيمة الحدث لان غالبية سكان البحرين من الشيعة بل وكثير منهم من أصول إيرانية،وحيث أنه سبق لمراجع عليا في إيران أن زعمت بان البحرين جزء من إيران ،كما دأبت إيران على تحريض الشيعة في البحرين وفي مجمل العالم العربي مُنَصِبة نفسها مرجعية لهم وحامية حماهم ،فإن مسار الأحداث في البحرين تنذر بحرب أهلية قد تتطور لحرب إقليمية يكون طرفاها الرئيسيان إيران والمملكة السعودية،وإن لم تكن حربا فعودة لحالة استقطاب شيعية –سنية حادة تأخذ بعدا عنفويا مسلحا ،آخذين بعين الاعتبار ما يجري في السعودية وخصوصا في المنطقة الشرقية وفي لبنان وعملية الاستقطاب داخله،كما أن اليمن ليست بعيدة حيث يتداخل فيها النضال الديمقراطي المشروع لإصلاح النظام السياسي وإنهاء حكم علي صالح،مع حركة الحوثيين في الشمال المتَهَمة من النظام ومن السعودية بعلاقاتها مع إيران،وفي خلفية المشهد السياسي السوري شيء من هذا القبيل.
|
||||
© حقوق الطبع والنشر محفوظة لموقع بنت الرافدين Copyright © 2000 bentalrafedain web site. All rights reserved. info@bentalrafedain.com |